مقالات وآراء

السياسي السوداني الغائب الحاضر في إجتماع واشنطن السعودية الامارات مصر

طاهر عمر

نذّكر القارئ بأن كل من السعودية و مصر و الامارات في مساعيهم لإثبات أن الربيع العربي فاشل حاولوا تخريب التحوّل الديمقراطي في السودان في الأيام الأولى لنجاح ثورة ديسمبر المجيدة لأن نجاح التحول الديمقراطي في السودان سيلفت الإنتباه الى أن الديمقراطية ممكنة في فضاء العالم العربي و الإسلامي التقليدي و هذا ما تخشاه مصر و هي تسير في عهد عبد الفتاح السيسي على طريق تأسيس حكم تسلطي و لا ترغب فيه كل من السعودية و دول الخليج بحكم إستقرار نظم حكم تقليدية سواء كانت ملكية تقليدية و سلاطين و و أمراء و غيرها من نظم الحكم التي لا تساير عقل مجتمعات ما بعد الثورة الصناعية و حوجتها لنظم تكتنز قيم الجمهورية و تكون فيها علاقة الدولة مباشرة مع الفرد بحيث تكون فكرة المسؤولية الإجتماعية نحو الفرد توضيح لا لبس فيه لمعنى فكرة الدولة الحديثة و ممارسة السلطة و مصدرها الشعب.
و ثورة ديسمبر المجيدة في السودان كانت تؤشر الى ما قاله الناقد السعودي عبد الله الغذامي عن تقدم الشعب و سقوط النخب فيما يتعلق بجاهزية الشعوب في المجتمع العربي الإسلامي التقليدي للتحول الديمقراطي و إستيعاب فلسفة الفكر الليبرالي و الديمقراطية التي قد أصبحت شرطا إنسانيا يحقق الرفاه الإقتصادي و حرية الفرد و هي أيضا جسر يجسر الهوة بين مواكب الإنسانية في سيرها حيث أصبحت الإنسانية تاريخية تهدهد الإنسان التاريخي.

و مثل أفكار الناقد السعودي عبد الله الغذامي تخرجه من مصاف النقد الأدبي التقليدي و تضعه في مصاف علماء الإجتماع بنقده الثقافي و كتابات عبد الله الغذامي تذكرني على الدوام بكتابات الدكتور عبد الله النعيم في وصوله لفكرة الديمقراطية الليبرالية و علمانية الدولة و هو ينادي بفكرة فصل الدين عن الدولة و كأنه يردد القول الذي يقول أن الإنسان محكوم بالحرية و لا سبيل لتحقيقها بغير العلمانية و الديمقراطية الليبرالية.
لذلك في مقالات سابقة قلنا أن الدكتور عبد الله النعيم أفكاره تخرجه من حيز القانوني التقليدي السوداني و ترفعه الى مصاف علماء الإجتماع و هنا وجب تنبيه القارئ السوداني الى أن هناك وهم كبير في قدرة القانوني التقليدي السوداني و دوره في الإنتقال و التحول نحو الديمقراطية و هذا ناتج من الكساد الفكري في السودان وسط النخب السودانية و هي غير ملمة بأن في القرن الأخير من مسيرة الإنسانية كانت هناك تحولات كبيرة في المفاهيم و بموجبها لم يعد للقانوني التقليدي و المؤرخ التقليدي دور في رسم فكرة الشرط الإنساني و هي تعكس وجه الفلسفة السياسية و الفلسفة الإقتصادية كنتاج لفلسفة تاريخ حديثة يقودها السياسي المعاصر و عالم الإجتماع و الفيلسوف و الإقتصادي و الأنثروبولوجيين التاريخيين.

و من هنا يمكننا القول أن أول خطوات الضلال عن أهداف ثورة ديسمبر و بداية إنتكاستها كانت بالوثيقة الدستورية التي إرتضت بالشراكة مع العسكر و الوثيقة الدستورية التي أجهضت ثورة ديسمبر كانت بنت أفكار القانوني السوداني التقليدي الذي لا يعرف فكرة الشرط الإنساني التي يقودها السياسي المشبع بالفلسفة السياسية و قطعا هناك فرق كبير بين السياسي الذي يعرف فكرة الشرط الإنساني و السياسي السوداني التقليدي و السياسي الملم بفكرة الشرط الإنساني يساعده الإقتصادي الملم بتاريخ الفكر الإقتصادي و النظريات الإقتصادية التي تولدت عنها فكرة العقلانية و عالم الإجتماع الذي يعرف المدخل لتفكيك ظاهرة المجتمع البشري و الأنثروبولوج الذي يكشف أنثروبولوجيا الليبرالية.

