مقالات سياسية

مرثية خالد الزبير (إستي).. من شوارع الفتيحاب إلى ذاكرة الثورة الخالدة

زهير عثمان حمد

في زمنٍ صار فيه الموت أهون من الحياة، والكرامة جريمة تستحق السجن، يرحل عنّا اليوم أحد أنبل أبناء أم درمان، ابن الفتيحاب، الثائر الصامد خالد الزبير، الشهير بـ(إستي)، شهيدًا في معتقلات استخبارات الجيش السوداني

بعد أشهر من الاعتقال التعسفي والإخفاء القسري منذ نوفمبر 2024. رحل خالد كما عاش: ثابتًا، حرًا، لا يركع ولا يساوم، ولم يرفع إلا راية الثورة.
لم يكن خالد رقمًا في سجل المعتقلين، ولا وجهًا عابرًا في مواكب الغضب. كان صوتًا صادقًا يحمل وجع مدينته، ويدًا ممدودة دومًا للخير، وقدمًا لا تتراجع عن الميدان. كان من أولئك الذين إذا صمتوا تحدثت أفعالهم، وإذا نطقوا صدقتهم القلوب.

كان خالد الزبير واحدًا من مشاعل الوعي في لجان مقاومة الفتيحاب، شابًا لم تغره الشعارات الجوفاء، ولم يتراجع أمام قسوة العسكر، ولا أمام التهديد، ولا أمام ليالي السجون الباردة.

اختار طريق الشهداء لا مترددًا ولا خائفًا، بل عاش وفيًا لوعده، وحين اعتُقل لم يتوسل، لم يساوم، لم يخن.

لكن في بلدٍ يختلط فيه الظلم بالخيانة، والدم بالتراب، لم تكن نجاة خالد ممكنة. اعتُقل، غُيّب، وعُذِّب حتى الموت في أقبية الظلام، دون محاكمة، دون حق، دون حتى أن يُعرف مصيره.

واليوم نعلم أنه فارق الحياة، لكننا نعلم أكثر أنه دخل التاريخ من أوسع أبوابه: شهيدًا للكرامة، رمزًا للشجاعة، أيقونة للثبات.
يا خالد…ها هي شوارع الفتيحاب تبكيك، تبكي غيابك وغياب العدالة، لكنك لم تغب. أنت الوشم في قلب الثورة، والقصيدة التي تكتبها لجان المقاومة كل فجر، وأنت الجرح الذي لن يُشفى إلا بالقصاص.

دمك لن يُنسى، بل سيكون علامة في دفتر الحساب المفتوح.

إن من قتلك لن ينجو من لعنة دمك، ولن يُطفأ نورك بتقارير زائفة ولا بيانات كاذبة. فقد صرت الآن شهيدًا فوق الرؤوس، وحاضرًا في كل هتاف:
“الدم قصاد الدم.. ما بنقبل الدية!”
إلى القتلة- لا تتوهموا أن خالد رحل وحده، فهو باقٍ في كل زنقة، في كل حيّ، في كل ميدان. باقٍ في ضمير أم درمان وفي ذاكرة السودان الحيّ. وإن حاصرتم صوته، فإن دمه هو الصوت الآن
وإن غيبتم جسده، فإن روحه فينا، تضيء الطريق نحو وطنٍ لا يُعتقل فيه الأحرار، ولا يُغتال فيه النبلاء في الظلمة.
نم قرير العين يا خالد،
نم كما ينام الشجعان، فالثورة التي حلمت بها لم تمت، وإن تعثرت.
والذين تركتهم من خلفك، سيحملون رايتك، ويهتفون باسمك، ويسيرون على خطاك.
لن ننساك، لأننا نعرف أن الثورات لا تنسى أبناءها.. بل تُخلِّدهم.

خالد الزبير (إستي)- قتلوك لأنك كنت أكثر حياة منهم.
لكنك انتصرت.. لأنك كنت على حق.

المجد للشهداء
القصاص العادل آتٍ لا محالة
والحرية أقرب مما يظنون.

[email protected]

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..