مقالات وآراء

عندما يتحول العمل السياسِي إلي مهنة ومصدر للرزق

نضال عبدالوهاب

 

مُمارسة العمل السياسِي خاصة في واقع كواقع بلادنا ، لا يشهد إستقرار سياسِي ، وتحفه الصراعات والحروب ، وتعاقب الأنظمة الشمولية والديكتاتورية ، لاشك تتطلب قدراً عالياً من التضحيات لكثير ممن يُمارسونها ، وظل هذا هو الحال في مُعظم أيام النضال الوطني ضد الدكتاتوريات ، ومن أجل التغيير للأفضل في العموم ، وإحدي هذه التضحيّات أن الكثيرين وخاصة في حال إحتراف العمل السياسِي اليومي ، أو التفرغ له ، يصبح ليس لديهم مصدر رزق مالي مُباشر يعيشون منه ، وظل الكثيرون من هؤلاء “المُتفرغين” ممن ليس لهم مصدر للرزق ، يتلقون مُقابلاً أو راتباً مالياً بحسب مقدرات أحزابهم أو الكيانات التي يعملون كمُتفرغين خلالها ، وفي الأغلب تجد مايتحصلون عليه لايكفيهم وأسرهم للعيش الكريم ومُقابلة متطلبات الحياة ، ولكنه وفي ظل تلك الأوضاع ولأهميّة مايقومون به من أدوار يُعتبر نوع من التضحية ، خاصة إذا تعرضوا لإغراءات مُختلفة وعُرضت عليهم “بدائل” تجعلهم في وضع مادي أفضل ، بل أن بعض من ضحوا من هؤلاء كان لهم تأهيل معرفي وفكري وأكاديمي يتيح لهم سواء داخل البلاد أو خارجها إن هم إختاروا أن يدر عليهم دخولاً وإستقراراً مادياً أفضل بكثير من أن يكتفوا بالقليل وغير المُنتظم من أحزابهم أو القوي السياسِية التي ينتمون إليها تنظيمياً ، وهذا هو الأمر المُتعارف عليه داخل القوي السياسِية التي تمارس العمل السياسِي بشكل عام ، والأمر هنا مقبولاً لأن تلك الشريحة أو الفئة من المتفرغون قد ضحوا بوقتهم وحرموا أنفسهم من العمل الحر وإكتفوا بمقابل معقول أو قليل لتأدية دورهم وواجباتهم الحزبية أو السياسية ، وكذلك يعتبر الأمر مقبولاً بإعتبار أن الأصل في مُمارسة العمل السياسِي والأنتماء التنظيمي للأحزاب أو الكيانات السياسِية هو في الأساس عمل “طوعي” ، وليس مجالاً لتلقي أموال أو للتربح من خلاله أو عن طريقه ، وهذا هو الأمر الصحيح والمبدئي والأخلاقي ، والذي ينسجم مع الغرض من مُمارسة عمل “سياسِي” للتغير في الواقع أو مُساعدة الدولة وشعبها وخدمتهم ، وحتي في حال وصول تلك القوي للسُلطة والحُكم يتحول بعضهم بحسب مواقعهم داخل السُلطة لموظفي “دولة” ويكون المُقابل المادي الذي يأخذونه من الدولة هو في إطار “الوظيفة” المُحددة كبقية الوظائف في الدولة مع خصوصية وجودهم فقط كسُلطة ، لكنهم بالأخير لاينبغي أن يتعدون ماتخصصه لهم الدولة أو الوظيفة “مادياً”.

