هل تقود التصريحات الإسرائيلية والصراع الإقليمي إلى انقلاب في السودان؟

زهير عثمان حمد
الخلفية المتفجرة
يعيش السودان واحدة من أخطر أزماته منذ الاستقلال، بعد اندلاع الحرب الأهلية في 15 أبريل 2023م بين القوات المسلحة السودانية بقيادة الفريق أول عبد الفتاح البرهان، وقوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو (حميدتي). هذه الحرب كشفت هشاشة الدولة السودانية، وانهيار مؤسساتها، وفتحت الباب واسعًا أمام التدخلات الإقليمية والدولية.
في هذا السياق المأزوم، جاءت تصريحات إسرائيلية رسمية—ومنها تصريح لوزير الخارجية—تتهم البرهان بالولاء لإيران، وتصفه بـ«رجل إيران في إفريقيا». هذه الاتهامات ليست مجرد شتائم دبلوماسية؛ بل تعكس استقطابًا إقليميًا متزايدًا، حيث تحاول تل أبيب، عبر الحرب الإعلامية، التأثير في ميزان القوى بالخرطوم لصالح حلفائها.
التصريحات الإسرائيلية، حتى لو كانت جزءًا من صراع السرديات مع طهران، تُشكل عامل ضغط داخلي وخارجي يمكن أن يُستخدم كمبرر لإعادة ترتيب السلطة في السودان، بما في ذلك خيار الانقلاب العسكري.
بنية الأزمة السودانية : عوامل الفوضى وغياب الدولة
انهيار الدولة السودانية ليس حادثًا طارئًا، بل نتيجة تراكمات:
الانقسام الحاد في المؤسسة العسكرية: الجيش خسر مواقع استراتيجية لصالح قوات الدعم السريع، وتدور تقارير عن خلافات واتهامات بالخيانة داخل قياداته.
التدخلات الخارجية: الصراع السوداني أصبح ساحة صراع بالوكالة. مصر، السعودية، الإمارات، روسيا، وتركيا جميعها أطراف ذات مصالح متضاربة.
غياب المشروع الوطني الموحد: القوى السياسية التقليدية عاجزة، والحركات المسلحة تنظر بعين الريبة لأي سلطة مركزية، في حين يتموضع المجتمع الدولي في موقع المتفرج القلق.
في ظل هذا الواقع، تصبح أي محاولة انقلابية مغامرة محفوفة بالانقسامات الداخلية، لكنها مع ذلك تظل احتمالًا واردًا.
عوامل قد تدفع إلى انقلاب
هناك عدد من العوامل الموضوعية التي قد ترفع احتمالية حدوث تغيير قسري في السلطة:
1⃣ الضعف البنيوي للجيش
خسائر الجيش وتراجعه الميداني أمام الدعم السريع أضعفا الثقة بقيادة البرهان. الانقسامات الداخلية قد تُغري جناحًا ساخطًا بالمغامرة بعزله، خاصة إذا تصور أن بقاءه يهدد تماسك الجيش.
2⃣ استخدام التصريحات الإسرائيلية كورقة سياسية
الاتهامات الإسرائيلية قد تصبح أداة دعائية لمعارضي البرهان، لتصويره كحليف لإيران، ما قد يدفع حلفاءه التقليديين (مصر، السعودية) إلى التبرؤ منه أو دعم بديل عسكري داخلي.
3⃣ الاستقطاب الإقليمي
أي مؤشرات فعلية على تقارب البرهان مع طهران ستضعه في مواجهة مباشرة مع القاهرة والرياض وأبوظبي، ما قد يفضي إلى هندسة انقلاب مدعوم من الخارج.
عوامل تحد من احتمالية الانقلاب
لكن السيناريو الانقلابي لا يزال معقدًا للغاية:
غياب البديل المقبول
لا يوجد قائد عسكري يحظى بإجماع داخلي أو بشرعية إقليمية كافية ليحل محل البرهان. أي محاولة انقلابية قد تولد فراغًا أكبر.
