مقالات وآراء
رؤية حول مشروع وطني للتغيير الجذري في السودان، مقاربة سياسية اقتصادية مع قراءة في تجارب دول نهضت

بروفيسور: حسن بشير محمد نور
ملخص:
يعاني السودان، من أزمات مركبة تشمل النزاعات المسلحة والانقسامات السياسية والتخلف الاقتصادي والاجتماعي، ما يستدعي رؤىة استراتيجية عميقة لإحداث تغيير جذري وشامل. تهدف هذه الرؤية إلى تقديم تصور اولي لمشروع وطني للتأسيس السياسي وإعادة الهيكلة الاقتصادية ومعالجة جذور التخلف، مستفيدة من التجارب التنموية الناجحة في دول خرجت من الحرب والفقر مثل اليابان، كوريا الجنوبية، فيتنام، رواندا، وتشيلي. كما تستعرض الرؤيةة آليات توظيف التعليم، الإرث الثقافي والتنوع الإثني كرافعة للتنمية والسلام المستدام.
مقدمة:
اصبح مصطلح التغيير الجذري متداولا علي نطاق واسع في اروقة السياسة السودانية، سواء من تحالف (التغيير الجذري)، الذي بقف علي رأسه الحزب الشيوعي، او من خلال مصطلح (تأسيس) الذي يعني نبذ المنظومة القديمة والتأسيس لمنظومة جديدة مختلفة نوعبا، مما يعني بدوره تغيرا جذريا، يضاف لذلك مشروع (السودان الجديد) الذي نادت به الحركة الشعبية بقيادة القائد الراحل جون قرتق وامتداداتها الحالية في السودان، و(الجديد) بدوره يعني منظومة متكاملة مختلفة نوعيا او جذريا.
جميع تلك الاتجاهات تهدف في رأينا لتحقيق عدة اهداف من اهمها: معالجة الخلل الهيكلي في نظام الحكم، التخلص من الخلل الهيكلي في الاقتصاد السوداني واختلال نظم ادارة الموارد والعدالة التوزيعية، اضافة للتخلص من الخلل المؤسسي ونظام الادارة العامة الذي يعتريه ويسيطر عليه فساد هيكلي. تشمل تلك الجوانب العديد من التفاصيل التي سنتعرض لبعضها في رؤيتنا هذه.
ننطلق من ان السودان يشكل نموذجًا صارخا لمجتمعات ما بعد الاستعمار التي واجهت عقبات جسيمة في بناء الدولة الوطنية. فقد تعاقبت عليه الحكومات العسكرية الانقلابية والمدنية الهشة، وتعمقت فيه الانقسامات الإثنية والجهوية، وتدهورت فيه المؤسسات الاقتصادية والاجتماعية. ومع تفاقم النزاعات المسلحة منذ فجر الاستقلال حتي حرب أبريل 2023، أصبحت الحاجة إلى مشروع تغيير جذري أكثر إلحاحا. تنطلق هذه الرؤية من فرضية مفادها أن التغيير الحقيقي يتطلب بناء نظام سياسي ديمقراطي جامع، ووضع اسس جديدة للحكم وإعادة هيكلة الاقتصاد الوطني، وتحقيق العدالة ومعالجة الجذور التاريخية للتهميش والتخلف.
أولاً: الأزمة السودانية – الجذور والمآلات
من اهم سمات الازمة القومية التي يعاني منها السودان:
– ضعف الدولة ما بعد الاستقلال وانقطاع مشروع البناء الوطني، بشكل اساسي بسبب الحكم الديكتاتوري.
– مركزية السلطة واحتكار الثروة واستبعاد الأقاليم الطرفية.
– الحروب الأهلية الممتدة (جنوب السودان، دارفور، جبال النوبة، النيل الأزرق وحرب ابريل).
– الاقتصاد الريعي، الفساد، وضعف البنية التحتية وتفكيك القطاعات الإنتاجية، خاصة في فترة حكم الانقاذ.
– غياب العدالة الاجتماعية وانتشار الفقر وتفشي البطالة.
ثانياً: مرتكزات التغيير الجذري
نري ان اهم مرتكزات التغير الجذري تتمثل في:
1. بناء نظام سياسي ديمقراطي جامع:
يتطلب ذلك وضع دستورا دائما توافقي يؤسس للعدالة والعدالة الانتقالية ولامركزية الحكم.
الجانب الثاني هو وضع نظام للمشاركة السياسية الحقيقية لجميع القوى المجتمعية بما فيها قوى الهامش.
ثم إعادة تأسيس المؤسسات المدنية والعسكرية على أسس قومية ومهنية، اذ ان الحديث عن (أصلاح) تلك المؤسسات غير مجدي.
