التقسيم وهيمنة الإسلاميين مخاطر أم واقع ؟

خالد فضل
نقتطان باتتا كأنهما لازمة لتتمة أي خطاب أو بيان أو كلمة , التحذير من خطورة تقسيم السودان , وخطورة عودة الإسلاميين للحكم في سلطة الجيش ببورتسودان .
هل ما نزال فيما قبل 15أبريل2023م ؟ حيث يكون لهذين التحذيرين معنى , فهما ينبهان إلى فرضية ما سيحدث حال إندلاع الحرب بين جيش الفريق البرهان وجيش الفريق حميدتي . التصريحات والاحاديث المنسوبة لقيادات قوى الحرية والتغيير في تلك الفترة كانت صحيحة وهي تنذر بالعواقب حال إندلاع القتال , لم يك ضربا من التنجيم أو قراءة الكف عندما قال الاستاذ الحاج وراق إنّ الجنرالين بعد نجاحهما في إقصاء الطرف الاسهل في المعادلة وهو القوى المدنية المشتركة معهما في السلطة سيضيق الكرسي على حملهما معا , لابد من شخص واحد منهما ولا سبيل لذلك إلا إزاحة الآخر بالقوة , وستندلع بينهما الحرب التي تستغرق بين 4_6 سنوات حتى يصلان إلى مرحلة الإرهاق التام ويتوصلان لاتفاق لا أحد يدري ملامحه . لقد كانت كل تلك التصريحات قراءة مبنية على تحليل عميق للواقع ومن مواقع المسؤولية الوطنية الحقيقية والحرص على البلد وشعبها ورغبته في التغيير .
الآن أصبح أؤلئك السياسيين من المذمومين لدى الأوساط الشعبية في ولايات الوسط والشرق والشمال النيلي , لماذا ؟ لأنّ منصات الدعاية الكيزانية صممت حملاتها الأساسية ضد الهدف الصحيح بالمناسبة , وهو ضرب القوى السياسية المدنية لأنها تمارس السياسة والمنطق والإقناع , ولأنها تستخدم تاكتيكات وخطط طويلة النفس تعري وتكشف زيف وخطل ما ينطوي عليه هذا التنظيم اللئيم . أمّا الدعم السريع فهو قوة عسكرية محاربة تعتمد اسلوب الكر والفر , وتمتاز بالسرعة والخفة لكن يعوزها برنامج سياسي ودعائي وتنقصها الخبرة في العمل المدني الوئيد بهذا الواقع يسهل التعامل معها بالأساليب المخابراتية والتدابير المعهودة لدى التنظيم وعلى رأسها إثارة الغبار الكثيف , وممارسة سياسة وخطط فرّق تسد وزراعة الفتن القبلية والتحشيد المناطقي والعنصري والجهوي . مع احتكار خطاب الوطنية والكرامة والاستفادة من الإنتهاكات التي تقع في الحرب وترتكبها عناصره , أو تمارسها عناصرالتنظيم نفسها وإلصاقها بالدعم السريع في بيئة مواتية لتصديق أي رواية تصدر من مراكزالدعاية والتضليل . تلك هي خطة وكيفية إدارة المعركة . الأمانة تقتضي الإشادة بنجاح ذلك التدبير الماكر , صار الأمر الواقع الآن ليس حكومة مقرها بورتسودان , بل حقيقة انقسام السودان , وحقيقة عودة سيطرة عناصر الإسلاميين بشكل مطلق في الولايات التي يسيطر عليها الجيش ومليشياته .
التعامل مع الواقع الماثل هو المطلوب وليس استمرار لغة التحذير , أتصور عندما يتابع الإسلاميون مثل هذه البيانات والتصريحات يبتسمون ابتسامتهم الصفراء الماكرة , يطمئنون بأن الجماعة ما يزالون في طور التحذير (سيبكم في تحذيركم)
الفرز وصل مرحلة أنّ القاضي في محكمة عطبرة يرفض قرار محكمة الإستئناف بشأن قضية الشابة الدر حمدون , والاسم يدل على جهتها , ويعيد المحاكمة والحكم مرتين , لم تنجً الدرمن الإعدام شنقا إلا بعد تغيير القاضي وتهمتها التخابر أو التعاون مع الدعم السريع , ومع ذلك يستمر التحذير من التقسيم !!
