أماني الطويل: الصياغة التي تسمح للسودان بالاستقرار هي وجود توافق مدني

أجرت الحوار: ليليان نبيل
- الموقف معقد على أكثر من مستوى وسط عدم انتباه دولي مناسب للأزمة السودانية بوجود أزمات حاكمة في العالم منها الصراع الإسرائيلي الإيراني والوضع في غزة و الحرب الروسية الاوكرانية
- العودة الطوعية للاجئين السودانيين تمت بشكل متحضر .. وتعد تطورا مهما ينم على أن السودان بشكل أو بآخر يمكن أن يشهد استقرار ولو جزئيا في بعض المناطق
- “الخرطوم ” في وضع صعب .. و 70 % من العائدين للمناطق الأكثر أمنا أو الأقل تدميرا كشرق السودان ومناطق الجزيرة والمدن التي لم يتم تدمير كامل لبنيتها التحتية
- سلامة دولة السودان تتطلب إنتاج النموذج السوداني للعدالة الانتقالية بشكل يأخذ بعين الاعتبار التهديدات الأمنية والوجودية و الحالة التي وصلت لها الدولة
- إعلان حكومة موازية يعني دخولنا إجرائيا في عملية التقسيمم على النمط الجنوب السوداني
- “دارفور” لم تقبل بحكومة الدعم السريع نظرا للتنوع القبلي والعرقي مما يعيد إنتاج الأزمة كما في جنوب السودان
- الحركة الإسلامية تسببت بنسبة كبيرة في عملية تقسيم السودان في الجنوب .. و هناك عوامل أخرى مرتبطة بالانقسام العرقي و الاندماج الوطني
- إعلان حكومة موازية بمثابة ورقة ضغط و تم هندسة توقيتها بدقة لأن تكون قبل اجتماع الرباعية الملغي في واشنطن لكنها أيضا مؤشر لبداية التفاعلات المرتبطة بتقسيم السودان
- أكثر من 11 مليون شخص اضطروا للفرار من ديارهم منذ اندلاع الحرب منهم ما يقرب من 3 ملايين شخص عبروا الحدود إلى دول الجوار
- الدولة المصرية تعرضت لتدفق مفاجىء و ارتباك في القدرات البشرية بوصول 3 طائرات يوميا تحمل على متنها لاجئين سودانيين .. و من حقها تنظيم قواعد الإقامة
- حرب السودان تعد الأولوية الثالثة بعد الصراع في أوكرانيا و غزة وما ترتب عليه من تفاعلات إقليمية خاصة الحرب الإسرائيلية الإيرانية .. و لا ننكر المجهودات المصرية والسعودية
- ثلاث أطراف مستفيدة من استمرار الحرب في السودان: مهربو الموارد .. قوى تقسيم السودان.. والقوات الطامحة في السلطة
لايزال السودان في مفترق طرق بعدما كان يفترض من المرحلة الانتقالية أن تكون بوابة بناء دولة مدنية ديمقراطية لكنها تحولت بفعل التداخلات السياسية والعسكرية إلى مشهد مضطرب تتخلله الفوضى الأمنية والنزاعات المسلحة والكوارث الإنسانية مما يهدد بانهيار الدولة وتفككها و يدفعها نحو مستقبل غامض، قد تفرض فيه تدخلات وضغوط خارجية لا تعبر عن الإرادة الوطنية وتفتقر إلى الشرعية الشعبية .
و كم حمل السودانيون آمالا كبيرة عقب الإطاحة بنظام عمر البشير في ديسمبر عام 2019، ودخول البلاد في مرحلة انتقالية بعد توقيع الوثيقة الدستورية في العام ذاته، غير أن تعثر هذا المسار السياسي وتآكل ملامحه دفع السودان إلى واحدة من أكثر المراحل تعقيدا فى تاريخه الحديث حيث انتهت الأزمات المتلاحقة إلى اندلاع حرب دامية بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع في أبريل 2023 مما وضع حلم التحول الديمقراطي في مهب عواصف الحرب والسياسة .