مخالفة النخب السودانية التقليدية نجدها في إصرارها على جهلها بأن القانوني التقليدي و المؤرخ التقليدي قد أصبحا لا مكان لهما في إنزال فكرة الشرط الإنساني و قد مضى قرن كامل على إبعادهما من دائرة الحدث لأن منهج المؤرخ التقليدي و حصر أفكاره في المنهجية التاريخية و الوثيقة المقدسة و عدم إدراكه بأن التاريخ الإجتماعي على المدى الطويل يصير علم إجتماع جعل المؤرخ التقليدي السوداني حكواتي لا أكثر.
أما القانوني التقليدي السوداني فأقرب لعقل الكوز من عقل عالمنا الحديث لذلك فلسفة التاريخ الحديثة في سيرها تعتمد على الفيلسوف و عالم الإجتماع و الإقتصادي و الأنثروبولوج في وقت ما زالت ظاهرة إنحباس النخب السودانية في وهم أن الدستور و حتى تنظيم الروابط يقف خلفها قانوني تقليدي مثلما أضاع القانوني التقليدي ثورة ديسمبر بوثيقة إرتضت بالشراكة مع العسكر.

و هنا يمكننا أن نقول أن عبد الله النعيم في فكره الذي يطالب بالديمقراطية و العلمانية خرج من حيز القانوني التقليدي و دخل في حقل عالم الإجتماع مما يدل أن دكتور عبد الله النعيم مدرك للتطور الذي حدث في القرن الأخير و قد أصبحت روح قوانينه فكرة الشرط الإنساني. و من هنا تأتي توصيتي بأن ينتبه المثقف التقليدي السوداني بأن من يقود التغيير هو السياسي الذي يفهم فكرة الشرط الإنساني و تأتي أفكاره بوضوح فيما يتعلق بالتحول الديمقراطي و بعد أن يتم التحول نحو مجتمع حديث نتاج أفكار السياسي المدرك لفكرة الشرط الإنساني و بعدها تترسخ فكرة فصل السلطات التي تحدث عنها منتسكيو في علم إجتماعه لذلك منتسكيو في روح القوانيين و فصل السلطات يتقدم في حقل فكره عالم الإجتماع على القانوني و هذا ما أريد قوله أن عالم الإجتماع ينبغي أن يتقدم على القانوني التقليدي السوداني.

المهم في الأمر نرجع لعنوان المقال الكل يتذكر كيف حاولت كل من السعودية و مصر و الامارات عرقلة التحول الديمقراطي في السودان أيام حكومة حمدوك الى أن تدخلت أمريكا و أبعدتهما عن التدخل في عرقلة التحول الديمقراطي و كانت حينها ثورة ديسمبر في عنفوانها و لكن بسبب فشل النخب السودانية قد أعطوا كل من السعودية و مصر و الامارات أن تقرر مصير الشعب السوداني في الإجتماع القادم في امريكا في غياب نخب سودانية مما جعلني أقول السياسي السوداني الغائب الحاضر في عنوان المقال.

و بالمناسبة في غياب النخب السودانية سوف تحاول كل من السعودية و مصر و الامارات مواصلة قتل روح ثورات الربيع العربي و قد رأينا في يوم من الأيام كيف كان لجامعة الدول العربية دور في عودة بشار الأسد لحضن الدول العربية و حينها قلنا أن الدول العربية التقليدية بعودة بشار لحضن الجامعة العربية قد عادت لقديمها و إنتصرت للملكيات التقليدية و عودة الدكتاتوريات العربية بعودة بشار و مساعدتهم للسيسي في مصر إقتصاديا لكي يؤسس لنظام حكم تسلطي في مصر.

