مقالات وآراء سياسية

قضية الحزب الشيوعي بعطبرة.. تناقضات لم تذكر

صديق الزيلعي

اتصل بي عدد من الزملاء والأصدقاء حول رأيي حول ما تم في عطبرة. كان ردي، الذي كررته
مرارا، ان المسألة قتلت بحثا. ولكن عندما تواصلت الاتصالات، قررت ان أكتب، عما تم، ولكن بدون
تكرار الآراء التي قيلت. وأهدف من هذا المقال لطرح القضية في اطارها الأكبر، الذي لم يتعرض له،
من كتبوا، رغم جودة اطروحاتهم. وأود أن أقدم الصورة الكلية للازمة، بدون الإغراق في تفاصيلها
وتجلياتها، لذلك اخترت للعنوان تناقضات لم تذكر.
هناك ملاحظة أساسية، يجب البدء بها، ومن ثم انتقادها. هي ظاهرة عداء الزملاء للرأي الآخر والنقد،
حتى لو اتي من زملاء ينتمون لنفس الحزب. وكذلك استخدام لغة مسيئة، وتحوي شتائم شخصية. هذه
ظاهرة لم يعرفها الحزب، طوال تاريخه، بل كان منفتحا على الرأي الآخر. ويكفي انه في المناقشة
العامة وجه الحزب رسالة للديمقراطيين والأصدقاء لطرح رأيهم، في مسيرة الحزب، بدون خطوط
حمراء. والمناقشة العامة، التي استمرت قرابة العقدين من الزمن، لم يسبق ان قام بها حزب سوداني.
المهم انا اعتبر، بصدق واقتناع تام، ان هذا النوع من الخطاب، هو جزء اصيل من خطاب الكراهية،
الذي يهدد بالتمزيق النهائي لوطننا.
أعود، لبعض التناقضات، وليس كلها، لزوم تركيز النقاش:
هدد الزميل السر بابو كل من انتقد، ووصفهم بكل صفات الذم الشهيرة في القاموس الماركسي. ما تغافل
عنه السر هو الفكر الذي ينتمي اليه. فجوهر الماركسية هو الديالكتيك، وأهم اسسه التناقض وصراع
الاضداد ( بدون الدخول في تفاصيل ليس هذا وقتها). كما ان الحركة الشيوعية العالمية قد مرت
بصراعات وتيارات وخلافات شهيرة. وسأذكر أهمها: الخلاف السوفيتي الصيني، الشيوعية الاوربية،
مدرسة فرانكفورت، اليسار الجديد. وكلها تحليلات واجتهادات تنتمي للفكر الماركسي، الامر الذي يؤكد
حيوية ذلك الفكر، وانه لا يمكن تحنيطه في قوالب جامدة. لان ما يصلح لعصر ماركس أو لينين، لا
يصلح ليومنا هذا. وأكبر أخطار الجمود ورفض الرأي الآخر هو انهيار الاتحاد السوفيتي.
محاولة الزميل السر بتقديم قراءة لتاريخ الحزب، من منظر ذاتي ضيق، كرره كثيرا في مقالاته، لا تفيد
في وقتنا الحاضر. الحياة تفرض تحديات مستمرة والنظريات والمبادئ تتغير باستمرار. ومن لا يتغير
سيصيب الموت والانهيار، كما حدث في التجربة الاشتراكية السابقة.
التناقض الثاني ورد في حديث الدكتور سيد أحمد الخطيب لجرية الميدان. فقد ذكر ان المسألة تتعلق
بمساعدة من الاتحاد الأوربي، دعك عن قول بابو انها من التبرعات. معنى ذلك ان فرع الحزب بعطبرة
تواصل مع الاتحاد الأوربي حول مساعدة سيقدمها لقطاع الخدمات. أنا شخصيا أشيد بذلك التواصل وقد
دعوت له مرارا. ما يهمني هنا ان الحزب خاض حملات إعلامية مركزة ضد حكومة حمدوك بحجة
البحث عن دعم خارجي، وطرح الاعتماد على الذات. كما اعيد رفع شعارات ستينيات القرن الماضي
مثل لن يحكمنا البنك الدولي، رغم التغيرات التي تمت في سياسات البنك الدولي، وتخطيه لروشتته
الشهيرة. الدعوة للاعتماد على الذات، تحمل تناقضات كثيرة. كيف سيعاد بناء قطاعي الكهرباء والماء
بدون عون أجنبي، كيف سيتم اصلاح السكة الحديد ومشروع الجزيرة والمصانع، وغيرها من عشرات
القطاعات. باختصار كيف يمكن بالموارد الذاتية إعادة اعمار ما دمرته الحرب. واذا ، فرضنا جدلا، انك
اعمرت السودان بالعون الذاتي، هل ستتعامل مع السوق العالمي، ولمن ستبيع منتجاتك؟

