الحزب الشيوعي بين الثورة والإصلاحية: قراءة في جدل مبادرة عطبرة

بقلم: عاطف عبدالله
لم تكن مبادرة فرع الحزب الشيوعي في عطبرة لحل مشكلة مياه الشرب عملاً عفوياً ولا خطوة إنسانية معزولة عن السياق السياسي كما يحاول البعض تصويرها. بل كانت خطوة ذات دلالة سياسية واضحة، انزلقت بالحزب من مربع المعارضة الجذرية إلى شراكة ميدانية مع سلطة الأمر الواقع، ومن حزب يقود الجماهير إلى كيان يشتبك مع السلطة بوصفها “شريكاً” في مشاريع “خدمية” لا يُعرف على وجه الدقة من أين تموَّل، ولا كيف أُقرت، ولا ما هي حدودها.
من المؤسف أن البعض، بوعي أو بدون وعي، يسعى إلى فصل هذه الخطوة عن السياق السياسي العام، وعزلها عن تناقضات المرحلة، وكأن الحزب مؤسسة خيرية أو منظمة طوعية. إنه منطق تبسيطي وسطحي يتجاهل طبيعة الحزب كتنظيم سياسي، لا كيان خدمي أو محايد.
لقد جرى تسويق المبادرة وكأنها “خدمة عامة”، بينما هي في جوهرها عمل سياسي منح السلطة الانقلابية شريان حياة، وأكسبها شرعية زائفة استفادت منها إلى أبعد مدى، في حين خسر الحزب كثيراً، بدليل هذه الضجة والانقسام الحاد في الرأي داخل أروقته.
كنتُ أنوي تخصيص هذا المقال للرد على الدكتور سيد أحمد الخطيب، عضو اللجنة المركزية بالحزب الشيوعي، في مقابلته مع صحيفة «الميدان» بتاريخ 10/08/2025.
لكن، قبل ذلك، أجدني مضطراً للتعقيب على مقالين دافعا عن مبادرة الحزب، كتبهما طه جعفر وإسماعيل البرير، وذلك نظراً لانتشارهما الواسع عبر الوسائط المختلفة.
ومع أن مقالاتهما تفتقر إلى الموضوعية وتعاني من ضعف لا يليق بنقاش سياسي بهذا الحجم وحساسية القضية المثارة، مما يدفعني إلى التساؤل حول مدى تمثيلهما الحقيقي للشيوعية، فإنني أذكر هنا أن معظم من هاجموا سلسلة مقالاتي الإحدى عشرة التي حملت عنوان «الحزب الشيوعي السوداني: مخترق أم مختطف؟» لم يكونوا سوى الفلول وجماعة الإخوان ودعاة الحرب، الذين يرعبهم أي طرح يدعو إلى التقارب بين الحزب الشيوعي وأحزاب تحالف الحرية والتغيير أو القوة المدنية المعارضة.
سأعقّب هنا على ما ورد في المقالين، مؤكداً أن تعقيبي ينصب على ما كُتب من آراء ومواقف، لا على الأشخاص أنفسهم، إذ ليست لي معرفة شخصية بأيٍّ منهما، ولا شأن لي بالخوض في حياتهما الخاصة، كما حاول أحدهم النيل من شخصي بأسلوب بعيد عن الموضوعية.
الرد على طه جعفر: تعصب مناطقي لا يليق
أمّا ما كتبه طه جعفر، فهو أقرب إلى تصفية حسابات شخصية ومناطقية ركيكة لا تليق بنقاش سياسي.
اتهام كل من ينتقد هذه الخطوة بأنه “عدو للحزب”، والتلميح إلى أن منتقدي المبادرة هم من “أقاليم لا تعرف عطبرة”، هو خطاب نخبوي استعلائي مرفوض، يعكس إشكالات أعمق في التفكير الحزبي، ويعيد إنتاج العقلية الأمدرمانية التي ظل الحزب يحاربها نظرياً لعقود.
الاختلاف حول مبادرة سياسية لا يمكن الرد عليه بشتم الشخص ومكان ولادته، بل بمقارعة الحجة بالحجة.
