حوارات

المبعوث الخاص لمكافحة الإسلاموفوبيا ميغيل أنخيل موراتينوس: خطاب الكراهية يجرد المسلمين من إنسانيتهم

ميغيل أنخيل موراتينوس، سياسي إسباني تقلد منصب وزير الخارجية في بلاده (2004-2010) وكان مسؤول العلاقات الخارجية للاتحاد الأوروبي. موراتينوس مدافع قوي عن التعددية الفعالة، وتحالف الحضارات، ومجموعة أصدقاء إصلاح الأمم المتحدة، وساهم في إنشاء برامج مبتكرة للتنمية والرعاية الصحية والمرأة داخل منظومة الأمم المتحدة، مضاعفا المساعدة الإنمائية الرسمية لبلاده. وبعد فترة عمله في الحكومة، مارس نشاطا برلمانيا (2010-2011) يركز على العمل الدولي لمكافحة الجوع والفقر، وتعزيز الأمن الغذائي والحق في الغذاء. وبصفته عضوا في فريق التحالف العالمي للأراضي الجافة في قطر، عام 2012، روّج للمعاهدة الدولية للأمن الغذائي والمعاهدة الدولية للتحالف العالمي للأراضي الجافة.
وفي وقت سابق من مسيرته الدبلوماسية، شغل موراتينوس منصب نائب المدير العام لشمال أفريقيا بوزارة الخارجية الإسبانية (1987-1991)، ومدير معهد التعاون مع العالم العربي (1991-1993)، والمدير العام للسياسة الخارجية لأفريقيا والشرق الأوسط (1993-1996). بعد عمله سفيرا لإسبانيا في إسرائيل (1996)، عينه الاتحاد الأوروبي ممثلا خاصا لعملية السلام في الشرق الأوسط (1996-2003). في هذا الدور، روّج موراتينوس لاتفاقيات السلام ونفذ إجراءات، نيابة عن الاتحاد الأوروبي، لتعزيز الحوار العربي الإسرائيلي.
أنشأت كل من قطر وإسبانيا وتركيا مفوضية الأمم المتحدة السامية لتحالف الحضارات. وشغل موراتينوس هذا المنصب منذ كانون الثاني/ يناير 2019 وحتى الآن. ثم عينه الأمين العام للأمم المتحدة في شهر أيار/مايو 2024، الممثل الخاص لمكافحة الإسلاموفوبا.
درس موراتينوس القانون والعلوم السياسية في جامعة كومبلوتنسي في مدريد، ثم الدراسات الدبلوماسية في المدرسة الدبلوماسية الإسبانية. ويجيد السيد الإسبانية والإنكليزية والفرنسية.
اعتمدت الجمعية العامة للأمم المتحدة، يوم 15 آذار/مارس 2024 قرارا بعنوان «تدابير مكافحة كراهية الإسلام» وذلك بمناسبة اليوم الدولي لمكافحة كراهية الإسلام أو «الإسلاموفوبيا». وصوتت 115 دولة لصالح مشروع القرار الذي قدمته باكستان نيابة عن منظمة التعاون الإسلامي، فيما امتنعت 44 دولة عن التصويت. ولم تصوت أي دولة ضد القرار.
ويدين القرار أي دعوة إلى الكراهية الدينية والتحريض على التمييز أو العداوة أو العنف ضد المسلمين «كما يبدو من تزايد حوادث تدنيس كتابهم المقدس والهجمات التي تستهدف المساجد والمواقع والأضرحة». وتهيب الجمعية العامة في قرارها بالدول الأعضاء، أن تتخذ التدابير اللازمة لمكافحة التعصب الديني والقوالب النمطية والسلبية والكراهية والتحريض على العنف وممارسته ضد المسلمين وأن تحظر بموجب القانون التحريض على العنف وممارسته على أساس الدين أو المعتقد.
ومن بين أمور أخرى دعا إليها القرار إنشاء منصب مبعوث خاص للأمين العام لمكافحة كراهية الاسلام (إسلاموفوبيا). فاختار الأمين العام أنطونيو غوتيريش يوم 7 أيار/مايو 2025 ميغيل أنخيل موراتينوس لهذا المنصب، الذي يجمع بين هذا الدور ومنصب الممثل السامي لتحالف الأمم المتحدة للحضارات
وبعد هذا التعيين التقت «القدس العربي» موراتينوس وكان هذا الحوار وفي ما يأتي نصه.