و لم يمضي وقت طويل على عودة بشار لحضن الجامعة العربية و إذا بطوفان الأقصى بفعل حماس يجعل ردة الفعل الإسرائيلية تغير المنطقة بتغيير شمل نهاية حماس في غزة و نهاية حزب الله لبنان و نهاية نظام بشار الأسد في سوريا و من هنا نقول للسعودية و مصر و الامارات قد فرحتم بعودة بشار الأسد و لم تتم و قد سقط بفعل أتى بالتغيير في سوريا من خارج سوريا و خارج إرادة العرب أي إسرائيل كذلك أي محاولة لعرقلة التحول الديمقراطي في السودان سيفضحكم كما فضحتكم عودة بشار الأسد و سقوطه المفاجئ لكم لأن التغيير في السودان آت شاء من شاء و أبى من أبى.

صحيح سقط بشار الأسد و لأن المنطقة العربية لا نموذج ديمقراطي فيها يحتذى به فإذا باحمد الشرع في سوريا يقول أنه يسير على هدى تجربة السعودية أما السودان فأمره آخر. ربما تحاول السعودية إقناع ترامب بأنها كما ترعى التحول في سوريا احمد الشرع على هداها كذلك يمكنها لعب دور في السودان يبعد شبح الديمقراطية من تخوم المنطقة العربية و هيهات.

لذلك نقول للغائب الحاضر أي السياسي السوداني يمكنك الحضور و لكن بعقل سياسي جديد يوضح لترامب بأنكم قد فهمتم فكرة الشرط الإنساني و أنكم قدر التحدي الذي ينزل قيم الجمهورية في السودان و يسوق لتحول ديمقراطي في السودان بعيدا عن ظلال الثقافة العربية الإسلامية التقليدية التي ما زالت كأقوى مقاوم شرس لعقل الأنوار و أفكار الحداثة.

ربما يسأل سائل و يقول كيف تطلب من الغائب الحاضر أي السياسي السوداني التقليدي بأن يقوم بعمل جبار يضعه في مصاف بروميثيوس سارق النار عندما رأي هوان الإنسان و ذله و قد سرق نار الآلهة و أعطاها للإنسان؟ نقول مثل هذا القول و ننتظر هذا العمل الجبار لأن من يكون في القيادة في زمن الثورات الكبرى كثورة ديسمبر يكون بمستوى روح فكر توماس بين عندما وقف في وجه من كان يقاوم روح التغيير و يحاول إرجاع عقارب الساعة للوراء كما تحاول السعودية و الامارات و مصر الآن في إجتماع الرباعية في غياب الغائب الحاضر لعرقلة التحول الديمقراطي في السودان.

و يزداد يقيننا عندما يتأكد لنا اليوم بعد قرنيين و نصف أن توماس بين قد أصبح من العظماء و لا أحد يذكر من كان يقاوم فكره كذلك سوف تذهب آمال السعودية و مصر و الامارات و تصير أمام الرياح هباء على مدى سير ثورة ديسمبر على مداها الطويل لأن محاولات السعودية و مصر و الامارات لعرقة التحول الديمقراطي في السودان كمحاولة سد مجرى التاريخ السوداني و نسوا أنك عندما تسد مجرى التاريج سوف ينفجر من خلف السدود و يكسح أمامه كل متحير رافض للتغيير كحال السعودية و مصر و الامارات.

كذلك نقول للغائب الحاضر أي السياسي السوداني كونوا بمستوى روح فكر توماس بين عندما كان يبغض الملكيات التقليدية و الكنيسة و الإستعمار و قولوا للعالم بأننا سليلي حضارة سودانية ضاربة في القدم و لا يحق لأي كان بأن يحدد مصيرنا خاطبوا العالم الحديث بروحه و لغته و فكره و كونوا بمستوى روح ثورة ديسمبر التي كانت تجسيد لتقدم الشعب و سقوط النخب و أنهضوا بفكر جديد يفارق العقل الجمعي الكاسد بروح شخص تاريخي يصير قائدا لثورة مثل ثورة ديسمبر التي تشبه الثورات الكبرى و تتبعها تشريعات كبرى و عليه لا يحق للسعودية و الامارات و مصر بأن تتحدث عن مصير شعب سوداني قديم وصف بأنه أمة ذات قوة و شدة و دوس قد خرقت الأنهار أرضها في أشعار أشعياء النبي من قبل سبعة قرون قبل الميلاد.

[email protected]

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..