يرى البعض أن تاريخ السودان السياسي لم يشهد في مراحله الانتقالية السابقة مثل هذا النوع من التداخل المعقد بين المدني والعسكري، والتصدعات السياسية العميقة كما أن إنعدام الثقة بين الطرفين شكل أول المهددات التي أطاحت بالفترة الانتقالية، و أسهمت في انهيار نظام الشراكة الهش خاصة أن الأحزاب السياسية لم تكن مهيأة لتحمل مسؤولية الانتقال بعد سقوط نظام البشير الذى عمد على مدى ثلاثة عقود إلى تفتيت الأحزاب وأضاف دورها في الحياة السياسية .
تأتي هذه التطورات في ظل تقاسم السيطرة على الأرض بين الجيش والدعم السريع، ففى حين يسيطر الجيش على العاصمة الخرطوم ومناطق شرق وشمال ووسط البلاد ، تسيطر قوات الدعم السريع على كامل إقليم دارفور عدا مدينة الفاشر و أجزاء كبيرة من إقليم كردفان، و هما يشكلان أكثر من 45 % من مساحة السودان الحالية البالغة نحو 1.8 مليون كيلومتر مربع حيث تبلغ مساحتهما مجتمعة نحو 870 ألف كيلومتر مربع .
و تتزايد المخاوف من أن تؤدي الأوضاع الحالية إلى انقسام جديد يعيد إلى الاذهان عملية انفصال الجنوب في العام 2011، و التي جاءت بعد حرب أهلية اعتبرت الأطول في أفريقيا حيث استمرت لأكثر من نصف قرن من الزمان، و فقد السودان بسبب انفصال الجنوب نحو ثلث مساحته .. لذا تظل الوحدة بمثابة قيمة رمزية كبرى في الوعى الجمعي السوداني مما يجعل أي خطوة نحو حكم مواز مثار رفض شعبى لكن مع ذلك فإن استمرار الحرب و انهيار الخدمات وفقدان الأمل في حكومة بورتسودان قد يدفع بعض القوى المحلية لدعم حكومة تأسيس كخيار واقعي .
تتلاحق التطورات المتعلقة بالشأن السوداني و التي نسلط الضوء فيها على الأوضاع الإنسانية التي خلفتها الحرب الدائرة فى البلاد، بالإضافة إلى تصريحات حاكم إقليم دارفور “منى أركو مناوي” التي ذكر فيها أن دارفور ستصبح دولة من الدول كأمر واقع إذا استمرت حكومة تأسيس بقيادة الدعم السريع لمدة عام أو عامين .
للوقوف حول طبيعة إعلان الدعم السريع عن تشكيل حكومة موازية رغم رفض الأطراف الدولية، و ما اذا كانت خطوة نحو تقسيم السودان أم مجرد ورقة ضغط على طاولة التفاوض؟ فضلا عن اجتماع الرباعية الدولية الذي كان مقررا في واشنطن قبل أن يسبب خلاف بين القاهرة وأبو ظبى حول البيان الختامي و الحديث عن مساواة الجيش بالدعم السريع، و هل يؤجج الحرب في السودان ؟ و ما الذي تخشاه مصر من إعطاء “الدعم السريع” ما تطالب به الامارات، و ما مصلحة الامارات في صياغة مرنة تجاه الدعم السريع ؟ .. حول كل هذه الاطروحات كان لنا لقاء مع الدكتورة أماني الطويل مديرة البرنامج الإفريقي بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، فإلى الحوار …
+ كيف تقرأين المشهد السوداني الحالي و استمرار النزاع بين القوات المسلحة السودانية و قوات الدعم السريع ؟