أمّا سيطرة الإسلاميين , كيف سيسيطرون ؟ وهم يحيطون بقائد الجيش (الكذّاب الخائن) بحسب وصف شيخهم عبدالحي يوسف الذي لم ينقص من قدره شيئا أن يصفه البرهان بشيخ الضلال , وهل يؤذي البحر كية بالنار في صرته كما نقول في المثل . لقد جاء الرد عاجلا من أمير المجاهدين وقائد الدبابين بأن لحوم العلماء مسمومة . فصمت البرهان ولم يتحدث عن الموضوع مرة أخرى فهم يحيطون به داخل مكتبه . فهل من تحذير يجدي بعد ذلك .
يا سادتي , ما يحذر منه المحذرون حصل بالفعل . ما العمل ؟ الاستنكار واستذكار ثورة ديسمبر , ثورة ديسمبر في الخرطوم أم بورتسودان أم كاودا والضعين ؟ الآن هناك قوة عسكرية تخوض غمار الوغى ضد الكيزان الذين يسيطرون على عشر ولايات في الشمال والوسط والشرق . هناك تحالف عسكري سياسي اسمه تأسيس يطرح مشروعا سياسيا يدعو لإعادة تاسيس سودان جديد يقوم على الطوعية والاختيار , يسيطر بالفعل على معظم إقليم دارفور وكردفان وأجزاء في النيل الأزرق . ما هو التقسيم إذا لم يك هذا ؟ هناك الآن عملتان , وامتحانات وعملية تعليمية منقسمة , ووثائق ثبوتية حكرا على مواطنين وحرمان آخرين . ومليشيات جهوية وقبلية ومناطقية بعضها يعلن عن نفسه من إرتيريا وبعضها يعلن قادتها نيتهم تدريب 50 ألف مقاتل من كيان الشمال في ارتريا هناك آراء تتبلور في ولايتي نهر النيل والشمالية بخيارات ثلاث كما كتب علي عسكوري , الإنفصال وتكوين دولة في الولايتين , احتكار الذهب والتعدين ومنع الحكومة الاسمية في بورتسودان من التصرف فيه , أو الخيار الثالث الإنضمام لمصر . ماذا نسمي مثل هذه الأطروحات الرائجة في ولايات الشمال النيلي إذا لم تك الإنقسام علما بأن السيطرة المطلقة لعناصر الكيزان في كل الولايات الخاضعة لسيطرة الجيش والعمل الخاص والبراؤون والخلية الأمنية وفرق الموت والتصقيات .
فماذا بقي مما يستوجب التحذير منه. تحذيرات الإتحاد الإفريقي والأمم المتحدة وبعض الدول الإقليمية أو الكبرى , فهذه لا تعدو مضمضة شفاه فحسب , إنها دول وهيئات تتعامل بالأمر الواقع فعلا لا أكثر ووفقا لمصالحها , هناك دول في العالم مستعدة للتعامل مع سلطة غير كيزانية على الأقل , أيّا كانت طبيعتها فالدعم السريع أو الجيش الشعبي ليس مصنفا عندها كجماعات إرهابية كما هو حال تنظيمات الإسلاميين في بعض الدول . فكيف نقول لهذه الدول لا, عليك التعامل مع سلطة يهيمن عليها من تصنيفهم جماعة إرهابية لأنها السلطة الشرعية , وقاطعي وحاربي من لا يقعون تحت هذا التصنيف لأنهم غير شرعيين . هذا منطق غير مستقيم غض الطرف عن الدعم السريع وانتهاكاته في هذه الحرب وقبلها , فهو ليس وحده من ارتكب ويرتكب هذه الانتهاكات , الجيش ومليشياته يرتكبون نفس الانتهاكات قبل الدعم السريع ,ومعه , أو هم يحاربون ضده . فهل تقاس الانتهاكات بالحجم أم بالوقوع . واغتصاب مائة امرأة ليس انتهاكا مثل اغتصاب 1000؟