طه لم يجب على سؤال واحد من أسئلة المبادرة، بل أغرقنا في هذيان عاطفي حول عطبرة والمثقفين الأمدرمانيين، وكأن النقاش يدور حول فوز في مباراة كرة قدم، لا عن مصير حزب سياسي يواجه منعطفاً حاداً في تاريخه.
إسماعيل برير: تبرير التطبيع باسم “الخدمات“
أما إسماعيل برير، فقد جاء دفاعه عن المبادرة من باب إنساني، وهو باب مشروع من حيث المبدأ، لكنه خطر إذا جُرّد من السياق السياسي.
فلا أحد ضد تقديم الخدمات، ولا ضد دعم المتضررين من الحرب، لكن حين تتم هذه الخدمات بالتعاون مع السلطة المسؤولة عن الحرب والخراب والتجويع، وتُمنح بهذه الشراكة فرصة لإعادة تسويق نفسها كـ”سلطة راعية للناس”، فإن الخطوة تصبح جزءاً من هندسة سياسية تعيد دمج النظام القديم عبر مسارات ظاهرها خدمي وباطنها سياسي محض.
وبرير نفسه أغفل أن هذا المنطق قد يُستخدم لاحقاً لتبرير التعاون مع حميدتي “لأجل السلام”، أو مع الإسلاميين “لأجل استقرار الدولة”! فهل نقبل بأي شراكة ما دامت تقدم خدمة ما؟ وهل كل من قدّم خدمة صار حليفاً مقبولاً؟
هذا اختزال خطير للعمل السياسي، ينزع عن الحزب بوصلته، ويحوّله إلى ما يشبه المنظمات الطوعية التي لا تفرّق بين السلطة والمعارضة، بين القاتل والضحية.
د. سيد أحمد الخطيب: خطاب دفاعي يرسّخ الإشكال
حديث د. سيد أحمد الخطيب لصحيفة الميدان جاء في سياق دفاعي، حاول فيه الفصل بين الموقف السياسي الرافض للانقلاب، وبين التعاون مع سلطاته في قضايا “خدمية”. لكن هذا الفصل، مهما بدا منطقياً على الورق، ينهار أمام حقيقة أن أي تعاون مؤسسي مع السلطة هو اعتراف عملي بها وتطبيع سياسي معها.
الخطيب تحدث عن أن المبادرة جاءت بعد أن “وصلت معلومات بشأن دعم أوروبي”، وأن الحزب “قام بربط الجهات ببعضها” عبر إعداد دراسة جدوى، ثم أرسلها للاتحاد الأوروبي. لكن هنا يتبادر للمرء ألف سؤال وسؤال، أبرزها:
1. لماذا أدعى الحزب في بيانه أنه من سيمول المبادرة أي أن التمويل سيكون من موارده الخاصة، بينما كان المصدر – كما كشف الخطيب – الاتحاد الأوروبي؟ في وقت سابق، كان الدكتور الباحث السر عثمان بابو قد قال في مقال خصصه للدفاع عن المبادرة إن التمويل سيأتي من “تبرعات الجماهير”. الآن ظهر مصدر ثالث للتمويل، مما يثير تساؤلات حول الشفافية ودقة المعلومات المقدمة للرأي العام.
2. ما هو موقف الاتحاد الأوروبي من التعاون مع سلطات الأمر الواقع؟ وهل سمحت هذه السلطات أصلاً لأي تعاون مع المؤسسات الخيرية والإنسانية التابعة للاتحاد الأوروبي لتوصيل المساعدات الإنسانية وفتح المسارات الآمنة وحماية القائمين على أمر الإغاثة؟ أم أن الواقع هو عرقلة هذه المنظمات ومنعها من الوصول إلى المتضررين؟ إذا كانت السلطات تمنع التعاون الإنساني في حالات أخرى، فلماذا كانت هذه المبادرة استثناءً؟
3. لماذا لم تُدار العملية من خلال أجسام مدنية مستقلة مثل لجان المقاومة أو النقابات الشرعية، بدلاً من أن يكون الحزب هو القناة المباشرة بين الممول والسلطة؟ إذا كان الهدف خدمة المواطنين، فإن تمرير المشروع عبر قنوات جماهيرية كان سيحقق الهدف دون أن يمنح السلطة مكسباً سياسياً أو دعائياً.