++ حقيقة المشهد يزداد تعقيد بغياب وجود أفق للحل فى ضوء عدم وجود قوى لديها تصور واحد للحل أو ارادة سياسية داخلية لوقف اطلاق النار و من ثم الموقف معقد على أكثر من مستوى منها المحلي والإقليمي وسط عدم انتباه دولي مناسب للأزمة السودانية نظرا لوجود ازمات حاكمة في العالم منها الصراع الاسرائيلي الإيراني والوضع في غزة والحرب الروسية الأوكرانية, وعليه نشهد حالة من تراجع الاهتمام الدولي بالأزمة السودانية طبقا لهذه الأزمات بشكل عام وبالتالي عدم الانتباه الدولي وعدم وجود تصور واضح لفكرة الحل في السودان أو هندسة حل في السودان أعطى مساحة لتفاعلات إقليمية وتوجهات من بعض الدول ربما تكون ضارة بما يعني أن فكرة عدم وجود تصور لدى بعض الأطراف الإقليمية عن مستقبل دولة السودان أو ما تطرحه من تصورات عبر وكلائها ,هي تصورات لا تملك مصداقية في ضوء تاريخ هذه القوى المحلية من ناحية وفي ضوء تعقيد الحالة السودانية القائمة على حال دولة هشة تصنف في الأدبيات السياسية والعلوم السياسية أنها “ما قبل الدولة ” .. انتماءات أولية الأطراف سواء قبلية أو جهوية أو عرقية أو كذا , فهذه الانقسامات تؤكد عدم الاندماج الوطني وتلقي بظلالها على التفاعلات السياسية مما يعطلها في أن تكون في إطار تطور إيجابي,و ربما أكثر محطة من المحطات التي برز فيها البعد العرقي مثلا في الأزمة السودانية على حساب البعد القومي هو اتفاق جوبا للسلام لكونه بعد الثورة كان هناك توافق على وثيقة دستورية تم انجازها فى أغسطس 2019 ثم جاءت قوى الهامش ( القوى الدارفورية ) لتطالب بأن يكون لها اتفاق سياسي منفصل عن الوثيقة الدستورية أو يعلو الوثيقة الدستورية أو يضمن الوثيقة الدستورية وحل اتفاق جوبا للسلام , و كان أهم خرق للهياكل الانتقالية ممثلا في الوثيقة الدستورية, و حقيقة هذا البعد الجهوي و العرقي عقد المشهد السياسي و أسفر عنه حدوث جدل بشأن موعد تسلم المدنيين السلطة مما انقسم على أثره المدنيين , أيضآ توزانات القوى اختلت بين المكون المدني و المكون العسكري, فالحقيقة التطورات من هذا النوع أو حالة عدم الاندماج الوطني أضفت على المشهد السياسي الكثير من التعقيد .
+ أخبار تداولت خلال الأيام الماضية عن تشغيل القطار الثاني لعودة السودانيين من القاهرة إلى أسوان تمهيدا لعودتهم إلى بلادهم ؟
++ وجدته أمر إيجابي برعاية جهات سودانية ممثلة في المجتمع المدني السوداني ورجال أعمال لمثل هذه المبادرة في ضوء تقديم مصر تسهيلات لوجيستية بجانب تبرعات سخية من قبل مجتمع رجال الأعمال لتحقيق حلم العودة الطوعية لكثيرين من أبناء السودان ,ومن ثم فهو وضع إيجابي من الطرفين .. أجد شكل العودة الطوعية متحضر وتطور مهم يلقي الضوء على أن السودان بشكل أو بآخر يمكن أن يشهد استقرار و لو استقرار جزئي في بعض المناطق لاسيما و ان 70 % من العائدين لم يعودا للخرطوم وانما عائدون للمناطق الأكثر أمنا من الخرطوم أو الأقل تدميرا منها والتي تسمح بالعيش داخلها بتوافر المرافق و منها مناطق شرق السودان و مناطق الجزيرة و المدن التي لم يتم تدمير كامل لبنيتها التحتية , فإلى الآن “الخرطوم” في وضع صعب و ربما هناك ومضة أمل بأن الخرطوم عاد لها الكهرباء بعد 9 أشهر وخطوة بخطوة نأمل أن تسير الأمور كما نتمناه .
