
تستفزني تعليقات بعض القراء، لذلك أتناول أحياناً أكثرها استفزازاً كنوع من التفاعل ولخدمة فكرة محددة.
وضمن هذا السياق، كنت قد نشرت فيديو لرئيس وزراء (الغفلة) كامل إدريس في مصر، وعلقت على هتافات بعض السودانيين – من الكيزان أو المأجورين – الذين كانوا يرددون: ” جيش واحد، شعب واحد”، كتبت مستنكراً أن يهتف لاجئون ومشردون بحياة جيش لم يوفر لهم الحماية ولم يحافظ على أراضي ووحدة وسلامة وطنهم.
لأنه من الغريب بالنسبة لي أن يردد مشرد مثل هذا الهتاف، حتى ولو كان مأجوراً، دع عنك أن يكون مواطناً راشداً ونزيهاً لا يحركه سوى ارتباطه ببلده.
فعقب أحدهم بالقول: ” نهتف لجيشنا رمز السيادة والوطنية بعيداً عن أي انتماءات، ولا دايرنا نهتف للقحاتة والمرتزقة؟َ”
مثل هذا القول، الذي يتكرر كثيراً دون فهم عميق ووعي بالشعارات التي نرددها يتطلب تعقيباً موسعاً، ولذلك اخترت أن أفرد له هذا المقال.
أولاً، وقبل كل شيء، لابد من الإشارة إلى أن ما تقدم لا يصدر إلا من كوزٍ متخفٍ يتوهم أن بإمكانه التشويش على القراء الآخرين، أو شخصٍ عاطفي لا يزن الأمور بميزان العقل، حتي ولو كان هذا الشخص حاصلاً على درجة الدكتوراة في مجاله.
فالجيش الذي يقوده البرهان، لم يعد جيشاً للوطن منذ عشرات السنين، بل أصبح مؤسسة تم تسيسها بالكامل، وصارت ذراعاً لحزب شريرٍ وخائن للوطن وأهله، ومن يقول غير ذلك، إنما يخادع نفسه قبل أن يخدع الآخرين.
فكيف لجيش مُسيسٍ ومُدجن أن يكون رمزاً للوطنية، وكيف نعتبره رمزاً للسيادة، وبعضنا يهتف باسمه من خارج حدود الوطن، لا اختياراً، بل لأن هناك قوة صنعها هذا الجيش الهّين طردتهم من بيوتهم ومدنهم وقراهم، دون أن يتصدى لها هذا الجيش؟
ولا أدري لماذا يصر بعض العاطفيين في هذا السودان على تغافل حقيقة أن الجيوش تؤسس في كل هذا العالم لغرضٍ أساسي، هو حماية الأوطان والدفاع عن التراب وضمان أمن وسلامة المواطنين.
والواقع الذي لا يمكن انكاره أن بعض أراضي وطننا ظلت ترزح تحت الاحتلال منذ عشرات السنين، بسبب ارتهان هذا الجيش لفئة ضالة، وسعيه الدؤوب لحماية قادتها ورموزها، ولذلك لم يطلق رصاصة واحدة كمسعى لاسترداد اراضينا المحتلة.
فكيف يُعد خائناً أو متطاولاً من ينتقد مؤسسة بهذه الضآلة؟ وهل يقبل أحدنا، مثلاً، الذهاب بمريض له لأحد المشافي، ليجد الاطباء يلعبون الورق، ويطلبون منه أن يذهب بمريضه لأقرب “شيخ” أو ” بصير” لأنهم لا يقوون على علاجه؟ ولو حدث ذلك – لا سمح الله – هل سيطلب منا مرافق المريض أن نهتف بحياة أطباء ذلك المشفى، لمجرد أن الطب مهنة سامية يتوجب علينا احترامها!؟!
هذا بالضبط ما يحدث مع جيش الكيزان، حيث تخلى عن صون التراب، وحماية المواطنين، بل أمعن في قتل هؤلاء المواطنين وصنع المليشيات المساندة، بما فيها الجنجويد الذين يحاربهم الآن، لتحقيق أقذر الأهداف، وليس لصون كرامة السودانيين كما يتوهم بعضنا.
والأعجب أن هذا الجيش يقاتل أصدقاء الأمس، “الجنجويد” عبر صناعة المزيد من المليشيات وتوزيع السلاح لكل من يرغب في ممارسة القتل الممنهج، وبالرغم من ذلك تجد من يحدثك عن ضرورة الوقوف مع الجيش بدافع الوطنية والسيادة!
