انتهت المهزلة!

منعم سليمان
لم يكن الخامس عشر من أبريل من عام 2023 مجرّد تاريخٍ تفجّرت فيه الخرطوم، وانتقلت منها النار إلى بقية البلاد، بل كان لحظةَ انفجارٍ للنية الدفينة، وافتتاحًا لصكّ العودة الكبرى؛ تلك التي أُعِدّت في ليلٍ طويل، وتدثّرت بأكاذيب السيادة والوطنية والأرض، ثم انقشعت اليوم، كاشفةً عن وجهها القبيح: مشروعُ الإسلاميين، وقد نبت من جديد في جسد السودان، بخيانةٍ وتواطؤٍ من قيادة الجيش التي تمسك بزمام الأمور اسمًا، وهي مأمورةٌ فعلًا!
إنّ تعيين “عبد الله دَرَف” وزيرًا للعدل ليس مجرّد اختيارٍ فني، ولا هو اجتهادٌ سياسيّ في لحظة اضطراب؛ بل هو البيان العمليّ الصارخ الذي يكشف الوجه الحقيقيّ لما ظللنا نردّده منذ اليوم الأول للحرب: أن هذه الحرب، التي أشعلها الإسلاميون بزيّ وشعار الجيش، لم تكن سوى وسيلةٍ أكثر عنفًا – بعد تعثّر الانقلاب – للعودة إلى الحكم، وتصفيةِ ما تبقّى من مظاهر الثورة والانتقال المدنيّ الديمقراطيّ.
و “درف”، الذي يُقدَّم اليوم على رأس (العدل)، ليس تكنوقراطًا، ولا محاميًا مستقلًّا، بل هو كادرٌ أصيل في منظومة التمكين، وأحد أبناء الحركة الإسلامية الذين صعدوا في ظلال البشير، وتقلّدوا المناصب بالولاء، وارتبط اسمه لاحقًا بالدفاع عن المجرمين والفاسدين من بقايا النظام البائد. وما كان اختياره إلا عودةً صريحة إلى المسار الذي شقّته الحركة الإسلامية بالحديد والنار.
وها هو البرهان، وبعد أن استنفد كل مراحل التمويه، وبعد أن تمثّل بعضُ المدنيين الانتهازيين أدوارَهم لإكمال المشهد الديكوري، بدأ في تسليم المواقع لأصحاب الانقلاب الحقيقيين، وأبناءِ المشروع الذي فُجِّرت من أجله الحرب. ولا ريب، فهذه وظيفته التي أُتي به من أجلها، يُكمِلها كما يجب عليه!
أما دُميته كميل إدريس، فليس سوى غطاءٍ جلديٍّ سميك، تَخفّى خلفه النصل، تم اختياره بعناية فائقة؛ لمرونته لا لحَسمه، ولضعفه لا لقوّته، ولكي يُمرِّر لا ليُقرِّر، ويُهيّئ الساحةَ لانتقالٍ ناعمٍ آخر، يُعيد الإسلاميين من الظلّ إلى الأضواء. وهو دورٌ يليق بسيرته الذاتية المُخزية!
إنّ تعيين عبد الله دَرَف في وزارة العدل بسلطة بورتسودان إنما يُمثّل لحظةَ اكتمال دائرة الخديعة؛ فلا تقل بعد اليوم: عاد الإسلاميون، بل قل: *انتهت المهزلة*.
هم غابوا متين عشان يعودوا تاني.