+ كيف ترين الانتقال السياسي في السودان ، و هل من سيناريوهات مقلقة ؟
++ لم يكن لدينا حالة انتقال سياسي بوجود سلطة عسكرية تسيطر على المعادلة و هذه السلطة جلبت حكومة “تكنوقراط” بما يعني عدم وجود قوى سياسية محددة لها وجود في هذه المعادلة لكن هناك قوى سياسية متحالفة مع الجيش لاغراض خاصة بها , هذا التحالف في تقديري هو تحالف قلق وخطر لكون الطرفين لا يثقوا في بعض, و أقصد هنا أقطاب النظام القديم وحزب المؤتمر الوطني السوداني الذي كان يرأسه البشير وقيادة الجيش أو المجلس السيادي بما يتطلب هندسة معادلة سياسية يكون هؤلاء موجودين دون تصدرهم المشهد , إيمانا منى بأن الصياغة التي تسمح للسودان بالاستقرار هو وجود قوى سياسية مدنية متوافقة , و هو شرط صعب لكون عدم توافق القوى المدنية أو انقسامها بين الأطراف على أساس انتماءات للقوات المسلحة السودانية أو للمجلس السيادي, ساهم في الكثير من تعقد المشهد و دفعه إلى مستويات أكثر تعقيدا .. و لدينا حلم و أمل في أن تتوافق تلك القوى المدنية و الجيش على هندسة معادلة سياسية شاملة جميع الأطراف دون إقصاء مهما كان حجم الجرائم التي تم ارتكابها على عهد “البشير” .
و في اعتقادي أن سلامة دولة السودان تتطلب إنتاج النموذج السوداني للعدالة الانتقالية , نموذج يأخذ بعين الاعتبار التهديدات الأمنية و الحالة التي وصلت لها الدولة , أيضا التهديدات الوجودية التي تواجهها السودان اليوم .
+ ” الدعم السريع ” أعلن عن تشكيل حكومة موازية, لأي مدي تشكل خطرا على وحدة السودان ؟
++ بالتأكيد تشكل خطرا لكون إعلان حكومة موازية يعني إننا دخلنا إجرائيا في عملية التقسيمم على النمط الجنوب السوداني, و كنت أتمنى أن يحمل التقسيم خير للأطراف المنقسمة لكنه لا يحمل خيرا على الإطلاق بل سيؤثر إقليميا على تشاد وليبيا وإفريقيا الوسطى و ستتحول إلى مناطق نزاعات , و لعل “دارفور” ذاتها لم تقبل بحكومة الدعم السريع بهذا الشكل نظرا للتنوع القبلي و العرقي داخلها وبالتالي نحن نعيد إنتاج الأزمة كما أعيدت في جنوب السودان حينما استقلت عن السودان الكبير .
و يعرف أن تقسيم السودان مرتبط بتركيبة دولة 1956 , و هناك عوامل كثيرة ساهمت في إقرار تقسيم السودان في الجنوب على الأقل و منها الحركة الإسلامية حيث ساهمت بنسبة كبيرة لكن هناك عوامل أخرى مرتبطة بالانقسام العرقى والاندماج الوطني .. و هذا لا يعني تبرئة الحركة الإسلامية بكونها مسئولة جزئيا حتى نكون منصفين بوجود عوامل أخرى ساهمت في ذلك .
+ هل هذا الإعلان خطوة نحو تقسيم السودان أم مجرد ورقة ضغط على طاولة التفاوض ؟
++ بغض النظر عن فكرة كونها ورقة ضغط و أنا اتفق على أن هذه الخطوة هي بالفعل هكذا , و قد تم هندسة توقيتها بدقة لأن تكون قبل اجتماع الرباعية الملغى في واشنطن لكن أيضا هي مؤشر لبداية التفاعلات المرتبطة بتقسيم السودان لكون إعلان الحكومة الحقيقة مسألة يعني مفارقة لفكرة أن هناك صراع عسكري بين أطراف .. إعلان الحكومة يعني أن هناك صراع على الشرعية, و هذه هي الفكرة الرئيسية التي تبلورها فكرة إعلان حكومة موازية, و بالتالي ستتحالف هذه الحكومة مع القوى غير الداعمة للجيش السوداني للقوات المساحة السودانية و ستتفاعل مع الشركات متعددة الجنسيات فيما يتعلق بمسح الموارد السودانية , ايضا سيكون نتيجة هذا التمويل أو القدرات التمويلية الانعكاس إداريا على المناطق التي تحت سيطرتها، إلى جانب تقديم خدمات الساكنة في هذه الأراضي .. والحقيقة كل هذه الأمور سوف تعطى ل ” الدعم السريع ” زخم بشكل أو بآخر مساوى لهذا الزخم الذي حصده ” جون قرنق ” في لحظة ما تاريخية ما بعد أن تمرد على حكومة المركز عام 1983 .
