مقالات وآراء

من وزير إلى وكيل وبالعكس!

 

مناظير
زهير السراج

في بلاد العجائب، لا تسأل كيف يصبح الجاهل خبيرًا، ولا الفاشل مديرًا… اسأل فقط عن حجم الواسطة وعدد المكالمات التي جرت في الليلة السابقة!
إذا أردت أن ترى القفز بالزانة في الحياة الوظيفية، فلا تبحث في ميادين الرياضة، بل افتح ملف السيد (محي الدين النعيم محمد سعد)، الرجل الذي أتقن لعبة الكراسي بين “وزير” و”وكيل” كما يتقن السمك العوم في الماء، بلا خجل، بلا كفاءة، ولكن بالواسطة!
منذ حل الحكومة السابقة، تحوّل الرجل من وزير إلى وكيل بقدرة قادر، ثم بدأ فورًا يمد خيوطه في كل اتجاه، يسوّق نفسه هنا، ويغازل النافذين هناك، علّه يعود إلى المنصب الوزاري. لكن المفاجأة أن الكرسي ذهب إلى المهندس المعتصم إبراهيم جادالله، رجل يعرف النفط حق المعرفة، وليس من هواة “ التصوير على خطوط الأنابيب” لملء ألبوم الذكريات.
لم يستسلم (النعيم)، فطموحه لا يعرف سقفًا، وها هو اليوم يطارد منصب وكيل الوزارة، وكأن الوزارة ورث عائلي. المصيبة أن هذا المنصب يحتاج إلى خبرة فنية، بينما خبرته في النفط تشبه خبرتي في اللغة الهيروغلوفية، فهو موظف اداري لا علاقة له بالنفط او الهندسة!
خبرته الحقيقية ظهرت عندما كان وزيرًا: حول الوزارة إلى عزبة خاصة، وزع المناصب على المحاسيب، وأدخل المقرّبين في مجالس الإدارات ليتقاضوا آلاف الدولارات شهريًا. عين (هشام تاج السر) – صاحب الباخرة الخردة التي ابتلعت 800 ألف دولار ولم تشحن برميلاً واحدًا – مديرًا لثلاث شركات دفعة واحدة، بمخصصات 15 ألف دولار شهريًا، وكأنها مزاد علني على أموال الدولة!
ثم جاء دور “المستنفرين” محمد عوض الخير ومحمد عثمان عبد السيد، اللذين فُصلا مرتين لعدم الكفاءة، فأعادهما إلى مواقع قيادية، ومنحهما مقاعد في مجالس الإدارة، وامتيازات شهرية ضخمة، وكانت النتيجة كارثة أبريل الماضي: انفجار خط أنابيب جنوب السودان، وتسرب مليوني برميل خام، خسارة 175 مليون دولار، وتلوث يهدد ولاية النيل الأبيض لعقود طويلة.
ولم ينسَ “إنجازه التاريخي” في إطاحة المهندسة منيرة محمود – مديرة مصفاة الجيلي – لأنها رفضت السماح بقصف المصفاة، وبمجرد أن جاء بديلها، تم القصف في يناير 2025، وتحولت منشأة قيمتها 6 مليارات دولار إلى ركام، في جريمة وكارثة اقتصادية ضخمة في بلد تمزقه الحرب والفقر .
ورغم هذه السيرة “العطرة”، لا يزال السيد (النعيم) يسعى للعودة إلى قلب الوزارة، وكأن الخراب الذي تركه لم يكن كافيًا.
السؤال الآن: هل نحن شعب يملك ذاكرة مثقوبة، نسمح لمن دمّر بالأمس أن يعبث اليوم؟ أم أننا سنكسر حلقة “الرجل غير المناسب في المكان غير المناسب” التي صارت دستورًا غير مكتوب في بلادنا منذ انقلاب الكيزان؟
إلى أن نعثر على الاجابة، سيظل (النعيم) نموذجًا حيًا للقدرة الفائقة على الهبوط والصعود بين المناصب… بينما يهبط الوطن كله إلى القاع!

تعليق واحد

  1. اننا حقا فى بلاد العجائب فقد نشر الصحفى اللبنانى سليمان الفرزلى فى مجلة الحوادث اوخر السبعينات تحقيقا عن الخرطوم بعنوان الخرطوم عاصمة تعيش خارج التاريخ ( لاحظ كان ذلك فى السبعينات ولازالت العلامات المضيئة لطيران بريتيش ايرويز وشل كيميكالز تعلو هامات المبانى فى شارع الجمهورية) قال انه كان على موعد لاجراء مقابلة مع الرئيس نميرى وقد هبطت الطائرة على التو وعند الاصطفاف لاجراءات الجوازات ذكر ان كل العاملين قد افترشوا الارض لتناول فطور رمضان على الجرائد المفروشة وكان على عجلة من أمره لانه كان فى طريقه بعد ذلك للمغادرة الى هرارى عاصمة زمبابوى… تاخر افطار الموظفين بل ان احدهم قد دعاه الى المائدة وهو فى ضيق من أمره واخيرا اكملت له اجراءاته ولكنه لم يتمكن من تبديل ملابسه بل قابل الرئبس بهيئته التى قدم بها.. ان ما نراه اليوم فى السودان هو تدمير ممنهج اسس على عدم الكفاءة وعدم المقدرة فما الذى يمكننا توقعه من تسنم غير المقتدرين لمؤسساتنا وماذا يمكن ان تكون محصلتها النهائية,,, لعلك تذكر اخى زهير ان اول قرار اتخذه احد محافظى مديرية الخرطوم النجباء فى السبعينيات كان ازالة الاشجار الظليلة على شارع النيل فى مدينة تتخطى درجة الحرارة فيها الخمسين فى نهاراتها القائظة…

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..