ولكننا وبكل أسف أصبحنا نري اليوم وفي ظل الواقع الحالي أن الكثيرين جداً من مُمارسي العمل العام والسياسِي قد حولوه لمهنة ، ولمصدر للرزق بل والتربح والتجارة و”البزنس” ، وأصبحت مُمارسة العمل السياسِي عند كثيرين هي البوابة للثراء أو الدخول العالية ، أو في أقل التقديرات السفر وتلقي النثريات والمُخصصات ، وفئية أخري أصبح العمل السياسِي والعام عندها فقط لتوفير مُتطلبات الحياة والمعيشة وتلقي الأموال في مقابل هذه المُمارسة ، وفي هذا يتساوي الكثيرين داخل دائرة هذا العمل ، سواء كانوا داخل أحزاب سياسِية أو تحالفاتها أو حركات أو منظمات مجتمع مدني ، أو قوي نقابية أو مهنية ، وأصبحت الكيفية التي يتم بها تلقي أموال من جهات مختلفة داخلية أو خارجية أو عمليات تمويل للنشاط السياسِي أو العام هي مصدر للرزق عند الكثيرين ، وظاهرة من المهم التوقف عندها ، خاصة مايُعرف بمنظمات المجتمع المدني ، أو القوي السياسية الحزبية أو التحالفية أو الحركات وكل من يتلقي “تمويل” عبر برامج أو مشروعات مُتخصصة ، أو عن طريق مؤسسات مالية ، أو جهات مانحة أو متبرعة بتلك الأموال ؟؟ ، وهنا علينا فتح عدد من الأسئلة للوصول لنتائج محددة،،،

وهي :

١/ هل العمل السياسِي لأجل التغيير أو لوقف الحرب أو جلب الديمُقراطية “كامثلة” مُرتبط بتلقي أموال من أي جهة داخلية أو خارجية ولصالح مُمارسي هذا العمل ؟

٢/ وهل الذين يتطوعون لاداء وممارسة العمل السياسي والعام ويوجودون داخل احزاب أو كيانات ويتلقون عن طريقها أموال تأتي من مؤسسات وبرامج تمويل ، كيف يتم توظيفه ؟؟ ولمصلحة من بالأساس؟؟

٣/ وهنالك سؤال هام ، وهو ماهي حدود تلقي الأموال خاصة الآتية من الخارج ؟، وماعلاقتها بعمليات الإختراق التي تحدث أو الإملاءات التي تأتي بنتائج سلبية وبعضها كارثية علي بلادنا والشعب السُوداني ، خاصة الجهات المشبوهة أو التابعة لأستخبارات خارجية أو دول مُعادية أو حكومات ومنظمات دول لها مصالح مُتعارضة مع مصالح بلادنا؟؟

٤/ كيف نضمن مُمارسة عمل سياسي وعام غير مُرتبط باي سلوك يحوله لمهنة ومصدر للرزق أو التربح؟؟

٥/ وماهي مواصفات النزاهة وقفل باب أي فساد يأتي من تلك الأموال وعمليات التمويل الداخلية والخارجية؟

الملاحظ وفي ظل واقعنا الحالي والحرب التي تضرب بلادنا والمُعاناة الكبيرة والأزمة التي تعيشها بلادنا ويواجهها الشعب السُوداني ، أن هنالك “فئة” ليست قليلة للأسف من مُمارسي العمل السياسِي والعام قد حولوهوا لصنعة أو حرفة أو مهنة ومصدراً للرزق والتربح ؟؟

من المهم لكل من يقوم بممارسة عمل سياسي وعام أن لايتوقع أن يكون له عائد مادي من ورائه بخلاف الشريحة التي ذكرناها في بداية المقال وهم من يطلق عليهم بفئة “المتفرغون” وحتي مايتلقونه نظير تفرغهم هذا مقابل ادوار محددة ومهام وبمقابل معقول يأتي من مصدر مالي له من الضوابط مايُبعد عنه أي شبهة فساد أو عمل غير سليم ونزيه ، أما مسألة فتح الباب هكذا “سداح مداح” لكل الوالجين داخل مجال العمل السياسِي والعام ومُمارسيه سواء أحزاب أو تحالفات سياسية أو حركات أو قوي نقابية ومهنية أو منظمات مجتمع مدني ، لتلقي أموال أو الدخول في نشاط أو عمل تجاري أو “بزنس” ذو صلة بتلك الممارسة للعمل السياسِي والعام باي طريقة والتربح منه فهو بالأساس ينسف فكرة العمل السياسي الصحيح لاجل تغيير سياسي أو للواقع الموجودة فيه بلادنا وشعبنا الآن ومُستقبلاً ، إن ظاهرة المؤتمرات والورش المرتبطة بمؤسسات تمويل خاصة الخارجية وغير المُقننة وغير المؤدية لأي نتائج إيجابية لصالح البلد وشعبها تتحول فقط لمصادر مالية وللرزق والربح ولاتُفيد ، والنماذج كثيرة للأسف ومتوفرة المُعلن منها والمُستتر؟؟