+ هل يمكن أن تكتسب الحكومة الموازبة اعترافا , و ما موقفنا من الدول التي ستتعاون مع “الدعم السريع” و موقف المجتمع الدولي من تلك الدول ؟
++ المجتمع الدولي أقل حماسا الآن بفكرة الإعتراف بدولة في “دارفور” لاسيما وأن تجربة جنوب السودان علمت فى الأمريكان قبل غيرهم بكونه إنتاج دول فاشلة جديدة ليس في صالح أحد بعدما كان التصور في البداية أنه تم هندسة حل لدولة واحدة بنظامين, اعدوا معهد واشنطن للدراسات الإستراتيجية ثم عمل اتفاق نفاشا ثم اتفاق تقرير المصير و قالوا أن دولة جنوب السودان سوف تحظى باستقرار عطفا على إنها كانت مضطهدة من شمال السودان, و حينما فك هذا الاضطهاد أو الأسر أو ما إلى ذلك أو لارتباط طبقا للادبيات التي كانت سائدة في هذا التوقيت، الحقيقة أن جنوب السودان انتجت فشل جديد و على أسس قبلية و على أسس صراع فى الموارد اذا الحل ليس الفصل .. الحل ليس التقسيم و لكن هناك حلول أخرى نستطيع الوصول إليها لأنماط حكم ولطبيعة سلطة و لادارة مجتمع يمكن أن تحافظ على وحدته الجغرافية و بشرط أن عدالة التمثيل السياسي يعني عدالة التنمية المستدامة بين المركز والأطراف .
أعتقد أن المجتمع الدولي لن يكون متحمسا للترحيب بالحكومة الموازية , وأن موقف جنوب السودان هو موقف قد دفعت إليه دفعا لاعتبارات متعددة و لاعتبارات الصراع الإقليمي حول السودان أو بين الأطراف العربية .
+ رغم رفض الأطراف الدولية تشكيل هذه الحكومة , ” الدعم السريع ” يسيطر على مناطق بعينها و حتى المثلث الحدودي بين السودان و مصر و ليبيا، لأي مدى يعد تطورا خطيرا على حدودنا الجنوبية ؟
++ بالطبع هذا الوضع يعد خطرا ليس من ناحية وجود “الدعم السريع” وإنما من ناحية انتهاك الحدود , و اعتقد أن التعامل المصري معه تعامل محسوب ودقيق على المستوى العسكري و فى بعض الأداءات يعني هى غير مرئية بالنسبة للمدنيين ولا يعلن عنها لكن لدى قناعة وثقة تامة أن مصر وجيشها قادرين على حماية كامل التراب الوطني المصري .
