مقالات وآراء

الكيماوي يعود… والعالم يتحرّك

منعم سليمان

تعدّت الحرب في بلادنا كونها صراعًا من أجل السلطة، بل انزلقت إلى قاعٍ أكثر دموية وانحطاطًا، إلى حرب إبادة تُستخدم فيها الأسلحة الكيميائية ضد المدنيين.

إن ما كان يُهمس به سرًّا، بات اليوم مُعلَنًا على منابر العالم. فقد طالبت منظمتا “حقوق الإنسان بلا حدود” و”حرية الضمير” قبل يومين مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، بإجراء تحقيقٍ مستقلّ حول جرائم الجيش السوداني، استنادًا إلى تقريرٍ أميركيّ رسميّ، أكّد وجود “أدلّة موثوقة” على استخدامه لأسلحةٍ محرّمة دوليًّا.

هذه ليست اتهاماتٍ عابرة، بل إدانةٌ مكتملة الأركان. إنها اللحظة التي تنكسر فيها صورة الجيش السوداني، لا بوصفه حامي البلاد، بل كمجرم حربٍ، يتنفّس الفتك ويعيش على رماد الأجساد المحروقة.

هذا الجيش، الذي اختار أن ينحاز إلى الإسلاميين، ويمدّ لهم يده ليعودوا عبرها إلى رقاب الناس، لم يكتفِ بهدم الدولة، بل انقلب على الإنسانيّة نفسها. فالقصف العشوائيّ صار نهجًا، والتجويع تكتيكًا، والختام؛ *غاز سام!*

في خضمّ الخراب العام، لا يمكن تبرير هذه الجريمة إلّا بمنطق من انفصل عن الواقع والتاريخ معًا. بلدٌ ممزّق، مجاعةٌ تطحن الملايين، مؤسساتٌ متلاشية، وشعبٌ أعزل يُباد كي يبقى البرهان و *إخوته* على قمّة جبل الخراب.

إنها ليست معركة كرامة بل من أجل نزعها، وليست حربًا للدفاع عن الوطن، بل احتلال داخليّ بشع، تمارسه ميليشيات إسلامية متوحّشة، تقود جيشًا فقد عقله وضميره، وراح يغرق في دماء شعبه، لا لشيء، إلّا ليمنع قيام دولةٍ مدنية ديمقراطية!

ردّ الجيش؟ دائمًا – كدأبه – نفيٌ أجوف، مشبعٌ بلغةٍ فوقيّة تُشبه وقاحة الجريمة نفسها. كأنّ دماء الأطفال لا تكفي، وكأنّ القنابل لا تنطق، وكأنّ الغاز لا يترك أثرًا. لكنّ العالم بدأ يفيق ويسمع، والمنظّمات توثّق، والملفّات تُفتح، والميادين الدولية تتحرّك.

والأخطر، أنّ القضية لم تعد قانونيةً فقط، بل أخلاقيّة. إنها ليست لحظةَ حسابٍ مع الجناة فحسب، بل لحظةٌ فاصلة مع طبيعة الدولة: هل نُسلّم السودان إلى جنرالاتٍ دمويين يركعون للإسلام السياسي، أم ننتزع الوطن من بين أنيابهم؟!

لا بديل عن محاسبة المجرمين القتلة، و *لا حلّ إلا بتسليم السلطة لقوى مدنية ديمقراطية* ثبت بالتجربة أنها الأحرص على سيادة السودان وسلامة شعبه.

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..