العلاقات الدولية اليوم مبنية على المصالح، والدول ذات الحكومات الوطنية والديمقراطية، تتفاوض من
اجل المصالح المشتركة. وإذا حصرنا ما قدمه المجتمع الدولي، من مساعدات للسودان منذ استقلاله
وحتى اليوم، نجدها بمليارات الدولارات.
التناقض الثالث، هو ما ذكره بعض الزملاء بان فرع الحزب لجأ لهذه الخطوة لصعوبة تجميع الجماهير
وتنظيمها، للمطالبة بحقوقها المشروعة. هذا اعتراف صادق بواقع الحركة الجماهيرية داخل السودان.
ولكنه يتناقض مع الدعوة المتكررة والمشددة، على بناء جبهة جماهيرية في الداخل. والهجوم الضارئ
على من يمارسون عملا في الخارج، من اجل انهاء الحرب.
المسألة الأخيرة ان قرار فرع عطبرة للذهاب وحده، هو قرار يتماشى مع خط الحزب الأخير، الذي
يتسم بالانعزالية ورفض التعاون مع القوى الأخرى. ويكفي ان أذكر انه سبقت هذه المبادرة مبادرة من
حزب الامة والانصار في العكد، وهي تتبع لعطبرة. وتم تحقيق نجاحات ملموسة. لكن الخط الانعزالي
اليساري، الذي يرفض كل دعوات الحوار من الآخرين، ولا يريد ان ينسق مع بقية القوي المدنية، هو
المنهج الذي أدي للخطوة الفردية. والإصرار ان بناء الجبهة الواسعة في الداخل، رغم كل الظروف
القاسية، سيؤدي لفناء الشعب السوداني جوعا وموتا وتشردا، في انتظار اكتمال تأسيس الجبهة الواسعة.

هذه ليست عدم ثقة في الجماهير، ولكنها قراءة موضوعية للواقع المحدد في الظرف المحدد.

‫2 تعليقات

  1. “أليس من الممكن أن نحظى بيسار عاقل على نهج الأستاذ الزيلعي، بدلاً من هذا اليسار المتشنج الإقصائي على شاكلة السر بابو وطه الخليفة وأحمد عثمان؟ يا أهل اليسار التائه، هل نستبدل ما هو خير بما هو أدنى؟ نحن بحاجة إلى قيادات يسارية من طراز الزيلعي، فوجود اليسار في الساحة السياسية ضروري، حتى ولو في شكل جماعات ضغط تتبنى شعارات العدالة الاجتماعية، لا يساراً لائحياً صاخباً مأسوراً بشعارات الستينات وأجواء الحرب الباردة، غارقاً في الجدل العقيم والاحتجاج والتخوين

  2. اعتقد ان مبادرة عطبرة اعتمدت على شخص وسمعة الدكتور الخطيب اكثر من اى شيئ اخر. مجتمع عطبرة يكن احتراما وتقديرا خاصا لدكتور الخطيب أيقونة العمل الإنساني في المجال الطبي للفقراء والمحتاجين وغيرهم وقد عرف عنه تجرده وبذله للوقت والمال من أجل مساعدة الآخرين. بدون وججود د الخطيب هذه المبادرة لا تساوي شيئا وربما لم يسمع بها احد اذا جاءت من الحزب الشيوعي او غيره. خطأ فرع الحزب في هذه الجزئية التي خلطت بين الشخصي الفردي والحربي التنظيمي.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..