+ خلاف مصري إماراتي حول صيغة البيان الختافب والحديث عن مساواة الجيش بالدعم السريع .. ما الذي تخشاه مصر من إعطاء الدعم السريع ما تطالب به الإمارات، و ما مصلحة الإمارات في صياغة مرنة تجاه الدعم السريع ؟
++ ما تخشاه مصر أننا أمام أكثر من فصيل مسلح داخل السودان، فلم يعد لدينا “الدعم السريع” فقط بوجود 9 فصائل مسلحة متنوعة الاتجاهات، متفاوتة القدرات العسكرية , متصارعة إلى حد ما وفى مستويات معينة، لديها مصالح متضاربة .. فكل هذه الأمور تجعل المسألة في غاية التعقيد باعتبارنا لا نتحدث عن الدعم السريع بقدر ما نتحدث عن التركيبة العسكرية في السودان حينما أعطى وزن أعلى لمسلحين خارج نطاق الدولة مثل “الدعم السريع ” على حساب أوزان أخرى، وعليه نجد حسابات معقدة في هذه المسألة لكونها تعمل فعليا على تحويل السودان لحرب “كانتونات ” و هو أمر لم يكن في صالح أحد، و ليكن على مستوى الجانب الإماراتي لا أدري مدى تقديره لهذه المسألة , هل تقديرهم أن هناك فرص سانحة لدولة الإمارات على الصعيد الاقتصادي و أن هذه الفرص ربما تستدعي التضحية بوحدة التراب الوطني السوداني مثلا، هل تستدعي هذه الحرب مثلا .
على الجانب الآخر مصر لديها عقيدة مرتبطة بأنها دولة قديمة، دولة مركزية، دولة تستطيع أن تستلهم خبرات الإقليم، وحينما تخلينا عن الجيش العراقي حدث إننا واجهنا “داعش” و واجهنا تنامي الظاهرة الإرهابي، أيضا حينما نصنف الجيش السوداني على أنه جيش متحالف مع الإخوان المسلمين وبالتالي يجب تفكيكه وعدم الإعتراف به, هذه مسألة خطر في مسألة توافر شروط الاستمرار للدولة السودانية لكونها ستبقى أمام تحدي وجودي ..فمن هذا المنظور أعتقد أن مصر استقرت على ضرورة الإعتراف بالجيش السوداني مهما كانت تحالفاته لأن هذه التحالفات يمكن فكها و هندسة فكها ويمكن التوافق بخلق صيغ سياسية معينة بما يعني هندسة توافق داخلي, لكن لا يمكن تجريم جيش لكونه تحالف مع قوى سياسية أو أنه ينتمي إلى نظام أو سلطة تم الثورة عليها باعتبارها مسائل في منتهى الخطورة خاصة في مناطق العالم الثالث وفي مناطق أفريقيا التي تعاني من عدم الاندماج الوطني وبها تقسيم وانقسامات على أسس عرقية وقبلية وجهوية وثقافية واحيانا دينية, فالحقيقة هنا بنعرض الأمن الإقليمي والدولي و أمن البحر الأحمر للخطر, و هذه مشكلة أيضًا لم نناقشها لكنها أصبحت مرئية بكونك تخلق نقطة ارتكاز دولة فاشلة ونقطة ارتكازو جديدة لتصاعد التهديدات الأمنية على شاطىء البحر الأحمر .
+ أربع دول تسعى لوقف الحرب في السودان ، هل تنجح في إنهاء الأزمة فى الوقت الذي يرى فيه البعض تواصل المعارك دون أى بوادر لاتفاق ينهى الصراع ؟
++ من المبكر القول أن هناك بوادر لإنهاء الصراع خاصة و أن المسألة معقدة و بحاجة لشغل كثير على أكثر من مستوى منها دبلوماسي وقبل المستوى الدبلوماسي أيضا ما يسمى بالدبلوماسية غير الرسمية بحيث يتم هندسة اتفاقية من نوع ما تلبي مصالح الأطراف و تهندس لليوم التالي للحرب حتى يمكننا القول أن هناك موافقات مبدئبة قبل الجهود الدبلوماسية الممثلة في لقاءات مباشرة أو حتى غير مباشرة عبر الوسطاء أو المؤتمرات أو غيرها .