○ أنشأت الأمم المتحدة منصب المبعوث الخاص لمكافحة الإسلاموفوبيا في نيسان/أبريل 2024 ثم تم اختيارك لهذا المنصب في أيار/مايو 2025. كيف سيساهم هذا المنصب الجديد في مكافحة الإسلاموفوبيا التي بدأت تنتشر بشكل واسع وخاصة في أوروبا والولايات المتحدة؟
• طلب قرار الجمعية العامة بالإجماع 264/ 78 «تدابير مكافحة الإسلاموفوبيا» في آذار/مارس 2024 من الأمين العام تعيين مبعوث خاص للأمم المتحدة لمكافحة الإسلاموفوبيا. ومنذ ذلك الحين، استغرقت الموافقة على ميزانية فعالة من حيث التكلفة لإنشاء هذا المنصب إجراءات طويلة. وقد تم اعتماد الموقع وتكليفي بالمهمة في شهر أيار/مايو من هذا العام مضافا إلى مسؤوليتي كممثل سامي للأمم المتحدة لتحالف الحضارات. ويُعتبر هذا المنصب المزدوج إنجازًا هامًا، إذ يبعث برسالة قوية مفادها أن الإسلاموفوبيا ليست مجرد آفة اجتماعية، بل هي انتهاك لحقوق الإنسان يتطلب استجابة عالمية منسقة. المبعوث الخاص يمكنه أن يلعب دور المراقب والمحفز، من خلال إشراك الحكومات، وتقديم المشورة بشأن إصلاح السياسات، وتعبئة قدرات المجتمع المدني، وإبراز قصص المتضررين. كما سيساعد هذا الدور في إرساء مناهج قائمة على البيانات لتتبع جرائم الكراهية والتمييز، مع دعم جهود التثقيف والتوعية عالميًا. الجالية المسلمة من أكبر التجمعات السكانية على هذا الكوكب الذي يناهز عدد سكانه ثمانية مليارات نسمة، حيث يبلغ تعدادهم قرابة مليارين ونصف المليار شخص. وعليه، فإنه من الأهمية بمكان أن نلتفت إلى حياة وتطلعات وحقوق هؤلاء المواطنين الذين يعتنقون دينهم، ويتمسكون بثقافتهم وهويتهم.
○ كيف تنظرون إلى علاقتكم القديمة في تحالف الحضارات مع دوركم الجديد كمبعوث خاص لمكافحة الإسلاموفوبيا؟
• إنه منصبٌ مزدوج. أواصل مهمتي الشاملة كممثلٍ سامٍ لتحالف الحضارات التابع للأمم المتحدة، وفي الوقت نفسه أُركّز على مكافحة الإسلاموفوبيا، وهو ما يتماشى تمامًا مع مهمتنا الأوسع لتعزيز التفاهم بين الأديان والثقافات، وتعزيز الاحترام المتبادل. هذا ليس مسارًا متوازيًا، بل مهمتان مُعزّزتان لبعضهما البعض، معًا، وبهدف بناء تحالفات أقوى ضد التعصب، ولضمان الكرامة للجميع. إن الأمم المتحدة هي أفضل منصة لمواجهة التمييز ضد المسلمين. لقد أدرك المجتمع الدولي الحاجة المُلحة لاستئصال هذا الشعور بعدم التسامح وعدم القبول تجاه المسلمين الذين يمثلون واحدا من أكبر التجمعات السكانية في العالم.
