مقالات وآراء

السودان بين تصدير الأزمات وتكميم الداخل.. قراءة في سردية سلطة بورتسودان

د .مصطفى إبراهيم الشيخ

في محاولة يائسة للهروب من أزماتها الداخلية، تعمد سلطة بورتسودان إلى إعادة إنتاج سيناريو مُستهلَك يقوم على صناعة أعداء خارجيين وتحويل الأنظار عن كوارثها المحلية.
فبعد أيام من إعلانها المزعوم عن إسقاط طائرة إماراتية، تكشفت الحقائق لتكشف نمطًا خطيرًا من التهديدات العابرة للحدود. قبل أشهر، خرج ياسر العطا – أحد أبرز وجوه السلطة – بتصريحات صادمة هدّد فيها بضرب مطارات في تشاد، ما استدعى ردًّا رسميًا من الحكومة التشادية وصف تلك التهديدات بأنها “إعلان حرب”.

لم تتوقف الاتهامات عند تشاد، إذ أشار تقرير حديث لمجموعة الأزمات الدولية إلى تكرار اتهام السلطة لكل من كينيا وأوغندا وجنوب السودان وأفريقيا الوسطى بدعم خصومها. المفارقة أن هذه الاتهامات تزامنت مع تقارير أممية توثّق تورط السلطة ذاتها في استقدام ميليشيات متطرفة و”قوات الدفاع الشعبي” سيئة السمعة، المتورطة تاريخيًا في جرائم وانتهاكات جسيمة.

عودة الإرهاب المنظم

الداخل السوداني يعيش تناقضًا صارخًا بين الخطاب الرسمي والممارسة الفعلية. فبينما ترفع السلطة شعار مكافحة الإرهاب، تحوّلت أحياء الخرطوم إلى ساحات قتل يومي على يد مليشيات “الكيزان” المتطرفة. تقرير منظمة “هيومن رايتس ووتش” الصادر الشهر الماضي وثّق عمليات إعدام ميداني لمدنيين في الجزيرة، حيث يُستهدف الضحايا بناءً على انتماءاتهم العرقية.

الإخوان المسلمون من البوابة الخلفية

الأخطر هو التغلغل الممنهج لتنظيم الإخوان المسلمين في مفاصل الدولة. تحقيقات “شبكة الصحفيين الاستقصائيين” كشفت عن سيطرة عناصر “الأمن الشعبي” على وزارات سيادية والبنك المركزي، فيما تحدّثت صحيفة “السودانية” في عددها الصادر 5 أغسطس عن اجتماعات سرية بين قيادات السلطة وممثلين من تركيا وإيران.

دعم خارجي مريب

تقرير “مركز الأبحاث التطبيقية في الشؤون الدولية” رصد وصول شحنات أسلحة إيرانية حديثة عبر ميناء بورتسودان، فيما كشفت وثائق مسربة نشرها موقع “ميدل إيست آي” عن اتفاق أمني مع تركيا لتدريب قوات الأمن السودانية على أساليب القمع الجماعي.

حرب تطهير عرقي تحت الغطاء

وسط هذه الفوضى، تشهد مناطق في الخرطوم والجزيرة وأم درمان عمليات تهجير قسري ممنهج تستهدف مجموعات عرقية بعينها. تقرير “منظمة ضد التعذيب” وثّق شهادات تؤكد أن الجيش كان يؤمّن الميليشيات أثناء ارتكابها عمليات ذبح وتهجير.

واجهة إعلامية زائفة

رغم الكوارث الإنسانية، تواصل آلة الدعاية الرسمية بث خطاب المؤامرات الخارجية، متجاهلة تقارير “اليونيسف” التي تكشف عن تجويع متعمد لسكان مناطق المعارضة. وتشير بيانات الأمم المتحدة إلى أعداد صادمة من القتلى والمهجّرين والمُحاصَرين، كما في مدينة الفاشر التي تمنع قوات الجيش سكانها من المغادرة بينما يموتون جوعًا ومرضًا، لاستخدامهم كدروع بشرية.

شعب بين مطرقة التطرف وسندان التضليل

الحقائق التي تحاول السلطة طمسها تخرج إلى العلن كل يوم عبر شهادات الضحايا وتقارير المنظمات الدولية. وبينما تواصل صناعة الأعداء الوهميين، تتهاوى المدن، وتنهار البنية التحتية، ويعود الإرهاب المنظم بوجهه الأكثر دموية، مدعومًا بشبكات خارجية مشبوهة.

ويبقى السؤال الملحّ: إلى متى يستمر هذا المسرح الدموي، والشعب السوداني وحده يدفع الثمن.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..