+ تدخل حرب السودان عامها الثالث مخلفة وراءها عشرات الآلاف من القتلى وملايين النازحين مما تشكل أزمة انسانية وسط تجاهل دولي . ما تعليقك ؟
++ كثير من الآسى والألم لكونها تتسبب في ضغوط كبيرة على دول الجوار خاصة مصر , أيضًا تسبب أعباء كبيرة لكل الأطراف و هنا لم أتحدث عن أعباء الطرف المصري فقط وإنما أيضًا أعباء على الأطراف السودانية و خطر على استمرار الدولة بما يعني احتمالية أن نواجه نموذج الحرب الأهلية الصومالية و نموذج حرب “الكانتونات” لتبقى كل منطقة محلية تحارب من أجل أسبابها الخاصة دون علاقة لها بالصراع الأساسي, و من ثم فالمسألة في منتهى الخطورة ومنتهى التأثير على الأمن القومي المصري .. لها تداعيات كبيرة وفي اعتقادي أن لها تأثير أيضًا على الأمن الاقليمي بشكل عام و على تنامي ظاهرة الإرهاب و على تصاعد التهديدات الأمنية في البحر الأحمر .
+ السودان يعيش أكبر أزمة في العالم باضطرار ملايين الأشخاص للفرار من ديارهم منذ اندلاع الحرب منهم ما يقرب من 3 ملايين شخص عبروا الحدود إلى دول الجوار . ما تعليقك ؟
++ بالفعل أكثر من 11 مليون شخص اضطروا للفرار من ديارهم منذ اندلاع الحرب منهم ما يقرب من 3 ملايين شخص عبروا الحدود إلى دول الجوار وفقا لما أصدرته مفوضية اللاجئين و التقارير الدولية, و بالتاكيد وضع صعب لكوننا نتحدث عن ربع سكان دولة بوجود 11 مليون نازح , فحقيقة أزمة ضخمة و للأسف ربما يكون السودان والسودانيين و نحن سيىء الحظ ان تحدث الأزمة فى هذا التوقيت تحت مظلة الأزمات العالمية و تحت مظلة طبيعة النظام الدولى التنافسى مما يجعله يساهم فى حدوث نوع من انواع العرقلة و وجود تحديات كبيرة لحل الأزمة .
+ أصبحت مصر واجهة هجرة للسودانيين .. من بلد عبور إلى بلد إقامة . كيف ترين الوضع ؟
++ أهلا بالسودانيين و مرحبا بهم، فدائما نقول “مصر أم الدنيا” باستيعابها كل إنسان يلوذ بها بشكل أو بآخر لكننا حقيقة لدينا تحدي كبير بوجود مليونى مما يتطلب إنفاق عالي من الدولة , و نحن على يقين أن هؤلاء يعملون و ربما لديهم موارد مالية وينفقون لكنه لم يكن في إطار الاقتصاد الرسمي ومن ثم توفير الاحتياجات الأساسية لكافة الساكنة على أرض مصر لاشك انه أمر مرهق و يحمل الدولة ممثلة في وزارة المالية حساب كل شىء مما يحمل الدولة أعباء اقتصادية مزرية لم تعد تحملها إن لم يكن هناك مجتمع دولي في ظهره .
+ كيف ترين أوضاع اللاجئين السودانيين في مصر في ظل تعديل إجراءات الإقامة ؟
++ مسألة تنظيم الإقامة هو حق للدولة و مطلوب في ضوء وجود مخاطر ومخاوف أمنية مرتبطة بالوضع السوداني، و اعى تماما من الجالية السودانية أن الموضوع أصبح منظم فى العباسية و غيرها وبات أكثر إنسانية , أيضًا الدولة المصرية وأجهزتها تعلمت بعدما تعرضت لتدفق مفاجىء وحدوث ارتباك في القدرات البشرية ربما كان الوضع في البداية صعب وغير مناسب لاستيعاب ذلك الكم من الوافدين بعكس الوضع حاليا مع تأقلم السودانيين لاسيما وأن طبيعة المجتمع السوداني بسيط وينخرط تحت مظلة الدولة و القانون , و حقيقة ما نحتاجه هو العمل على تكثيف لفكرة بناء القدرات الموجودة على الأراضي المصرية في كافة المجالات منها التكيف مع الدولة التي يعيشون على أرضها في المقابل تهيئة الدولة المستقبلة إنها تتفاعل ايجابيا مع اللاجئين و بناء قدراتهم لاكتساب لقمة عيش , وحقيقة هناك أكثر من بعد للتعامل مع موضوع اللاجئين أهمها يجب الانخراط فيه بسرعة باعتباره كثافة سكانية عالية يمكن أن تنتج أزمات كبيرة , فأتصور إننا في حاجة لدراسة الموضوع بشكل متعمق ومن ثم استخلاص مخرجات مناسبة , و بالفعل توجد مخرجات تعرفها الأدبيات الأكاديمية لكنها تحتاج أن تترجم على الأرض .
