
يعتبر النفوذ الأسري سلاح ذو حدين في توجيه بوصله الأبناء إما إيجابا” لبناء مستقبلهم نحو غد أفضل أو سلبا” لهدم تطلعاتهم خاصة إذا كانت الأسرة لم تفهم هوايات وتوجهات الأبناء منذ بداية حياتهم أي نعومة أظافرهم.
علماء النفس يدرسون سلوك الطفل منذ الصغر لكي يستطيعون فهم هوايته وتطلعاته من خلال البرامج التعليمية والترفيهية وبرامج أخرى يضعها خبراء علم النفس بعناية للإشراف عليه وغالبا” النتائج الدراسية تكون أحد المداخل الرئيسة لتحديد مسار الطفل من ثم يتم وضع خارطه طريق واضحة له تحت إشراف مباشر من مشرف أكاديمي،إجتماعي ومشرف نفسي لإتباعها في حالة الدول المتقدمة كأوربا،أمريكا،أستراليا وبقية دول العالم التي تعطى أهمية قصوى للتعليم مع تجهيزه بالآليات اللازمة.
بالنسبة للحالة السودانية،أفريقيا وعموم العالم الثالث يختلف كثيراً وغالبا” ما تجد الطفل أو النشيء يختار/يشق طريقة بنفسه برغم صعوبة المشوار وضراوة التيار دون الحاجة لمساعدة الآخرين أو المرور بباغة الإمتيازات التي يجدها طفل العالم الأول إذا لم يحرم من التعليم أصلا”!
بعض الأسر التي لم تنل حظا” من العلم لا يهمها أي الهوايات يريدها طفلهم لكي يتم توجيهه وتقديم ما أمكن من نصح ومساعدة معنوية،مادية وراحة نفسية له لينطلق نحو بلوغ أهدافه ويتركون له الحبل على الغارب والبعض الآخر يتابع كل حركات وسكنات طفلهم إلى أن يبلغ أشده مع توفير المساندة اللازمة له ولكنها أي هذه الأسر تستخدم نفوذها لتغيير مساره من محطته التي يقف فيها إلى محطة أخرى قد لا يطيق الوقوف عندها وربما ينجح وقد يضل الطريق فينقلب مستقبله إلى بحر من السراب!
نماذج لنفوذ أسري إيجابي
من خلال متابعتي وقراءتي لسيرة رجلين من عظماء السودان وأفريقيا هما البروفيسور/عمر محمد بليل والثوري المناضل الجسور العقيد د/جون قرنق ديمبيور لهما الرحمة،تفحصت وتعرفت على بعض اللمسات الفنية الرائعة من أسرتيهما الذان كان لهما الفضل بعد الله ليصلوا إلى ما وصلوا إليه وسأوجزها في الاتي:
1-بروف/عمر محمد بليل جراح كلى ماهر حيث تقلد العديد من المهام الإدارية والطبية حيث عمل محاضرا” بكلية الطب جامعة الخرطوم،عميدا” لكلية الطب ومديرا” للجامعة في الفترة من فبراير1981 إلى أبريل 1985.
تم تصنيف بروف/عمر بليل عالميا” كأول جراح زراعة كلى سوداني،أفريقي وعلى مستوى الدول العربية ولديه فضل كبير في تطوير زراعة الكلى بالسودان والعالم أجمع وله تجربة قاسية مع المرض والألم ولكنه تجاوزها بأعجوبة وأصبح مضرب مثل للشخص قوي العزيمة والإصرار والهدف النبيل وأتمنى أن يقرأ الجميع كتابة بعنوان«حياتين Two lives» حيث سرد فيها معاناته الشخصية مع إصابته بالفشل الكلوي أي أصبح باب النجار مخلوعا” ولكنه برغم تلك الفاجعة واصل كفاحه إلى أن تبرع له شقيقه بكلى وتمت عملية زراعة كليه له بلندن ليعود بعدها للحياة من جديد ويتخصص أكثر في مجاله ليقدم للبشرية أحدث وأروع التقنيات في جراحة الكلى مما جعله يؤلف كتابا” يسرد فيه مسيرة حياته ليكون ملهما” لأصحاب المعالي.