○ شعاركم «ثقافات متعددة، إنسانية واحدة». هل لا يزال هذا الشعار قائمًا؟ ألا ترون أن خطاب الكراهية في تصاعد وأن الجماعات المتطرفة من كل الأديان والأجناس قد أفسدت هذه الرسالة القوية؟
• بالتأكيد، لا يزال الشعار قائمًا – ربما أكثر من أي وقت مضى. «ثقافات متعددة، إنسانية واحدة» ليس مجرد وصف لحالتنا الراهنة وما عملنا من أجله خلال العقدين الماضيين؛ بل هو أيضًا رؤية لما يجب أن نصل إليه. في عالم متعدد الأقطاب والأعراق والثقافات والأديان، أصبح العيش معًا كإنسانية واحدة ضرورةً لا خيارًا. صحيح أن تصاعد خطاب الكراهية والأيديولوجيات المتطرفة والتطرف يُشكل تحديًا لهذا المثل، ولكن هنا تكمن أهمية المثل العليا في الأوقات الصعبة. فهي تُعطينا التوجيه والهدف. قد يكون خطاب الكراهية والخطاب اللاإنساني صاخبًا، لكنهما ليسا حتميين. مهمتنا هي إعلاء أصوات الوحدة والسلام والتعاطف، وضمان انتصار القيم الإنسانية المشتركة على الانقسام.
○ ازدادت الهجمات على المسلمين والآثار الإسلامية بشكل كبير في أوروبا والولايات المتحدة في السنوات الأخيرة. لقد بلغت نسبة الزيادة في استهداف المسلمين أو من يبدو وكأنه مسلم إلى 7.4 في المئة، لتصل إلى 8658 حادثة عام 2024 مقارنة بـ 8061 عام 2023. كيف تفسر ذلك؟
• الإسلاموفوبيا ليست ظاهرة مقتصرة على أوروبا أو الولايات المتحدة فقط. نحن نعيش في عالم متعدد الأقطاب. جميع المشاكل والأفعال تحدث في جميع أنحاء الكوكب. وما علينا هو أن نعالج كل هذه الأمور في إطار الأمم المتحدة لأنها هي المنصة الوحيدة التي تأخذ في الاعتبار جميع دول العالم. نحن نشهد تطبيعًا خطيرًا للكراهية في الخطاب السياسي والإعلامي. هذه الهجمات لا تحدث بمعزل عن غيرها، بل تُغذّيها إثارة الخوف، والتضليل الإعلامي، والخطاب الذي يُجرّد المسلمين من إنسانيتهم. وقد ساهمت المخاوف الاقتصادية، والتوترات الجيوسياسية، وسياسات الهوية في هذه البيئة. لا تتجلى كراهية المسلمين فقط في الهجمات على أماكن عبادتهم أو تدنيس مقدساتهم أو الحرم المكي، بل يواجه المسلمون تمييزًا مؤسسيًا وقيودًا اجتماعية واقتصادية. تتجلى هذه التحيزات في وصم المسلمين والتنميط العنصري غير المبرر لهم، وتعززها الخطابات الإعلامية المتحيزة والسياسات المعادية للمسلمين التي ينتهجها بعض القادة السياسيين.
وفي كثير من الأحيان، تُسيّس مظاهر الإسلاموفوبيا، سواءً اللفظية أو الجسدية، لخدمة أجندات سياسية. لكن التفسير ليس مبررًا. واجبنا هو مواجهة هذا الاتجاه من خلال معالجة الأسباب الجذرية مثل الجهل، وإلقاء اللوم على الآخرين، والتمييز المنهجي. هذا ما كنا نفعله في تحالف الحضارات التابع للأمم المتحدة. نعمل بشكل وثيق مع المنظمات الشعبية، والمنظمات الشبابية، والمنظمات الدينية، والزعماء والمؤسسات الدينية، لعكس هذه الاتجاهات. وهذا يقودني إلى خطة عمل الأمم المتحدة لحماية المواقع الدينية، التي وضعها مكتبي وأطلقها الأمين العام عام 2019 في أعقاب هجمات على كنائس مسيحية ومساجد إسلامية. إنها تذكير بعالمية المواقع الدينية في كل مكان. يجب السماح للناس في كل مكان بإقامة شعائرهم الدينية وممارستها بسلام من دون خوف. لقد تعرضت المواقع الدينية للهجوم في جميع أنحاء العالم. يجب أن تكون جميع أماكن العبادة والتأمل ملاذات آمنة، لا مواقع للإرهاب أو إراقة الدماء.
