مقالات وآراء

بين كوالا أستراليا وضحايا السودان: يُنقذ الحيوان ويُباد الإنسان

 

عادل إبراهيم مصطفى

في الأيام الماضية، اجتاحت عواصف رعدية عنيفة وأمطار غزيرة مناطق واسعة من شرق أستراليا، لاسيما مدينة سيدني، بفعل منخفض جوي قوي. هذا الحدث المناخي لم يربك فقط حياة الناس، بل أثّر أيضًا على البيئة والحياة البرية، ما دفع حيوانات مثل الكوالا إلى النزوح من موائلها الطبيعية، باحثة عن ملاذ في الطرقات والمناطق السكنية.

لكن اللافت في المشهد لم يكن فيضان المياه… بل فيضان الإنسانية.

فما إن بدأت صور الكوالا التائهة والمصابة تنتشر، حتى سارعت سلطات مدينة سيدني إلى إصدار نداء رسمي للمواطنين “إذا رأيتم كوالا مصابًا أو مهددًا، رجاءً اتصلوا بخط الطوارئ البيئي فورًا.”

وراء هذا الرقم تقف فرق متخصصة، مدرّبة وجاهزة للتدخل السريع، لنقل الحيوان إلى مستشفى بيطري وتقديم الرعاية اللازمة له.

وليس هذا بغريب على مجتمع يؤمن بقيمة الحياة في كل أشكالها، ويدرك أن الضعيف لا يُهان، بل تُمدّ له يد العون، لا شفقةً، بل التزامًا أخلاقيًا راسخًا.

لكن، في اللحظة ذاتها التي يُسعف فيها الحيوان في أستراليا.. يُباد الإنسان في السودان.

◄ المأساة الأعمق أن طرفًا من أطراف الحرب – الجيش، مدعومًا بتيارات الإسلام السياسي – يصرّ على مواصلة الحرب، رافضًا وقف القتال، ومتشبثًا بخطاب ديني يبرر العنف باسم “الشريعة”

ففي بلادنا، التي تمزقها حرب أهلية منذ 15 أبريل 2023، لا تُطلق نداءات لحماية المدنيين، ولا تُخصَّص أرقام ساخنة لإجلاء الجرحى أو إنقاذ الأطفال. الإنسان، في الكثير من المناطق، يُعامل كما لو كان عبئًا على الوجود.

البيوت تُقصف، الأسواق تُستهدف، القرى تُمحى من الخارطة من قبل الجيش وقوات الدعم السريع على حد سواء. الطائرات والمدافع لا تفرّق بين رجل وامرأة، بين مريض ورضيع. والفرق الوحيد في مشهد الموت هو زاوية السقوط.

والمأساة الأعمق أن طرفًا من أطراف الحرب – الجيش، مدعومًا بتيارات الإسلام السياسي – يصرّ على مواصلة الحرب، رافضًا وقف القتال، ومتشبثًا بخطاب ديني يبرر العنف باسم “الشريعة” و”الدفاع عن الدين”، (بل بس).

لكن، أيّ دين هذا الذي يسكت على تجويع الأطفال ودفنهم تحت الأنقاض؟ من هم المسلمون إذن؟ هل الإسلام هو ما يدّعيه هؤلاء؟ أم أنه يعيش، ربما، في قلب مسعف أسترالي يحمل كوالا على كتفه، لأن الحياة في عرفه لا تُقسَّم حسب العرق أو العقيدة أو الفصيلة؟

الفرق بين المكانين لا يكمن فقط في المناخ أو الاقتصاد أو التكنولوجيا، بل في الأخلاق، وفي منظومة القيم، وفي احترام الحياة بوصفها حقًّا مقدسًا لكل كائن حي.

وها هنا المفارقة القاسية: في بعض الدول، يُعامل الحيوان كما لو كان إنسانًا؛ وفي السودان، يُعامل الإنسان كما لو كان أقل من حيوان.

نحن لا نطلب مستشفيات بيطرية لكل مواطن. نطلب فقط وقفًا لنزيف الدم، واحترامًا لحياة البشر… تمامًا كما تُحترم حياة الكوالا.

فهل هذا كثير؟

العرب

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..