من المهم فتح هذا الملف لكل العاملين والمتطوعين داخل منظومة العمل السياسِي العام والمدني والديمقراطي والثوري في السُودان ، وفتح نقاشات داخلية وعامة حوله وبكل شفافية وشجاعة ، وحتي علي الأقل لانكرر تجربة مابعد الثورة وحتي لحظة الحرب الحالية وكافة الإخفاقات والإختراقات والضُعف العام في كامل المشهد حالياً والفشل للوصول لواقع مختلف ، ثم التصحيح وتعديل هذا الوضع الشائه الحالي والتقدم بخطوات مُغايرة تقودنا لنتائج أفضل…..

 

[email protected]

‫4 تعليقات

  1. ياخي هذا المقال يعادل كل ما نشرته الصحف السودانية كيزان معارضة ناشطين انا احييك واقول لك انت بدات في التغيير الحقيقي عدم المواجهه والشجاعة وتسلق نخب الغفلة والجهلة والفاقد التربوي والاخلاقي كلهم سبب معاناة اكرر تحياتي لك ولوالديك والله مقال بالف مقال ياخي شوف الكلام المفيد وسمح يجيب ليك الخير والدعاء صعاليك بامركا اوربا مشردين يتبارون في اللايفات ومن يحسبون نخب بالخليج الاقليم هم ارزقية صناعة لازم نخب قومية تنتبه لما يحصل وحاصل اعادة دمج وتسريح لهذه الاحزاب زي ما الجيش يحتاج دمج واعادة تسريح الاحزاب كذلك

  2. الاستاذ نضال لك التحية والتقدير ، إذا كانت الجزائر تعرف ببلد المليون شهيد ومورتانيا ببلد المليون شاعر فالسودان يعرف ببلد المليون سياسي ، تخيل معي عدد الاحزاب في السودان بغض النظر عن عضوية هذه الاحزاب هل تتعقد العدد يتناسب مع عدد سكان السودان ؟ دا غير الحركات المسلحة والغير مسلحة وزعماء القبائل والإدارات الأهلية وغيرهم . اعتقد هذه مشكلة كبيرة . هل تذكر النكتة التي تقول ان عدد خمسة صعايدة اشتروا تاكسي وعندما أرادوا العمل عليه لم يثق احد في الاخر فركبوا جميعا في التكاسي وبعد مدة قالوا لماذا لم يدخل التاكسي أي ايراد لنا .
    نحن لو اعطينا كل سياسي منصب في السودان حسب رغبته ، سوف تجف الاراضي الزراعية من الزرع وسوف تموت الحيوانات لانها لن تجد رعاة ولا بياطرة وسوف يترك المهندسين كذلك مهنتهم ……الخ . العمل السياسي فيه منصب وجاه وسلطة وسفر وهذا ليس معناة ان العمل السياسي ليس مهما لكن لا يمكن ان نمارس جميعنا السياسة ونترك الانتاج وصحة البيئة ونكون خصما على تنمية البلد وازدهارها .

  3. بدأت أشك أن البلبوس السوداني الأمريكي المقام قد صار يعتقد أنه المرشد البتاع للهناي السوداني

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..