التشرذم داخل المؤسسة العسكرية
الجيش نفسه ليس كتلة متماسكة، بل منقسم بين ولاءات مختلفة، بعضها لحميدتي أو قوى خارجية، ما يجعل أي «انقلاب كلاسيكي» صعب التنفيذ من دون صدام دموي داخلي.
الرهانات الدولية
رغم كل شيء، ما تزال القوى الغربية (الولايات المتحدة، الاتحاد الأوروبي) تعتبر البرهان طرفًا ضروريًا في أي مفاوضات. انقلاب يطيح به قد يُنظر إليه كتصعيد خطير يهدد جهود الوساطة.
المخاطر الأوسع للتصريحات الإسرائيلية
التصريحات الإسرائيلية، مهما كان دافعها، تحمل مخاطر استراتيجية على السودان:
✅ تأجيج الحرب الأهلية
باتهام البرهان بالتحالف مع إيران، يُحوّل الصراع السوداني إلى ساحة مواجهة بالوكالة بين إيران وإسرائيل، على غرار اليمن أو سوريا.
✅ عزل البرهان عربيًا
إذا صدقت هذه الاتهامات، قد يفقد البرهان دعم مصر والسعودية—وهما ركيزتان أساسيتان لبقائه في السلطة.
✅ تعميق التدويل
تزيد هذه التصريحات من تبرير التدخلات الخارجية، وتُقوض ما تبقى من سيادة الدولة السودانية.
السيناريوهات المحتملة
السيناريو الاحتمالية الأثر المحتمل
استمرار الوضع الراهن مرتفعة حرب طويلة الأمد، انقسام فعلي للسودان، سلطة اسمية للبرهان
انقلاب محدود داخل المؤسسة متوسطة إزاحة البرهان بقيادة عسكرية جديدة مدعومة إقليميًا
تفكك كامل للجيش مرتفعة ظهور كانتونات مسلحة، تكرار السيناريو الليبي
انتصار قوات الدعم السريع متوسطة سيطرة حميدتي على الخرطوم بدعم إماراتي/روسي
هل الانقلاب هو التهديد الأكبر؟
رغم الضجيج حول احتمال الانقلاب، فإن التهديد الحقيقي الذي يواجه السودان اليوم هو خطر التحول إلى دولة فاشلة بالكامل، بلا مؤسسات، ولا احتكار شرعي للقوة.
الانقلابات، في هذا السياق، لا تُنهي الصراع، بل تعيد ترتيب مواقع القوى المتحاربة مؤقتًا، بينما يظل الانهيار الكامل هو الاحتمال الأكثر رعبًا.
التصريحات الإسرائيلية قد لا تكون مقدمة لانقلاب وشيك، لكنها تعكس مدى تحول السودان إلى ساحة صراع بالوكالة، وتزيد هشاشة موقف البرهان.
في النهاية، المخرج الوحيد هو وقف إطلاق النار الفوري، والاتفاق على تسوية سياسية وطنية جامعة، تنأى بالبلاد عن الاستقطاب الإقليمي وتمنح السودانيين فرصة أخيرة لإنقاذ دولتهم.
«السودان لا يحتاج إلى انقلاب آخر. إنه يحتاج إلى إنقاذ عاجل من حرب أهلية تلتهمه بلا رحمة».
وقف الحرب كان و ما زال هو أفضل ما يمكن فعله أمام كارثة السودان المتفاقمة. لا يزال قادة الجيش على اصرارهم على استمرار القتال تحت دعاوي و مبررات سواء كانت معلنة او مخفية؛ فليذهب هؤلاء القادة إلى الجحيم .
كتابة الذكاء الاصطناعي دي أقرفتنا.. يأ أخي أكتبوا بلغة تعبر عن أفكاركم ولو كانت متواضعة فإنها أدخل إلى نفس القاري من هذه الصناعة.