2. إعادة الهيكلة الاقتصادية:
يتطلب ذلك التحول من الاقتصاد الريعي إلى الإنتاجي (القيم المضافة وتحديث وتنويع قطاعات الزراعة والصناعة).
وبالطبع المطلب الاول غير قابل للتحقيق بدون نظام مالي ومصرفي فعال وشفاف عبر سياسات اقتصادية كلية محكمة حسب المعايير المالية والنقدية ونظم الحوكمة.
يضاف لذلك وضع سياسة تجارية وقانون استثمار لتوجيه الاستثمار العام، ودعم تنافسية القطاع الخاص والبنى التحتية، والتوجه نحو الإنتاج الحقيقي وتنافسية الصادرات حسب المزايا النسبية والمطلقة ومنافذ الفائض.
كما يجب تعزيز الاقتصاد التضامني والتعاونيات وتمكين المجتمعات المحلية والفئات الاجتماعية الضعيفة.
3. معالجة الجذور الاجتماعية للتخلف والتخلص من خطاب الكراهية:
– اول متطلبات هذا الهدف هو إحداث تغير جذري في النظام التعليمي ليكون شاملاً وعصرياً ومتعدد اللغات ونقديا وبعيدا عن الاجترار والتلقين.
– ضرورة النهوض بالخدمات العامة والاساسية في الصحة والتعليم وخدمات الماء والكهرباء والتكنولوجيا والمعلومات والعدالة في توزيعها.
– وضع سياسات عادلة للإسكان والتشغيل والرعاية الاجتماعية.
– وضع اسس وضوابط حكم القانون ومعالجة النزاعات عبر آليات مجتمعية قائمة على الحقيقة والمصالحة.
ثالثاً: توظيف الإرث والتنوع الثقافي في مشروع النهضة
من الضروري ان يتضمن مشروع التغيير الجذري حسب رؤيتنا الاعتراف بالتعددية اللغوية والثقافية وإدماجها في المناهج التعليمية والسياسة الإعلامية.
كذلك تستدعي الضرورة دعم الفنون والتراث كعناصر للهوية الوطنية الجامعة.
كما ان تسويق الثقافة السودانية كأداة للقوة الناعمة بالغة الاهمية في التعايش السلمي وتعزيز الامن الاجتماعي ولمحاربة خطاب الكاراهية وان يتم التسويق ايضا علي المستويات الإقليمية والدوليًة.
رابعاً: دروس من التجارب الدولية
من تجارب الشعوب المهمة نورد بعض النماذج من دول استطاعت النهوض والازدهار ومنها:
1. النهضة اليابانية بعد الحرب العالمية الثانية:
شملت التجربة اليابانية بعد الحرب العالمية الثانية إعادة هيكلة شاملة بقيادة دولة مدنية قوية ركزت علي:
– الاستثمار في التعليم والتكنولوجيا.
– الاعتماد على الصناعات الوطنية والروابط مع الأسواق العالمية.
– النجاخ في خلق ميز نسبية تنافسية لمنتجاتها والتوجه نحو الاسواق العالمية للتصدير
2. التجربة الكورية والتمور الآسيوية:
اتبعت في هذه الدول سياسات صناعية موجهة، وشراكات بين الدولة والقطاع الخاص الوطني والاجنبي، بالاضافة للانضباط المؤسسي والحوكمة الفعالة.
3. رواندا بعد الإبادة الجماعية:
من التجارب التي يشار الي نجاخها مع بعض التحفظات الخاصة بالممارسة الديمقراطية، التجربة الرواندية بعد الابادة الجماعية في منتصف تسعينيات القرن الماضي.
في هذه التجربة يشار الي القيادة السياسية ذات الرؤية الوطنية والتنموية الواضحة. كذلك النجاح في توحيد الهوية الوطنية ونبذ الخطاب الإثني وخطاب الكراهية. كما تم الاعتماد على التقنيات الحديثة والخطط الطموحة للتنمية.
4. دول أمريكا اللاتينية (تشيلي، الأوروغواي):
من التجارب الناجخة للانتقال وتحقيق تغيير جذري تبرز ايضا تجارب تشيلي وأورغواي بعد نظم ديكتاتورية قابضة.
اتبعت تلك الدول انتقالا سلسا للحكم الديمقراطي، اتباع العدالة الانتقالية، والبرامج الاجتماعية الواسعة الهادفة للحد من الفقر والتفاوت الاجتماعي وتطوير نظم عدالة توزيع الموارد.