أما الأخطر في تعليق هذا القاريء هو سؤاله: ” دايرنا نهتف للقحاتة والمرتزقة؟”
والحقيقة أنه لم يُطلب منه أو من غيره مساندة القحاتة، الجنجويد، أو أي جهة أو فرد.
. لكن مشكلة الكثير ممن أصابهم الكيزان وإعلامهم بلوثة العقول أنهم صاروا اتكاليين إلى درجة بعيدة وفاقدين للثقة في قدرة الشعوب على التغيير، لذلك يكتفون بدور” الهتيفة”.
كما أن الانقسام بين لونين، جهتين، أو فردين صار سمة بارزة للكثيرين، فحتى في كرة القدم، كنت كلما كتبت منتقداً مثلاً سياسة أو توجهاً لمجلس الكاردينال، أسمع من يقول لي:” صلاح إدريس كان يفعل كذا فلماذا لم نسمع لك صوتاً؟”
ولو شجبت سلوكاً من معتصم جعفر يقولون لك ” ما دكتور شداد ومجلسه فعلوا كذا”
فما بالكم بالسياسة وقضايا الوطن الأكبر؟ فقد عزف إعلاميو ” الدفع المسبق” على وتر خطير حتى أصبح العقلاء والبسطاء سيان في فهمهم للأمور. فإن لم تعجبك أفعال البرهان وكيزانه، فأنت بالضرورة قحاتي، وما دمت قحاتي فأنت في نهاية المطاف حنجويدي تسببت في اشعال هذه الحرب اللعينة، بينما يتبختر المُتسبب الحقيقي في كل هذه الويلات بيننا لنصفق له ونستقبله بالورود.
وليس هناك طريق ثالث يتمثل في احقاق الحق ورفض الخطأ أياً كان مصدره ، واستخدام نعمة العقل التي وهبنا إياها الخالق، لكي نقرر لأنفسنا ونخدم وطننا كمواطنين عقلاء، راشدين، صالحين وقادرين على فرض ارادتهم. ولهذا يتراجع هذا الوطن ونفقد منه بين الفينة والأخرى جزءاً عزيزاً دون أن يحرك فينا ذلك الفعل الجاد.
حتى أكثرنا علماً ومعرفة واطلاعاً لا يزالون في انتظار حلولاً وضغوطاً خارجية لإيقاف هذه الحرب المُدمرة، كأنهم يعيشون في مدينة أفلاطون، أو كأنهم لا يرون الدمار الذي حل بشعوب أخرى تقاعست عن ادوارها الوطنية وانتظرت الحلول من هذا الخارج.
ولو أننا وثقنا في أنفسنا وقدرتنا على التاثير، لكانت هذه الحرب توقفت منذ أسابيعها الأولى، لكن كيف لنا أن نفعل ذلك ونحن من استمرأنا الإنقسام إلى ضدين دائماً، حتى ولو في مسرح العبث؟
لهذا، لن أمل من تكرار أن الوعي هو السلاح الحقيقي الذي نحتاجه، وهو المفتاح الذي يمكننا به مواجهة كل المخاطر وتغيير مصيرنا نحو الأفضل.
لا تتعب نفسك سيد كمال هذا شعب عاطفي سازج مصاب بداء الجهل والغباء المركب ونحن في القرن الحادي والعشرون لذا سنظل ندور في فلك الانقلابات والتشرزم السياسي واي صاحب حلقوم كبير أو لايفاتي عاطل او شيخ قبيلة دجال امي جاهل او عسكري اخرق يمكنه ان يقود ويوجه الراي العام كما يريد ورجل افريقيا المريض ممدود علي فراش الموت في أيامه الأخيرة بينما الشعوب من حولنا في تطور مستمر في عهد التكنلوجيا وحرب أشباه الموصلات والمعادن النادرة…. سيد كمال مشكلتنا الأساسية ليست في العسكر ولا الممارسة السياسية فهؤلاء لا يتصدرون المشهد الا في المجتمعات المتخلفة الموبوءة بالجهل فلن يركب احدا ظهرك الا اذا انحنيت له بسزاجة……
استاذ كمال انك لن تهدي من أحببت. إن تتحدث إلى اجيال في خلل في البيئة التي نشأت فيها و المجتمع السوداني العلل الفيهو جسام بيئة تقود الواحد إلى الفشل بسبب الخمول الفكري و الخيال الضحل و الاتكالية ثم جاءت التنشئة تحت الانظمة الشمولية. مسألة الوعي وسط هذا الشعب كمن يبحث على ابرة في فلاة و لكن للانسان الحييي يتمسك بالأمل و ان يشعل شمعة افضل من ان يلعن الظلام حتى و لو كان نجفة هو الرجل الثاني في الدولة