تحياتي…
من المعروف ان العوامل الخارجية مهما كانت قوتها لا تسفر عن تغيير كبير الا اذا تفاعلت معها العوامل الداخلية بيد ان مشكلة التصريحات الاسرائيلية المتواترة عن الوجود الايرانى المتزايد فى السودان لا بد ان تفهم فى سياق الضربات التى يتم التجهيز لتصويبها الى جماعة الحوتى فى باب المندب البوابة الجنوبية للبحر الاحمر وكذلك ما يدور فى غزة اذ لم يعد سرا ان الصراع الايرانى الاسرائيلى لا يزال فى بداياته رغم وقف اطلاق النار الهش.. هذه التصريحات تهدف الى ايجاد المبرر لما يمكن ان تقوم به الدولة العبرية من اعمال عسكرية استباقية ضد الوجود الايرانى فى السودان كما انها تعتبر تنبيها لدول اخرى مشاطئة للبحر الاحمر كالسعودية ومصر اذ لم تخف مصر أيضا مخاوفها من ذلك الوجود بل تسربت تقارير تقول ان القاهرة قد حذرت البرهان من المضى بعيدا فى تقبل الوجود الايرانى على البحر الاحمر وهى سياسة مصرية ثابتة تعيدنا الى ايام الرئيس الراحل حسنى مبارك والذى توعد البشير بانه لن يتاخر فى القيام بعمل عسكرى ضد الوجود الايرانى على شواطئ البحر الاحمر.. ولا ننسى السعودية فبالرغم من الهدوء النسبى الذى طرأ على العلاقات بين البلدين ولكن السعودية تساورها شكوك على الدوام من سلوك ايران الشيعية حيث ان تصدير الثورة نص عليه الدستور وبالتالى تكون اية جكومة فى طهران ملزمة وملتزمة بتطبيق النص.. نضيف لتلك المخاوف ما يمكن ان يشكيله الحوثيون فى اليمن وكفيلتهم بقواعدها على السودان ولا ننسى بطبيعة الحال اعداد الشيعة شرقى السعودية حيث ظلوا على الدوام مصدر قلق واضطراب فى مناطق الاحساء الهفوف القطيف وغيرها بالرغم من ان السعودية قد قلمت أظافرهم بعد اعدام شيخهم على باقر النمر يناير 2016م بتهم تتعلق بالارهاب… ان الذى شهدناه فى منطقة الخليج خلال حرب الاثنى عشر يوما كان يمثابة الزلزال لاسرائيل والتى لم تشهد حدودها منذ نشأتها هجوما عسكريا كبيرا كالذى شنته ايران بصواريخها ومسيراتها وكذلك حجم الخسائر التى نجمت عنها حملت عبئا سياسيا داخليا يحتاج معها نتينياهو الى القيام بعمل استباقى يستعيد به بعضا من كبريائه وسمعته التى تمرغت بفشل القبة الحديدية فى التصدى لتلك الغارات…. لعل الوضع مع السعودية أفضل نوعا ما فهى ليست لها أطماع داخل السودان ولكنها قطعا مهمومة ومهتمة بالوجود االايرانى على مقربة من شواطئها الغربية خاصة بالقرب من موانئ تصدير النفط فى ينبع ورابغ وهى البديلة لشحن النفط عبر الخليج العربى المتوتر بيد ان الحقيقة المرة فى ذات الوقت هى ان السعودية طرف رئيسى فى ميثاق دول مجلس التعاون الخليجى الدفاعى وبالتالى يلزمها الميثاق بالوقوف مع الامارات وهى تتعرض لتهديدات أمنية كالتى يطلقها الفريق العطا ولا ننسى ان الشيكات محفوظة فى الدرج السعودى فهى قد تنتظر الاشارة فقط للتوقيع خاصة بعد ماشاهدنا الرئيس الامريكى ترامب وهو يقوم بجولات التحصيل كالتى كان يقوم بها جباة الضرائب والمكوس فى السودان.. يجب ان تؤخذ التصريحات ماخذ الجد والتعامل معها بانها ليست بالونات على الهواء وللحسرة فان الجيش وقادته يصرون على مواصلة الحرب وتظل الحاجة ماسة للعدة والعتاد ولا بديل سوى قبول السم وتجرعه وهو التعامل مع ايران الشيعية رغم المخاطر ….ونتفق مع الكاتب ان الجيش السودانى قد تمرغت سمعته بعد عجزه غن منازلة قوات أنشأها الجيش بنفسه بل ان كبار قادته هربوا الى عواصم أمنة قريبة وبعيدة والبرهان لم يعد موثوقا به فى الداخل والخارج ومستعد لعمل اى شئ للبقاء على كرسى الحكم تحقيقا لحلم جده والذى يحركه على الدوام ويحفزه للبقاء على كرسى الحكم باى ثمن..