من الضروري التأكيد علي التفاوت النسبي في تجارب تلك البلدان حسب خصوصية كل منها، لكن يمكن الاستنتاج الي انها احدثت تغيرات جذرية في مجتمعاتها من حيث تطوير النظم السياسية والاقتصادية ونظم العدالة وارساء حكم القانون، مما جعلها نماذجا للتغير الصلب والسير نحو التطور والازدهار.
خاتمة
اذن من حيث المبدأ هناك إمكانية بناء دولة مدنية مستقرة في السودان رغم التحديات البنيوية، خاصة في حالة النجاح في توظيف التنوع والإرث الثقافي ليصبح عامل وحدة لا انقسام.
يستفاد من التجارب الدولية أن القيادة الواعية والمؤسسات القوية هما مفاتيح نهضة الامم.
بذلك يمكن الخروج بعدة نقاط للنقاش منها:
1. تبني مشروع وطني تشاركي يقود إلى التأسيس الدستوري والمؤسسي الجديد.
2. الدعوة لتأسيس نماذج وطنية للعدالة الانتقالية والمصالحة المجتمعية والتصدي لخطاب الكراهية.
3. إقتراح خطط مفصلة لإعادة الهيكلة الاقتصادية والتنمية الريفية والمحلية.
4. اعتماد التعليم المتعدد الثقافات كرافعة لبناء الدولة.
5. تشكيل تحالف إقليمي ودولي لدعم أعادة الاعمار والتحول المدني وفقا لشروط العدالة والسيادة الوطنية والامن القومي والمصالح الاستراتيجية..
6. التوجه نحو مشروع وطني لاعادة بناء سودان موحد علي اسس جديدة، لان مشروع التغيير الجذري غير قابل للتطبيق برؤية منفردة لمكون واحد، او حتى مجموعة مكونات بمعزل عن مكونات اساسية اخري، وهذه اكبر عقبة تواجه انجاز أي تغيير ايجابي يؤدي للنهوض والازدهار في السودان.




دوما استاذنا العزيز تسكب المداد فكرة وتتحفنا بمنهجيات التحليل المنطقي ، والشئ اللافت ان كل ذلك يصب في مصلحة الوطن والمواطن. اتفق معك في التشخيص وبعض المقترحات التي تحتاج الي حفريات ذهنية تجعل من التياين مندوحة لاتفاق حد ادني يستلهم التجربة الانسانيه ويستشرف الافق لمستقبل زاهر لوطننا الذي اعيته سجالات الصراع العقيم.
اضيف لك في هذا الطرح الجميل يا بروف حسن بشير حيث انني لي رؤيه اضافيه تفصيليه في هذا الموضوع، بعد ان يتم وقف اطلاق النار وارساء سلام دائم حقيقي وفق الرؤيه الدوليه وذلك بانه يجب ان يوضع السودان تحت انتداب دولي انتداب سياسي وعسكري يعيد هيكلة الدوله السودانيه على اسس جديده ، حيث يكون من مهام المنتدبين الدوليين سياسيا اعادة تاسيس الدوله السودانيه من جديد بان يتم اعادة هيكلة الخدمه المدنيه و الخدمه العسكريه وذلك بان يتم افراغ الدوله من سيطرة حزب وجهه واحده عليها ، فتتم سياسة الاحلال والابدال بها ، التعهد بقيام مؤتمر قومي دستوري يجمع فيه القوى السياسيه ماعدا المؤتمر الوطني لاجازة دستور دائم للسودان يتوافق عليه كل هذه القوى السياسيه ويصادق عليه الشعب السوداني باستفتاء مباشر ، من هذا الدستور الدائم يتم انبثاق منه قوانين مهمه تنهض بالدوله الجديده مثل قانون العمل السياسي، قانون الانتخابات، قانون الاحزاب ، قانون الجبش والاستخبارات العسكريه ، قانون النقابات، القانون الجنائي المنقح، القانون المدني المنقح ، قانون الاجراءات الجنائيه والمدنيه المنقحين، قانون الشرطه وعمل الشرطه، القانون التجاري ، قانون الاتصالات والمعاملات الالكترونيه واجراءاته ، قانون الاستثمار ، قانون العمل المنقح، قانون الامن ، قانون العقود المنقح، قانون العلاقات الاجتماعيه، قانون التعليم العام والعالي المنقح ، قانون الصحه والرعايه الاجتماعيه المنقح، قانون الاراضي واجراءاته المنقح، قانون البنيه التحتيه ، قانون الزراعه والثروه الحيوانيه المنقح، قانون الطاقه والكهرباء المنقح، قانون المعاملات الماليه والمصرفيه ، قانون الري والاصتصلاح