○ هناك ظاهرة بدأت تنتشر في أوروبا وبعض دول الأمريكتين وهي صعود القادة الشعبويين اليمينيين، وبعضهم يستخدم خطاب كراهية المسلمين ليرفع من حظوظه في الانتخابات – هل يُشير هذا إلى نهاية عالم متسامح؟ هل أصبح خطاب الكراهية وكراهية الأجانب أمرًا طبيعيًا؟
• هذا التوجه مثير للقلق البالغ. ففي أماكن كثيرة، نشهد تآكلًا في التوافق السياسي والأخلاقي حول التعددية واحترام التنوع. فما كان يُعتبر في السابق خطابًا هامشيًا أصبح الآن جزءًا من الحملات السياسية السائدة، التي تضخمها المنصات الرقمية المنتشرة. لكن هذه ليست النهاية، بل هي اختبار. يجب الدفاع عن الاحترام المتبادل، وهو مصطلح أفضل استخدامه بدلًا من التسامح، مثل الديمقراطية، وتنشيطه باستمرار. يجب أن نضمن تعاون المؤسسات الدولية والمجتمع المدني والأصوات السياسية المسؤولة للتصدي لتطبيع الكراهية. تذكروا أنه استنادًا إلى حقوق الإنسان الدولية، يُحظر خطاب الكراهية، سواءً على الإنترنت أو خارجه، والذي يرقى إلى مستوى الدعوة إلى الكراهية القومية أو العنصرية أو الدينية، والذي يُشكل تحريضًا على التمييز أو العداء أو العنف.
○ هناك ضغوط على الممثل السامي للأمم المتحدة لتحالف الحضارات والآن المبعوث الخاص لمكافحة الإسلاموفوبيا لاعتماد تعريف لمعاداة السامية. ما هي سياستكم في هذا الشأن، وهل يُطبّق ضغط مماثل على تعريف الإسلاموفوبيا؟
• تركز خطة عمل الأمم المتحدة لتعزيز رصد معاداة السامية والتصدي لها على «فهم» معاداة السامية بدلاً من تعريفها. وكما تعلمون، لا تعتمد الأمانة العامة للأمم المتحدة أي تعريفات.لا يوجد تعريف متفق عليه للإرهاب. ومع ذلك، لدينا استراتيجية الأمم المتحدة العالمية لمكافحة الإرهاب، التي تُراجعها الدول الأعضاء مرتين سنويًا.
إنّ الخوض في التعاريف يُشتّت الانتباه عن هدفنا الحقيقي، وهو مكافحة آفة الكراهية والعنصرية والتمييز على أساس الدين أو المعتقد أو العرق. الاتفاق على التعريفات مسؤولية تقع على عاتق الدول الأعضاء وليس على الأمم المتحدة.
○ أصبحت الإسلاموفوبيا سياسةً في بعض الدول. كيف تتعاملون مع هذا الأمر عندما تكون برعاية الدولة؟
• هذا أحد أكثر التحديات تعقيدًا وحساسية. عندما يصبح التمييز مُؤسسيًا، يجب على المجتمع الدولي الرد بوضوح واتساق. نهجنا متجذر في الحوار، ولكنه مُستنير باحترام حقوق الإنسان. سأتعاون مع الحكومات بشكل بنّاء، وأدعم الجهات المحلية الفاعلة التي تُعزز التسامح. هدفي هو التغيير، لا التصعيد.
○ كثيرًا ما تتحدث عن ضرورة قيام الحكومات بتهيئة بيئات من الحوار السلمي والاحترام. ما مدى نجاحك في ذلك؟ هل يمكنك ذكر أمثلة؟
• هناك العديد من قصص النجاح في العديد من البلدان، لا سيما من خلال العمل مع القواعد الشعبية، والقيادات الدينية، والمنظمات الدينية، والشباب، بفضل قربهم من مجتمعاتهم وفهمهم العميق لاحتياجاتهم. على مر السنين، بنينا شبكة واسعة من منظمات المجتمع المدني، يقود العديد منها شباب ونساء وفاعلون دينيون، امتدت عبر أفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية ومنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وأوروبا وآسيا الوسطى والقوقاز. استفادت هذه القواعد الشعبية من دعمنا من خلال برامج الإرشاد والتمويل الرمزي. ساهمت مبادراتها في تعزيز الحوار بين الثقافات والأديان، وتعزيز التنوع والشمول داخل مجتمعاتها.

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..