الوعي الأمني ضرورة وطنية للنخب السياسية

حافظ يوسف حمودة
تزداد الحاجة إلى نمط جديد من التفكير لدى السياسيين وصناع القرار بسبب تزايد التحديات الأمنية والسياسية . هذا النمط يبدأ من فهم عميق لمفهوم (الوعي الأمني) ، والذي أصبح اليوم أحد أهم مقومات الحكم الرشيد وحماية الدولة من المهددات الداخلية والخارجية .
كثير من السياسيين ينطلقون من نوايا وطنية صادقة ، وبعضهم يمتلك خبرة سياسية طويلة ، لكن ذلك لا يكفي إذا لم يكن مقرونًا بإدراك أمني وفهم عميق لمهددات الأمن القومي . إن نقص الوعي الأمني لا يظهر بالضرورة في الشعارات أو الخطب ، لكنه يتجلى في طريقة اتخاذ القرار ، وفي طريقة بناء التحالفات أو التصريحات التي تُلقى أمام وسائل الإعلام .
الوعي الأمني لا يعني أن يتحول السياسي إلى رجل أمن ، ولا يتطلب منه الخوض في تفاصيل التقنيات الأمنية ، لكنه يعني أن يُدرك حدود ما يمكن قوله ، وما لا يجب تداوله علنًا . يعني أن يفهم أن بعض المواقف قد تُستغل ضد الدولة حتى لو بدت في ظاهرها مجرد اختلاف سياسي ، وما أكثرها اليوم . فالقضية هنا ليست في أن يكون السياسي جزءًا من المنظومة الأمنية ، وإنما في أن يكون عنصرًا واعيًا بطبيعة المخاطر التي قد تنشأ من قراراته أو سلوكياته العامة .
غياب هذا النوع من الوعي يُعد من أخطر الثغرات التي قد تتسلل منها الفوضى أو التدخلات الخارجية ، قرارات سياسية تبدو في ظاهرها إصلاحية، لكنها – دون إدراك للأبعاد الأمنية – قد تفتح الباب لاختراقات استخباراتية أو تضعف تماسك الجبهة الداخلية . لقد شهدنا في تجارب عديدة كيف أن تصريحات عفوية أو تسريبات لم تُقدّر عواقبها تسببت في توترات دبلوماسية أو صراعات داخلية كلفت أموال وأرواح .
العالم من حولنا أصبحت المعلومات والمواقف السياسية جزءًا من أدوات الحرب . هناك من يصطاد التصريحات ، ويستغل الثغرات ، ويبني روايات مضادة بناءً على ما يصدر عن نخب الدولة نفسها.
من هنا ، تصبح الحاجة ملحة لتعزيز الثقافة الأمنية لدى السياسيين ، سواء في السلطة أو المعارضة أعلاءا للقيم والمصالح الوطنية العليا ولحماية الدولة ومؤسساتها من الانزلاق نحو الفوضى أو الاستغلال الخارجي . السياسي الواعي بالأمن لا يمثل عبئًا على الدولة ، بل يشكّل أحد خطوط الدفاع الأساسية عنها.
لهذا السبب ، أُعلن عن إطلاق سلسلة مقالات متخصصة تهدف إلى رفع مستوى الوعي الأمني لدى النخب السياسية وحتى الباحثين في مجال الأمن والاستخبارات ، وتسليط الضوء على المواقف والتفاصيل التي تصنع الفرق بين قرار يرسّخ استقرار الدولة ، وآخر يهدمه دون قصد والله المستعان .
[email protected]