الزراعي، قانون المياه ومصادرها ، قانون الاسكان والتعمير المنقح، قانون الهجره والمغتربين ، قانون الطيران المدني والمطارات المنقح ، قانون الجمارك المنقح ، قانون الحكم المحلي المنقح كل هذه القوانين يتم طرحها بعد تكوين المجلس التشريعي المؤقت والتي يسلمها لمجلس الوزراء المؤقت للعمل بها بعد مصادقتها من مجلس راس الدوله المؤقت برعاية المناديب الدوليين ؛ اما عسكريا فيتم اعادة هيكلة القوات المسلحه عاما فيتم فيها الاحلال والابدال وبعد ذلك تطبق فيها القوانين المختصه بها مثل قانون الجيش والاستخبارات العسكريه ، قانون الامن ، قانون الشرطه وعمل الشرطه ، اما بخصوص القوات الغير نظاميه فيتم الغائها وتصفيتها بواسطة قوات دوليه متعددة الجنسيات برعاية المناديب العسكريين بعد ذلك يتم استلام السلاح منها ، اما جميع القوات النظاميه فتكون مبادئها الثابته وطنية وقومية هذه القوات وابعادها من المشاركه في السلطه نهائيا . اما شكل الدوله والنظام السياسي فيها يجب ان يكون نظاما فدراليا لامركزي اقليمي رئاسي برلماني تيتم فيه توزيع السودان لثمانيه اقاليم وهي اقليم الخرطوم ، الاقليم الاوسط ، اقليم جبال النوبا ، اقليم دارفور ، اقليم كردفان ، اقليم الشرق، اقليم النيل الازرق ، الاقليم الشمالي ويتم تقسيم الاقليم لمقطاعات ويتم تقسيم المقطاعات لمجالس بلديه ، يكون في الاقليم مجلس وزراء برئاسة حاكم الاقليم ويتم فيه تمثيل رؤساء المقاطعات و رؤساء المجالس البلديه ويكون له ايضا مجلس تشريعي اقليم يراقب حاكم الاقليم ومجلس وزرائه ومجالس اداراته ( مقاطعات، مجالس بلديه) ، يكون تشريع الاقليم مستقل عن الحكومه الاتحاديه ؛ اما النظام الرائاسي البرلماني يتم عبر انتخابات عامه رئاسيه لكافة اقاليم السودان لترشيح رئيس مجلس راس الدوله وسلطاته رمزيه غير تنفيذيه كتعيين السفراء واستقبال سفراء من دول اجنبيه وفتح سفارات لهم ، والمصادقه على اعلان الحرب بعد موافقة البرلمان ، اعلان حالة الطواري بعد موافقة البرلمان ، اعفاء اي جرائم جنائيه ماعدا القتل العمد وتقويض النظام الدستوري والحرابه مع القتل العمد فلايتم اعفائهم ، اما مجلس الوزراء فسلطاته تنفيذيه اجرائيه شامله، اما المجلس فسلطاته هي سن القوانين والتشريعات واجازتها، مراقبة الحكومه ومسائلتها ، التوصيه بسحب الثقه من الحكومه وتقديمها للمحكمه الدستوريه لتنفيذ السحب ، المصادقه على اعلان الطواري والحرب ، تعيين رئيس مجلس الوزراء سواء من البرلمان او من خارج البرلمان ؛ اما التدوال السلمي للسلطه وهو من الثوابت الفوق دستوريه مثل حقوق المواطنه ، العداله التاريخيه ، التقسيم العادله للثروه ، فيتم التدوال السلمي الحقيقي للسلطه بين اقاليم السودان فياتي رئيس جمهوريه ورئيس وزراء من اقليم واحد مثلا ياتي من اقليم جبال النوبا فيحكم لدورتين حوالي ثمانيه سنوات ويكون نوابهم باجماع المجلسين من غير اقاليمهم ، اما القائد العام للجيش يكون من نفس الاقليم كذلك المدير العام للشرطه وجهاز الامن والمخابرات السوداني ، اما الخدمه المدنيه فيكون مدرائهم من نفس الاقليم ونوابهم يعينوا باجماع مجالسهم وتكون مدة سلطاتهم ثمانيه سنوات بعدها تتم اقالتهم وذلك لارساء العداله التاريخيه ؛ اما القضاء فيتم تكوينه عبر مؤسستين هما مجلس القضاء العالي والمحكمه الدستوريه ، فيرشح مجلس القضاء العالي رئيس القضاء وقاضي المحكمه العليا والمحكمه العامه ورئيس المحكمه الدستوريه من كافة القانونيين من قضاء ومحاميين تابعين للدوله ويجب ان يكونون من اقليم جبال النوبا وفق الكفاءه والامانه ونوابهم يعينوا باجماع المجلس.