مقالات وآراء

مناوي والجيش: هل بدأت الحرب المؤجلة؟

علي أحمد

مع كل تصريح جديد يصدر عن حاكم إقليم دارفور عن سلطة بورتسودان، مني أركو مناوي، وكل خطوة يتخذها الجيش السوداني على الأرض، يبدو أن مشهد الصدام المؤجل بين الطرفين يقترب من الانفجار. ما بين تقاعسٍ عسكريٍ غير مبرر عن التوجه غرباً نحو (الفاشر)، وتصريحات متصاعدة النبرة، وتغييرات تنظيمية مفاجئة، تتبلور ملامح مواجهةٍ محتملة قد تعيد رسم معادلات القوة داخل السودان، لا سيما بعد أن بدأت العاصمة الخرطوم تخرج من عباءة التوازن الهش.

في أواخر يوليو، تعثرت القوة المشتركة التي تضم مقاتلي الحركات المسلحة الموقعة على اتفاق جوبا، في التوجه إلى مدينة الفاشر، رغم الحاجة الملحة لتعزيز الوضع الأمني هناك بعد تصاعد الهجمات التي تشنها قوات الدعم السريع. هذا التعثر لم يكن نتيجة ظروف لوجستية أو انعدام الإرادة، بل بسبب تقاعس قيادة الجيش عن تقديم الدعم اللازم، وفق ما قاله مناوي نفسه.

“هناك من يعمل من داخل الدولة على إفشال عملياتنا في دارفور”، قالها مناوي في أحد خطاباته الغاضبة، في إشارة لا تخطئها العين إلى قيادات عسكرية نافذة، والأرجح أنه كان يشير إلى البرهان شخصياً، إذ لم تمضِ أيام، حتى أعلن عبد الفتاح البرهان عن “إخلاء العاصمة من المظاهر المسلحة”، في خطوة فُهمت على نطاق واسع بأنها تستهدف بشكل غير مباشر الحركات المسلحة التي لا تزال تحتفظ بمقار ومواقع في الخرطوم وبورتسودان.

الإعلان لم يكن مجرد خطوة تنظيمية، بل أعقبه قرار تشكيل لجنة لتنفيذ الإخلاء برئاسة الفريق إبراهيم جابر، المقرب من عبد الفتاح البرهان. وبينما فسّر البعض الخطوة بأنها محاولة لاستعادة هيبة الدولة، قرأتها قيادات الحركات المسلحة على أنها عملية إقصاء ممنهجة تستهدف تقليص نفوذهم في المركز بعد استخدامهم في الحرب ضد الدعم السريع.

وفي الأثناء، شُنّت حملة إعلامية شرسة ومنظمة ضد مني مناوي في وسائل التواصل الاجتماعي وبعض الصحف الإلكترونية، مترافقة مع تحركات سياسية غامضة، من بينها تعيين مصطفى تمبور، القيادي المنشق عن حركة مناوي، حاكماً لإقليم دارفور بالإنابة، في ظل غياب مناوي في جولة خارج البلاد قيل إنها “خاصة”، بينما يعتقد مراقبون أنها رحلة اضطرارية لن يعود بعدها إلى بورتسودان.

بين الجيش والحركات، وتحديداً حركة جيش تحرير السودان بقيادة مناوي – ماصنع الحدّاد، إذ لم يكن التحالفبينهما يوماً قائماً على ثقة متبادلة. فمنذ توقيع اتفاق جوبا للسلام في 2020، ظلت العلاقة مشوبة بالتوجس. واليوم، وبعد مرور ما يقارب الثلاثة أعوام على إندلاع حرب الحركة الإسلامية لاستعادة السُلطة، بدأت الحركات المسلحة تشعر بأنها تُدفع إلى هامش المعادلة، لصالح ترتيبات عسكرية وسياسية لا تشركها في صنع القرار.

“لن نقبل أن نكون بيادق في لعبة لا نعرف أهدافها”، قالها مناوي في مقابلة مطلع الشهر الجاري، مضيفًا أن “من يتحدث عن دمج قواتنا خارج ترتيبات اتفاق جوبا، واهم”.

التحركات على الأرض تشير إلى أن احتمال وقوع صدام مباشر بين الجيش والحركات المسلحة، خصوصاً حركة مناوي، الخلافات السياسية، الإقصاء الممنهج، وانعدام الثقة في النوايا العسكرية، تشكل مثلث اشتعال وشيك، قد تبدأ شرارته من الخرطوم وتمتد إلى دارفور وسنار والنيل الأزرق.

التساؤل الأكبر الآن: هل يتحمل السودان جبهة جديدة للحرب في ظل ما يعيشه من انقسام وانهيار اقتصادي وإنساني؟ الإجابة – كما يبدو – ليست في يد الساسة أو العسكر فحسب، بل في الوقت الذي لم يعد في صالح أحد.

تعليق واحد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..