

يكاد يصعب حصر العدد الكلّي للمليشيات المسلّحة في السودان. ووصف مليشيا يطلق على أيّ قوة مسلّحة، تُشكّل خارج الجيش الرسمي للدولة، وقد ترتبط بالدولة، أو بدولة أخرى، أو بحزب، أو بقبيلة، أو بأيديولوجيا، لكنه وصف صار يستعمل أخيراً سبّةً لجهات من دون جهات. ومنذ نشأت “أنيانيا” في جنوب السودان عام 1955، كانت ربّما أول مليشيا شبه منظّمة تنشأ في البلد الحديث، الذي صار بعدها يدمن “الملايش”.
استعانت الحكومات المتعاقبة بالمليشيات القَبلية، في غرب السودان وفي جنوبه (دولة جنوب السودان حالياً). وكانت ذروة ذلك في 1990، عندما حوّل نظام الحركة الإسلامية/عمر البشير الحرب المطلبية حرباً دينية جهادية، فتأسّست مليشيات الدفاع الشعبي التي كانت نواة تنظيمات شبه عسكرية أخرى خرجت من زيّها المموّه.
ثمّ جاءت الخطيئة الكبرى في دارفور، عندما قرّر نظام البشير مواجهة حالة الانفلات الأمني والاحتقان القبلي وبوادر التمرّد الظاهرة بالحلول الأمنية، ورفض القيادي في الحركة الإسلامية، علي عثمان محمّد طه، عرضاً من الأمم المتحدة لنزع فتيل أزمة الإقليم بدفع الديّات وحفر الآبار وبناء المدارس. والتزمت الأمم المتحدة بتمويل هذه الحلول. لكنّ القانوني السابق، ورجل السياسة الذي داس الشرعية والديمقراطية بالدبابات مع العسكر ليلة 30 يونيو/ حزيران 1989، قال إنها مشكلة أمنية، وستحلّ خلال أسابيع.
أصبحت هذه المشكلة هي ما يعرف في العالم بـ”الإبادة الجماعية في دارفور”. … سلّح النظام قوّات الجنجويد سيئة السمعة، فأحرقت القرى، واغتصبت النساء، وذبحت الأطفال، وبقرت بطون الحوامل، ودفنت الرجال أحياء. وعلم العالم كلّه بالمذابح، وأصبحت دارفور هولوكوست أفريقيا. وقال النظام إنهم يسعون إلى تكوين “دولة الزغاوة الكبرى” (قبيلة سودانية كبيرة تمتدّ بين غربي السودان وشرقي تشاد. ينحدر من فرعها التشادي الرئيس محمد كاكا ووالده الرئيس السابق إدريس دبي)، و”إنهم عملاء إسرائيل”. ونشأت المليشيات المناوئة، إذ كُوّنت الحركات الدارفورية المسلّحة، وتواصل انقسام بعضها من بعض، حتى عزّت على الحصر.
ومن أرض الجنجويد الصخرية، نبتت شجرة الزقّوم، فأنشأ نظام البشير/ الحركة الاسلامية قوات الدعم السريع. وافتخروا باختصارها “قدس”. وقالوا هذه علامة، فهؤلاء هم الأطهار الذين سيحرّرون القدس. وأغدق النظام على “الدعم السريع” الرتب العسكرية والعلاقات الدولية والتسليح والحماية من المساءلة. وانتدب الجيش ضبّاطه للعمل في “قدس”. بعد حرب 15 إبريل (2023)، حدّثونا عن “دولة العطاوة الكبرى”، كانت كبرى مثل دولة الزغاوة، وأن جنود “الدعم السريع” ليسوا سودانيين، إنما هم من عرب الشتات.