أما تبرير الخطيب لغياب الضغط الجماهيري بحجة “انحسار المد الثوري” فهو تبنٍ عملي لمنطق الوصاية، الذي يمنح القيادة الحق في التحرك بمعزل عن الجماهير، حتى في القضايا ذات الطابع السياسي العميق. هذا النهج يحوّل الحزب تدريجياً من أداة تنظيم وقيادة للجماهير، إلى وسيط خدماتي يتعامل مع السلطة في هوامش لا تمس جوهر الصراع، وهو انحراف جوهري عن دوره التاريخي.
ما لم أكن أتوقعه من الدكتور سيد أحمد الخطيب، السياسي المتمرس والمجبول على العمل العام، هو تحدّيه لمنتقدي المبادرة بالحضور إلى مركز الحزب أو الوقوف معه في إطار دعاويه القانونية ضد أجهزة السلطة. وهو – أكثر من يعلم – أن بين أبرز منتقدي المبادرة، وأنا منهم، وبين سلطة الأمر الواقع “البورتو-كيزانية” ما صنع الحداد، وأننا جميعاً مستهدفون منها وملاحقون من قبلها، الأمر الذي يجعل دعوته هذه أقرب إلى المزايدة منها إلى الموقف الجاد.
الحزب ليس جمعية خيرية
الحزب الشيوعي، بتاريخه ونضاله، لم يكن يوماً جمعية خيرية. هو حزب سياسي في صراع دائم مع قوى الاستبداد والقهر. فإذا بدأ يتصرف ككيان إصلاحي محايد، ويرى في “شراكة السلطة” وسيلة لخدمة الناس، دون أن يطرح بديلاً سياسياً ولا مشروعاً جماهيرياً، فهو يخسر دوره وموقعه، ويخسر أيضاً احترام الناس.
الدعوة إلى مراجعة جذرية
هذه المبادرة، وما تبعها من تبريرات هزيلة وهجمات شخصية، كشفت عمق الأزمة داخل الحزب. فهي لم تقسم الرأي العام فقط، بل كشفت عن صراع داخلي حول تعريف الحزب نفسه: هل هو حزب سياسي مقاوم؟ أم كيان إصلاحي يبحث عن موطئ قدم في دولة مهترئة؟
إن ما حدث ليس مجرد خطأ في التكتيك، بل انزلاق في الاستراتيجية. والأخطر أن من يدافعون عنه يفعلون ذلك وكأنهم يدافعون عن عقيدة، لا عن مبادرة قابلة للنقد.
الحزب الشيوعي السوداني أمام مفترق طرق: إما أن يراجع نفسه ويعيد تعريف موقعه في معسكر الثورة، أو أن يتحوّل – طوعاً أو كرهاً – إلى كيان إصلاحي رمادي، يكتفي بتقديم خدمات صغيرة، ويمنح خصومه شهادة براءة.
كلام صاح يا عاطف
ليت قومك يعون ويرعوون
والكلام عن الدعم الأوربي سيثير جدلا كبيرا ومخيفا
لا تستحق يا عاطف عبد الله ردا في أكثر من هذا الحيز
عليك أولا بقراءة رد الدكتور سيد احمد الخطيب و توضيحة لموضوع المبادرة في صحيفة الميدان العدد الأخير .
لست مفكرا و لا كاتبا مميزا لأرد علي مقالاته المتسلسلة في محاولتك البائسة لجعل الحزب ينتمي لتقدم او صمود و يتخلي
عن عضويته لتحالف التغيير الجذري
…………………….
كتاباتك فقيرة جدا و لا تشمل فكر يعتد به إلا عند مجموعة أصدقائك ربما الذين يشاركونك الرأي حول الحزب
لاحظ العنوان الذي طرحته و المحتوي البائس الذي كتبته
فنحن رعاع كما تصفنا و كمان انتهازيين إيه رأيك
فما هو الرأي الذي تنتظره من الرعاع يا ود يا أمدرماني يا راقي و يا ثوري حتي النخاع