لا أدري كيف يتم منازلة الكيزان سلميا في ملعب أرضيته السلاح ؟ والاهم من ذلك أن قسما كبيرا من الشباب الثوار السلميين لم يعودوا اليوم كما كانوا قبل ست سنوات مجموعات كبيرة منهم الآن تحمل السلاح في هذه المليشيا أو تلك , القوى السياسية نفسها تصطف فصائل منها كلها تقريبا في صفوف المحاربين . هناك عناصر من أحزاب سلمية 100% لم يحمل عناصرها السلاح منذ تكوينها يصطفون الآن مع بعض المليشيات القبلية والجهوية . هذا هو واقع الانقسام والتشظي في ظل هيمنة وسيطرة الكيزان على اي رقعة يسيطر عليها جيشهم ومليشياتهم فما العمل ؟ أ نظل في طور التحذير من أمر حادث بالفعل ؟ أم الانتقال لمرحلة التعامل مع الواقع؟ القوى السياسية الديمقراطية ما تزال بياناتها كلها تدعو لتكوين جبهة مدنية واسعة لمواجهة مخاطر التقسيم وعودة العهد المباد . حسنا , التقسيم حدث والعهد المباد عاد والجبهة المدنية لم تنجز بعد . ألا نحتاج إلى مبادرات اقوى من مجرد التحذير أو الدعوة لوحدة القوى المدنية ؟ مثلا , ألا يمكن فتح حوار علني وصريح مع الدعم السريع وتحالف تأسيس حول التحفظات المشروعة في برنامج التحالف ؟ والتحفظات حول انتهاكات الدعم السريع ورؤيته لكيفية تخفيفها خطوة خطوة وصولا إلى لجمها , أيهم أكثر قابلية للحوار والنقاش والتفاهم تحالف تاسيس أم تحالف الكيزان ؟ الثورة الشعبية السلمية عائدة وراجحة في قسمي السودان أم في قسم واحد منه ؟ هل الوقائع والأحداث تنتظر توحيد القوى الثورية والإعداد للثورة السلمية ؟ ثم هناك تحذير من التسوية الخارجية التي ربما لاتصب في مصلحة الشعب السوداني . نعم ما الضرر المتوقع على بقية الشعب غير المسلّح من التسوية الخارجية إذا فرضت على المليشيات والجيوش والعصابات التي تحمل ما يزيد عن 6 مليون قطعة سلاح , فما المرجو عمله من العزّل ؟ ثم من الذي يفترض أنّ التدخل الخارجي لا يحقق مصالح الشعب السوداني ؟ الحقيقة المريرة أنّ التدخل الخارجي الاستعماري في نهاية القرن التاسع عشر هو الذي أنقذ المجموعات والقبائل السودانية المتطاحنة فيما بينها , واقام سلطة قوية وحقق قدرا معقولا من التنمية والاستقرار لم يشهده السودان من قبل أو بعد ولمدة أكثر من 50 سنة . ما هي السيادة الوطنية والاستقلال وغيرها من مصطلحات لبشر نصفهم يواجه خطر المجاعات وتنهشه الأمراض وتفتك به المليشيات والعصابات ؟ وملايين منهم لاجئون ونازحون ومشردون ومهددون بالويل والثبور ؟ ودوننا الفجيعة الدائرة الآن في معسكر اللاجئين في كرياندنقو بشمال يوغندا وتحول المعسكر إلى جحيم بسبب الهجوم المنظم من مجموعات من إثنية النوير بجنوب السودان مسلحة بالسواطير والسكاكين ضد اللاجئين السودانيين في أحد أقسام المعسكر وراح ضحيتها أحد اللاجئين وإصابات بعضها جسيمة لعشرات منهم , هل يستطيع اللاجئوون العودة إلى بلادهم , لأي شق من البلاد يعودون ؟
*** الدعوات الصادقة بعاجل الشفاء للأخ العزيز الزميل الرائع الأستاذ أشرف عبدالعزيز رئيس تحرير الجريدة الغراء والصحفي المرموق صاحب المواقف النبيلة إنسانيا ومهنيا . على أمل أن يكتمل إجراء عملية نقل الكلى بالسلامة والعودة سالما معافى يا رب .




سلمت يداك علي هذا المقال فعلا فتح نافذة حوار مع الدعم السريع هو الطريق الصحيح والاقصر لبدء حل وإيقاف خطر التقسيم
ما قلت الا الحق الذي يتغابي عنه الجميع . فمن قتل نفسا واحدة كانه قتل الناس جميعا فأمة تحتفي بالقتل وامم تحتفي بالرفاهية والرفعة , شتان مابيننا وبين الامم التي تزدهر وتحتفل بالإنسان في جميع مراحل حياته .