وفق المقابلة الإذاعية التي أجرتها معه محطة«صوت أمريكا-Voice of America»
بالعام 1978 في منزله بالخرطوم حيث أفاد بأنه كان بارعا” في مادة الرياضيات وقرر أن يدرس الهندسة الإ أن لوالديه وأسرته المقربون رأي آخر مما جعلهم يستخدمون نفوذهم بإسلوب إيجابي لتغيير بوصله دراسته من الهندسة إلى الطب وقد كانت قراءتهم سليمة وأثمر تدخلهم المباشر ونفوذهم السلس برجل يذكره العالم بأسره لنبوغه في عالم جراحة الكلى.
2-العقيد د/جون قرنق ديمبيور شخصية عالمية غنية عن التعريف فهو أكاديمي حاصل على درجة الدكتوراة من الولايات المتحدة الامريكية، عاد بعدها للسودان ليعمل في هيئة كبار الضباط بالقيادة العامة ومحاضرا” بكلية الزراعة-قسم الإقتصاد الزراعي جامعة الخرطوم ومشرفا” على طلاب الماجستير والدكتوراة وفوق كل ذلك رجل ثوري من الطراز الأول حيث كان رئيس الحركة الشعبية لتحرير السودان وقائدها الأعلى.
يعتبر د/جون قرنق ديمبيور صاحب مشروع كبير دخل كل بيت في السودان وكان لديه رؤية ثاقبة لبناء سودان جديد يسع الجميع لولا أن القدر أخذه من ثم أصبح جنوب السودان منفصلا” عن السودان الأم.
تابعت بعناية الحوارات التوثيقية التي أجراها الصحفي الجنوب السوداني أستاذ/عادل فارس مع د/قرنق عن سيرته والتي اشار فيها إلى أنه رفض دخول المدرسة بعد أن قررت أسرته في باديء الأمر أن ترسله إلى أحد المدارس بضواحي جنوب السودان وأخيرا” أضطر أن يرسله أخيه الأكبر بالقوة الجبرية ليوضع في اللوري بالقوة مرورا” بالبابورات المستخدمة لقطع الأنهار إلى أن وصل تنزانيا لتبدأ من هناك مسيرة حياته التعليمية ليخرج للعالم من طفل رافض للمدرسة إلى رقم عالمي ومدرسة ثورية متفردة!
أتذكر أنه أثنى على أخيه في ذلك الحوار بما فعله بحقه لأنه كان صغيراً ولا يعرف مصلحته ولكن بصيرة أسرته كانت ترى غير ما يراه هو أنذاك.
هذان النموذجان للرجلان العظيمان يفسحان المجال واسعا” لإستخدام النفوذ الأسري وتطويعه لصالح الأبناء في بعض الأحيان إذا تطلب الأمر عندما ترى الأسرة بعكس منظار الأبناء مع الوضع في الإعتبار إحترام خياراتهم ولكن هذا لا يمنع من التوجيه نحو المسار الصحيح.
التشجيع والتحفيز المتواصلان يخلقان فضاءات آمنه للتواصل معهم بأريحية لسبر غوار خواطرهم.
يجب أن تكون هناك حجج واضحة للإقناع لا توجيههم عن جهالة.
الدخول في حوار مستفيض مع الأبناء ومناقشتهم بصورة دورية تخرج ما بدواخلهم مما يساعد في التوجيه السليم.
المراقبة، المتابعة، تنظيم الأوقات وتوزيع المهام تساعد في بنائهم المعرفي ويسهل مساعدتهم.
التواصل مع إدارة المدرسة باقسامها الأكاديمية المختلفة، الإشرافية، الإجتماعية والنفسية تسهم في رسم المستقبل الواعد للأبناء.