مقالات وآراء

كيف يستفيد جهاز المخابرات السوداني من نقاط ضعف الاستخبارات الأمريكية

حافظ حمودة

سلسلة ( الوعي بالأمن القومي )
 أصبحت المعلومات في عالمنا المتغير هي السلاح الأخطر والأكثر تأثيرًا ، وفي هذا السياق تقدم الباحثة الأميركية آمي زيغارت ، في كتاب  Spies ,  Lies, and Algorithms” – Amy B. Zegart تحليلًا دقيقًا لنقاط الضعف في جهاز الاستخبارات الأميركي ، وهو الجهاز الأكثر تمويلًا وتعقيدًا في العالم . والمثير للاهتمام أن هذه الثغرات ليست حكرًا على دولة بعينها ، بل يمكن أن تتكرر في أي جهاز استخبارات ، بما في ذلك السودان ، إذا لم يتم التعامل مع التحول الرقمي بوعي واستباق .
رغم القوة التكنولوجية والبشرية الهائلة التي تتمتع بها المؤسسات الاستخباراتية الأمريكية ، فإن زيغارت تحدد جملة من نقاط الضعف التي تضعف من فعالية هذا الجهاز . أول هذه النقاط تتمثل في البيروقراطية وضعف التنسيق الداخلي ، إذ إن كثرة الأجهزة وتضارب اختصاصاتها يؤدي إلى تضييع المعلومات ، كما حدث في فشل التنبؤ بهجمات 11 سبتمبر . يلي ذلك التسييس والانحياز في التحليل ، حيث تصبح الاستخبارات أداة لتبرير قرارات سياسية ، مما يفقدها موضوعيتها .
ويبرز كذلك التأخر التكنولوجي في مواكبة الثورة الرقمية ، حيث كانت المؤسسات الاستخباراتية بطيئة في تبني أدوات الذكاء الاصطناعي وتحليل البيانات الضخمة ، مقارنة بالشركات الخاصة . إلى جانب ذلك ، هناك إهمال كبير للمصادر المفتوحة (OSINT) ، رغم أن كثيرًا من المعلومات الدقيقة يمكن استخراجها من مواقع التواصل والصور الفضائية المنشورة علنا . كما تعاني هذه الأجهزة من ضعف في توظيف وتدريب الكفاءات الرقمية ، حيث تُفضل العقول الشابة القطاع الخاص الأكثر ديناميكية وجاذبية من حيث الرواتب والامتيازات .
تُعد تجربة الاستخبارات الأميركية مرآة يمكن للسودان أن يرى فيها ما يجب أن يتجنبه ، وما ينبغي أن يستعد له بعد الحرب . فالسودان ، رغم محدودية موارده ، يملك فرصة لتأسيس جهاز استخبارات حديث ومرن . ومن هنا تبرز أهمية المرونة في البنية الإدارية والتنظيمية ، عبر تقليل التعقيد المؤسسي وتفعيل آليات تنسيق متقدمة بين أجهزة الأمن المختلفة . ويُعد تحصين التحليل من التسييس أحد أبرز خطوات الإصلاح ، من خلال ضمان الاستقلال المهني للمحللين ومنع تسييس النتائج .
في ظل الثورة الرقمية ، لم تعد الدولة قادرة وحدها على مواجهة سيل البيانات والمعلومات ، مما يجعل التكامل مع الشركات الخاصة في تحليل المعلومات خيارًا استراتيجيًا لا غنى عنه . ويمكن أن تلعب الشركات المحلية والدولية دورًا حيويًا في إنشاء وحدات تحليل بيانات ضخمة ، تستند إلى أدوات الذكاء الاصطناعي ، وتحلل المحتوى المنشور على وسائل التواصل والمصادر المفتوحة الأخرى . كما يُعد إنشاء وحدة متخصصة في تحليل المصادر المفتوحة ضرورة لا تحتمل التأجيل ، بالتعاون مع الجامعات ومراكز البحوث .
ومن المهم أيضًا استقطاب وتدريب الكفاءات الرقمية ، لا سيما الشباب المتخصصين في الأمن السيبراني وتحليل البيانات، حتى من خارج الأطر الأمنية التقليدية ، من خلال برامج تدريب مرنة ومغرية .
في عالمنا اليوم ( لم تنحصر فقط مهمة الاستخبارات  في معرفة ما يخفيه العدو وإنما في تفسير ما هو ظاهر أمام أعين الجميع ) – إيمي زيغارت .
وعليه ، فإن الطريق نحو جهاز استخبارات سوداني فاعل ، يبدأ من الاعتراف بقيمة التحليل ، والانفتاح على التكنولوجيا ، وبناء شراكات استراتيجية مع من يملك أدوات المستقبل .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..