مقالات وآراء سياسية

اختطاف الأطفال والاتجار بالأعضاء.. الجريمة التي تقتل الضمير قبل الجسد

حسن عبد الرضي الشيخ

﴿وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ ٱللَّهُۖ وَٱللَّهُ خَيْرُ ٱلْمَاكِرِينَ﴾
صدق الله العظيم

في عالم يزعم التحضّر والتمدّن، تظل بعض الجرائم شاهداً على أن وحشية الإنسان قد تتجاوز أبشع ما عرفته الغابات من افتراس. وعلى رأس هذه الجرائم تأتي ظاهرة اختطاف الأطفال والاتجار بالأعضاء. إنها ليست مجرد خرق للقانون، بل قتل بطيء لقيم الإنسانية، وتحويل الجسد البشري إلى سلعة تُباع وتُشترى، وكأننا عدنا إلى أسواق العبيد، ولكن بثوب عصري ملوّث بدم الأبرياء.

لكن كيف يفكّر العقل المجرم؟
الصدمة الكبرى ليست فقط في أن هناك من يسرق الأطفال أو يستدرجهم، بل في أن هناك من يخطط، وينظّم شبكات، ويوفر المال والوسائل، ثم يجد من ينفّذ دون أن يرفّ له جفن. والأخطر أن هذه الشبكات لا تعمل بمعزل، بل تحتاج إلى غطاء طبي وتقني لتفكيك الجسد وبيع أعضائه. وهنا تتجلى الخيانة العظمى حين يتورط أطباء – يُفترض أنهم حُرّاس الحياة – في أعمال تمزّق الرابط بين الطب والرحمة، وتربطه بالجشع والمال الحرام.

ووالله، إن أكثر ما يقضّ مضجعي ليس فقط عذاب الضحايا وشعورهم باليأس وهم في فخاخ الحرمان من الأسرة وفرص النجاة، بل إن الضحايا الحقيقيين هم أولئك الجناة المغترفون لهذا الجرم الشنيع. والتساؤل المرعب: كيف يعيش هؤلاء المجرمون الذين يصطادون ويحرسون وينفذون هذه الأعمال القذرة؟ أين إنسانيتهم؟ أين إحساسهم بأبنائهم وأسرهم ومجتمعهم؟ أليس فيهم من يعي أن هناك آخرة وحساباً وعذاباً؟ فأين عذاب الضمير؟ أم أن ضمائرهم قد ماتت وشبعت موتاً؟ هل يطعمون أنفسهم وأبناءهم من هذا المال الملطّخ بأحشاء ودماء الضحايا؟ وهل يجدون في هذا المال متعة ورفاهية؟ وأي رفاهية هذه التي تُبنى على أنين الأطفال ودموع الأمهات؟

اللهم يا قوي يا متين، يا جبّار السماوات والأرض، نسألك بجاه نبيك محمد ﷺ، وبحق الصالحين من عبادك، أن تُبطل هذه الجريمة الشنعاء، وأن تقطع دابر كل من تورّط فيها، وأن تحفظ أطفالنا وأبناء الإنسانية جمعاء من كل سوء إلى يوم الدين.

لماذا تحدث هذه الجريمة؟

١. الجشع المالي: تجارة الأعضاء تدرّ أرباحاً بملايين الدولارات، مما يجعلها مغرية لعصابات الجريمة المنظمة.

٢. الفساد وضعف القانون: ضعف الرقابة على المستشفيات الخاصة والمراكز الطبية، وغياب التحقيق الجاد في حالات الاختفاء، يفتح الباب لهذه الجرائم.

٣. الطلب العالمي على الأعضاء: المرضى الأثرياء المستعدون لدفع مبالغ ضخمة يشعلون السوق السوداء (حالكة السواد).

٤. تواطؤ بعض المهنيين: مشاركة أطباء وممرضين وموظفي مختبرات، بل وحتى عناصر أمنية فاسدة، يجعل الجريمة ممنهجة.

تنبيه مهم: على الأمهات والآباء والأسر والمدارس، بل وعلى كل شخص يمكن أن يكون هدفاً، أن يكونوا في حالة يقظة دائمة، وألا يتركوا الأطفال دون مراقبة، وأن يعلّموهم الحذر من الغرباء وأي محاولات استدراج، فالحماية تبدأ بالوعي والانتباه قبل أن تقع الكارثة.

الأثر النفسي والاجتماعي
يا له من أثر مدمر!
هذه الجريمة لا تسرق حياة الضحايا فحسب، بل تمزّق النسيج الاجتماعي. الخوف يعشّش في قلوب الأمهات، الثقة تتآكل بين الناس، والمجتمع يعيش في حالة استنفار دائم. الأطفال يصبحون هدفاً للرعب، والآباء يعيشون قلقاً لا ينتهي.

كيف نواجه الظاهرة؟

١. تشديد العقوبات

اعتبار الاتجار بالأعضاء جريمة ضد الإنسانية.

تشديد العقوبات وتنفيذ أحكام “الإعدام” أو السجن المؤبّد بحق المتورطين.

معاقبة الأطباء المشاركين بسحب تراخيصهم ومنعهم نهائياً من ممارسة المهنة.

٢. رقابة طبية صارمة

إنشاء هيئات مستقلة لمراجعة كل عمليات نقل الأعضاء والتأكد من مصادرها.

منع أي عمليات زراعة خارج المستشفيات الحكومية أو المراكز المعتمدة.

٤. التكنولوجيا لمكافحة الجريمة

تركيب كاميرات مراقبة عالية الجودة في المناطق العامة والمدارس والمستشفيات.

إنشاء قاعدة بيانات وطنية للبصمة الوراثية (DNA) لجميع الأطفال لتسهيل تتبّع المفقودين.

٤. التوعية المجتمعية

إطلاق حملات إعلامية مستمرة لتحذير الأهالي وتثقيف الأطفال بأساليب الخطف الشائعة.

إدخال برامج تعليمية عن السلامة الشخصية في المناهج الدراسية.

٥. التعاون الدولي

تبادل المعلومات بين الدول لتفكيك الشبكات العابرة للحدود.

ملاحقة الوسطاء والمشترين أينما كانوا، باعتبارهم شركاء مباشرين في الجريمة.

خاتمة
إن الصمت على هذه الجريمة ليس حياداً، بل تواطؤ بالصمت. فكل جسد يُنهب عضو منه، يُقطع معه جزء من إنسانيتنا. مواجهة هذه الظاهرة مسؤولية جماعية تبدأ من وعي الفرد، ولا تنتهي إلا بسياسات دولية صارمة. وإذا فقدنا القدرة على حماية أطفالنا، فقدنا الحق في الادعاء أننا مجتمع إنساني.

تعليق واحد

  1. الأعدام يكون للأطباء بالذات دون غيرهم في جرائم سرقة وبيع الأعضاء..ما معنى عقوبتهم بحرمانهم من مزاولة المهنة؟!

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..