آبي أحمد يوجه خطابًا رسميًا يحمل تهديدًا مبطنًا لإريتريا

د. محمد آدم عثمان
في سياق سعي إثيوبيا للوصول إلى البحر الأحمر، وسط توتر متصاعد مع أسمرا، رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد وجه خطابًا وطنيًا رسميًا في الثالث من يوليو 2025، أشار فيه إلى علاقات بلاده مع دول الجوار، مركّزًا على ما وصفه بالسعي السلمي للوصول إلى البحر الأحمر. وقد جاءت لهجته متزنة في ظاهرها، لكنها حملت بين طياتها رسائل سياسية واضحة وتهديدات مبطنة، لا سيما في حديثه عن “حق إثيوبيا في الوصول السيادي إلى منفذ بحري”.
قال آبي أحمد: “إن سعينا للوصول إلى الميناء يرتكز على المفاوضات السلمية واحترام السيادة، وليس القوة”، لكنه أضاف محذرًا: “إذا تعرض سلامنا للتهديد، فإن إثيوبيا لديها القوة للدفاع عن نفسها”. وهي عبارة فسّرتها أوساط إقليمية كمؤشر على تغير نبرة أديس أبابا، وكتحذير صريح موجه إلى إريتريا التي تملك الساحل والموانئ التي تطمح إثيوبيا للوصول إليها.
إريتريا من جهتها ترى أن الموانئ الواقعة على ساحلها – مثل عصب ومصوع – ليست مجرد بوابات بحرية، بل حدود سيادية رسمها التاريخ وسقتها التضحيات، ولا يمكن القبول بأي مقترحات تنتهك هذا الحق، حتى وإن صيغت بلغة التعاون الاقتصادي. وتؤكد القيادة الإريترية أن أي حديث عن “وصول سيادي” لإثيوبيا عبر أراضيها يُعد خروجًا على الأعراف الدولية، ومساسًا بمبدأ السيادة الذي لا يقبل المساومة.
ومع أن البلدين وقّعا اتفاق سلام تاريخيًا في عام 2018 بعد عقدين من العداء الذي أعقب الحرب الحدودية (1998–2000)، إلا أن الثقة بقيت هشة وقد ازدادت الفجوة بعد حرب تيغراي (2020–2022)، التي دعمت فيها إريتريا الحكومة الإثيوبية، لكنها انتهت بفتور العلاقات وتباين التصريحات حول الوجود العسكري والتعاون الحدودي.
في هذا السياق المتقلب، تسود في أسمرا قناعة راسخة بأن إثيوبيا تحاول فرض رؤيتها الإقليمية من خلال الضغوط الناعمة تارة، والتلميحات الاستراتيجية تارة أخرى، مستغلة حالة الاضطراب الإقليمي. غير أن الرد الإريتري ظل حاسمًا: السيادة خط أحمر، والموانئ ليست أداة لحل اختناقات الآخرين، بل هي امتداد للهوية الوطنية الإريترية ونتاج معاناة شعب لا يرضى بالوصاية.
وفي موقف يعكس عمق الكبرياء الوطني، تؤمن إريتريا بأن الكرامة تُصان بالاستعداد لا بالتوسل، وبأنها إذا دقت طبول الحرب، فإنها لا تشتكي إلى الأمم المتحدة، ولا إلى الدول الكبرى، ولا إلى مجلس الأمن إذا اعتُدي عليها، بل تتهيأ بإمكاناتها الذاتية لردع العدو، ومقابلته بصلابة تليق بتاريخها وبتضحياتها.
يشهد القرن الإفريقي حالة من الغليان، مع تصاعد الأزمات في السودان، وتفاقم الوضع الأمني في الصومال، والاضطراب المتواصل في اليمن عبر الضفة المقابلة للبحر الأحمر. وفي هذا السياق المتوتر، تبدو المنطقة غير قادرة على تحمّل صراع جديد، خاصة إذا نشب بين إثيوبيا وإريتريا، اللتين تتقاسمان تاريخًا معقدًا وجغرافيا ملتهبة.
فأي توتر جديد بين البلدين لن يبقى حبيس حدودهما، بل ستكون له تداعيات إقليمية واسعة، تهدد أمن الممرات البحرية واستقرار القرن الإفريقي برمّته.
وبينما تسعى أديس أبابا لتقديم نفسها كقوة سلام فاعلة في الإقليم، ترى أسمرا أن الطريق نحو السلام لا يُعبّد بالشعارات، بل يبدأ باحترام الحدود المعترف بها، لا بالحديث عن إعادة ترسيمها وفق حسابات القوة والطموح الجغرافي.
وبناء عليه فإن الرسالة الإريترية لا تحتاج إلى تأويل: السلام خيار مبدئي، لكن لا يمكن بناؤه على حساب الكرامة الوطنية أو التفريط في السيادة. فالمبادرات الصادقة تبدأ بالاعتراف بالحقوق الثابتة، وتُبنى على الاحترام المتبادل، لا على الطموحات التوسعية ولا على توازنات القوة. وما لم تدرك إثيوبيا هذه الحقائق، فإن أمن البحر الأحمر سيظل رهينة التوجس، لا التعاون.



