الحفيّان ابن خال البرهان… مهندس الظلال

عبد الرحمن الكلس
لا أحد سمع صوت حسين الحفيّان، بل لا أحد سمع باسمه على الصعيد العام، وهو يخطو إلى مركز القرار، لكنّ الصمت من حوله صار له صدى.
ابن خال قائد الجيش عبد الفتاح البرهان، لكنه لا يُشبه أبناء الخؤولة الذين يختفون خلف الستار.
هو الستار نفسه.
لا تُروى عنه سيرة متماسكة، بل نُثارات من حكايات متقاطعة: درس في جامعة الخرطوم، كان محايدًا من المحايدين، ثم دراسة أخرى في نوتنغهام بإنجلترا، لا يُعرف ما هي؟!
ظهر لاحقًا في دبي، واختفى جزئيًا في تورنتو، ليعود من جديد في بورتسودان من بوابةٍ لا تُفتح للجميع: بوابة الدم والسلطة.
لا أحد يقول إنه يملك مؤهلات فريدة، ولا أحد يجزم بإنجازات ملموسة.
لكنه برز فجأة في الصورة… من طرفها المظلم.
يظهر الحفيّان حين تبدأ مفاوضات تُدار خلف الكواليس.
لا يقدّمه أحد باعتباره خبيرًا، لكنه يُفرض باعتباره “ابن العائلة”، ومهندس اللحظة الحرجة.
هو ذلك النوع من الأشخاص الذين يُتقنون الجلوس في المقعد الخاطئ، في التوقيت الصحيح.
حين جرى الحديث عن حكومة “كامل إدريس”، لم يُذكر الحفيّان كخيار طبيعي، بل كمهندس أمر واقع مثلها.
ليس لأنه مؤهل، بل لأنه مرتبط.
والسلطة، حين تضعف أدواتها، تُفتّش عن الروابط العائلية كأنها ضمان بنكي للولاء.
يُقال عنه إنه “خبير في تنفيذ الاستراتيجيات”،
لكن لا أحد رأى خطة له، أو سمع عن إصلاحٍ كان خلفه.
ما يُعرف عنه يتحرك في ظلال الحرب: صفقات لا تُعلن، ترتيبات لا تُدوّن، وملفات تُرفع وتُسحب بإشارة من عينه، أو مكالمة من رقم بلا اسم.
الذين يعرفونه لا يتحدثون عن كفاءته، بل عن قدرته على “التموضع”.
هو رجل العلاقات الغامضة، يعرف من يفتح له الباب، لا كيف يُصنع المفتاح.
رجل أعمال؟ Maybe
مستشار؟ I don’t think so.
لكن الأقرب أن الحفيّان هو امتداد طبيعي لاقتصادٍ لا يعيش إلا في الفراغات: بين القانون وعلاقاته، بين المنصب وصِلته، بين الوظيفة وغرضها.
يتنقّل بين دبي وتورنتو، لا كخبير عالمي، بل كمن يعرف أن “الشرعية” ليست في الشهادة، بل في مَن يوقّع عليها.
وقبل أن تشتعل الحرب، ارتبط اسمه برائحة مالٍ لم تُنكرها حتى دفاتر البنوك: علاقات محكمة مهّدها له البرهان في مؤسسات مالية سودانية، كان أبرزها حصوله على صفقة “سيستم” بصورة وُصفت بالضبابية، ونال مقابلها مبلغًا تجاوز 300 ألف دولار من البنك المتحد وحده.
لم يسمع بها أحد، دعك من أن يُفتح تحقيق، أو يُسأل أحد.
فالنفوذ حين يكون قرابة، يصبح الصمت أحد وجوه الطاعة.
حين يُطرح اسمه في النقاش في بورتسودان، لا يتحدث أحد عن مشروع أو رؤية أو خطة، بل عن اتصالات.
هو ورقة تُمرّر من تحت الطاولة، ويُعاد استخدامها كلما احتاجت “السلطة المنهكة” إلى وجه من العائلة الجديدة.
لا يخطئ أحد حين يربط بين ظهوره وبين ضعف المؤسسات، لأن الحفيّان لا يزدهر إلا حين تتراجع الكفاءة، ويصعد الحَسَب والنسب مكان الخبرة والمبدأ.
هل هو ابن خؤولة عادي وجد نفسه وسط الدخان؟
أم تاجر علاقات يحترف الاستفادة من الشبكات القديمة؟
هل هو رجل أعمال؟ أم مصرفي عابر؟ أم هو واجهة لمشاريع لا تُقال؟
لا أحد يعرف. لكن المؤكد أن الرجل لا يصعد إلا حين تهبط القيم.
وحين يُذكر اسمه، لا يُردف بكلمة “جدارة”، بل بإيماءة تُشير إلى “صلة”.
وفي دولة تتآكل من أطرافها، لا شيء أخطر من أن تتحول القرابة إلى ترخيص دائم بالدخول.