قبلها، حرّض من حرّض بعد 2019، فبدأت المليشيات تظهر في شمال السودان ووسطه وشرقه، بحجّة الخوف من مليشيات غرب السودان التي أتت باسم حركات الكفاح المسلّح الموقّعة اتفاق سلام جوبا، وهو خوفٌ غير مفهوم، في وجود جيش يحكم البلاد، وتسانده قوات الدعم السريع. لكن هناك من حرّض على هذا الخوف، وشجّعه، واجتمع بالوفود القادمة من الشمال ليخوّفها من أنها مجتمعات بلا حماية، بلا مليشيا، وذهب إليها وخاطبها بأنها لا بدّ أن تراقب من يدخل عليها، فهي مجتمعات لا تتقي الغريب، ولا لها قوة لتدافع عن نفسها. ولم يسأله أحد عن الرتب العسكرية التي تزيّن كتفيه.
كم بلغ عدد المليشيات في شمال السودان ووسطه اليوم؟… في الشمال وحده تسيطر مليشيتان على خمس مدن، أمّا قوات درع السودان، التي نشأت ضدّ نفوذ حركات سلام جوبا، ثمّ انضمّت إلى “الدعم السريع” بعد الحرب، ثمّ عادت الى حلف الجيش بعد أكثر من عام، فهي اليوم تمثّل قطاعاً واسعاً من أهالي ولاية الجزيرة الذين صُدموا بما وقع لهم من مجازر وتنكيل لا إنساني من “الدعم السريع” بعد انسحاب الجيش، فأصبح لديهم (ربّما للمرّة الأولى) الشعور بأنهم لا يمكن أن يثقوا في أحد ليحميهم إلا من بني جلدتهم، مهما كان سابق فعله. هذا الشعور (المفهوم) سيشعر به آخرون، سيّما حين يرون حَملةَ السلاح يقودون الحكومات، في بورتسودان وفي نيالا.
قد يمكن حصر المليشيات الكبيرة في ست أو سبع مليشيات بين الطرفَين، لكن المليشيات الصغيرة المتوالدة التي تبدو نكتةً حين يعلنها فرد هزيل في مؤتمر صحافي، لا يحضره إلا بعض الأصدقاء وصحافية جاءت بها الأقدار. ليست نكتةً حين تقال في مجتمع يضجّ بالمليشيات، وينتشر فيه السلاح بلا حسيب. ومهما حاولت الدولة جمعه (وهي خطوة صحيحة واجبة) ستواجه تشكّك كثيرين وتخوّفهم، ما يسمح بتسرّب كثير من الأسلحة… لتستمرّ الدوامة.
من اول سطرين و بدون ما اكمل المقال الشيق للكاتب النحرير، عند عبارة ذكر المليشيات خارج الجيش الرسمي للدولة!! من هنا تعلم أن المدخل خطأ . الجيش الحالى مليشيا لانه يقصف مواطنين، يوزع السلاح لكل من يخطر على بالك، ينتهك الدستور، لا يحمي كل الذين ارتكبت ضدهم انتهاكات و الجيش نفسه يقتل مواطنين اخرين، كل ظابط فاسد يتكسب الاموال بكل الوسائل التي تتخيلها او لا تتخيلها يكفي ان الكبار منهم يمتلكون عمارات و المفروض انهم يتقاضون مرتب موظف حكومي، لو انت جحش ح تكون قادر تتخيل حجم الفساد لما تعرف ان هذه العصابة تحوز على ٨٢% من ميزانية الدولة و لها اقتصاد موازي استيراد و تصدير من ذهب و محاصيل و لحوم و تصنيع.
الاحتلال الانجليزي في شأن ميزانية الحكومة كان في عدل الإسلام و الأخلاق و لكن هذا الجيش اكبر عصابة تدثرت بلباس الوطنية في اغبى عقول من البشر. لو كان الأمر بيدي لحكمت على الجيش بالإعدام لكن من كتب عليه الذل و الهوان سوف يقول لك على وزن، هذا إلهنا و إله اباؤنا الاولون و لن نؤمن لك حتى و حتى!!
طيب يا حمور المشكلة ميليشيات ولا جيش؟