رد موحد على المتداخلين الكرام في الراكوبة:
أشكر جدًا كل من تكرم بالتعليق على هذا المقال، وأقدر الوقت والفكر الذي بذلتموه في التفاعل معه.
🔹 أولًا للأخ “إنسان وطني”:
أتفق تمامًا مع دعوتك الصريحة لوقف الحرب فورًا باعتباره الحل الأصدق والأشجع. لعل جوهر المقال نفسه هو التحذير من أي رهانات عسكرية – سواء انقلابية أو غيرها – قد تعيد تدوير الأزمة بدل حلها. نعم، يجب أن نكرر بلا كلل أن وقف الحرب هو أول خطوة في أي مسار حقيقي لإنقاذ السودان من الهاوية.
🔹 ثانيًا للأخ “أحمد”:
أشكر صراحتك ونقدك، وأحترم انطباعك تمامًا. أحاول في كتابتي أن أجمع بين الطابع التحليلي وبين لغة واضحة ومنظمة، وأدرك أن هذا قد يبدو أحيانًا «مصنوعًا» أو «باردًا» للبعض. لكن صدقني، هو جهد شخصي تمامًا، لا روبوتي ولا مزيف، بل هو اجتهاد لتقديم فكرة مركبة في قالب منظم. أتمنى أن أواصل التطوير حتى تصل اللغة والفكرة معًا إلى القارئ بسلاسة وصدق أكبر. تحياتي وتقديري الكبير.
🔹 ثالثًا للأستاذ “ديكو بالدا”:
أشكر لك هذا التعليق الثري والعميق الذي يكاد يكون مقالة قائمة بذاتها!
في الحقيقة، أتفق مع الجزء الأهم في طرحك: وهو أن هذه التصريحات الإسرائيلية لا ينبغي النظر إليها فقط في سياق الخرطوم، بل في الإطار الأوسع لصراع إيران–إسرائيل في البحر الأحمر وباب المندب واليمن وغزة. كما أن الربط الذي قدمته بتاريخ الموقف المصري والخليجي من التمدد الإيراني في البحر الأحمر مهم جدًا.
في مقالي حاولت إبقاء العدسة على الداخل السوداني، لكنك محق في ضرورة ربط ذلك بالحسابات الإقليمية والدولية الأوسع. تظل هذه الجبهات مرتبطة بشكل عضوي، وأي خطوة هنا ستلقى صدى هناك.
أشاركك أيضًا الرأي في أن تصريحات كهذه قد تُهيئ الأجواء إعلاميًا وعسكريًا لأعمال استباقية، أو تضغط على لاعبين إقليميين لتحديد مواقفهم. وهو بالضبط ما يجعلها خطيرة على السودان المنهك والذي صار مجالًا مفتوحًا لمشاريع النفوذ الإقليمي.
في الختام، أتمنى أن نواصل مثل هذا النقاش الهادئ والمثمر، لأننا كسودانيين بحاجة ماسة إلى التفكير بعمق وبمسؤولية في ما يجري حولنا وداخلنا، بعيدًا عن الانفعال أو التبسيط المخل.
تحياتي واحترامي للجميع، وشكرًا مرة أخرى لكل من قرأ وعلق.
✍️ زهير عثمان حمد
الحبوب، زهير.
لكي يقع انقلاب في السودان لابد اولا وقبل كل شيء من وجود جيش، وقياديين عسكريين يخططون وينفذون الانقلاب…