+ هل أصبحت “السودان” الحرب المنسية وسط صراعات مشتعلة بمناطق أخرى ؟
++ لم استطع القول أن حرب السودان منسية , صحيح إنها الأولوية الثالثة بعد الصراع في أوكرانيا و الصراع في غزة وما ترتب عليه من تفاعلات إقليمية خاصة الحرب الإسرائيلية الإيرانية لكن لا ننكر أن هناك مجهودات يشار لها في مسألة وقف الحرب السودانية وخاصة المجهودات المصرية و السعودية لكون استمرار الحرب يضر بمصلحة البلدين , و بالطبع هناك اهتمام أمريكي باعتبار أن الرئيس ” ترامب ” يصنف نفسه كرجل سلام و يطمح في أن يصنف هكذا بجائزة نوبل أو بغيرها وبالتالي نقول إنها تحوذ على اهتمام .
+ متى ينتهى كابوس حرب السودان . و هل من عودة للاجئين السودانيين لوطنهم الأصلي ؟
++ بطبيعة الحال لم يعد كافة اللاجئين و يتوقف ذلك طبقا لفئاتهم الاجتماعية وموقفهم الاقتصادي , فكلما ارتفع مستواهم المالي و قدراتهم المالية كلما ارتفعت قدراتهم على العيش داخل مصر بمعنى إذا كانوا متعلمين و حصلوا على وظائف أو لديهم عمل و موارد مالية أو مدخرات أو ” بيزنس ” ما يساعدهم على المعيشة و توفير حياة كريمة لهم من عدمه .. كل هذا محددات لمسألة العودة من عدمه ليفرض الواقع على أن من يعود هم الفئات الأكثر فقرا والأكثر تهميشا الذين لم تكن لديهم المقدرة على العيش داخل مصر نظرا للظروف الاقتصادية .
+ لأى مدى السودان يواجه خطر فقدان ” جيل كامل ” بسبب التداعيات الكارثية للحرب المستمرة منذ منتصف أبريل 2023 ؟
++ بالطبع منذ عام 2020 و حتى يومنا هذا حدث تعطل فى العملية التعليمية داخل السودان , و ربما تنبهت بعض الأسر السودانية لهذا الخطر و جاءت للقاهرة مبكرا فى ظروف ما قبل الحرب من عام 2020 إلى 2023 وقتها كنا نشهد 3 طائرات يوميا بالمطارات المصرية و هى محملة بالسودانيين طالبين توفيق أوضاعهم فى مصر لضمان مستقبل تعليم لأبنائهم لكن الحقيقة الجالية السودانية النى نزحت جازعة و هارعة و هاربة من الحرب هم القادرين ماليا على توفيق اوضاعهم بينما الضعفاء و المهمشين و الفقراء فهؤلاء لديهم مشاكل , و لعلى اعرف عن قرب أسر سودانية لم تستطع استكمال دراسة ابنائها بالمدارس لقلة الإمكانيات المادية ليكون مصيرهم الحرمان من التعليم وربما تكون أحد دوافع فئة منهم اختاروا العودة الطوعية للسودان املا في استكمال أبنائهم تعليمهم .
وربما الأقسى من ذلك والأعمق أثرا هو فعل الحرب وما تم ممارسته من اداءات يتخللها انتهاكات ضد الإنسانية بما فيها أداء وحشى و اغتصاب ليسبب حالة من “التروما” النفسية ربما تدفع قطاع من الشباب للمخدرات و غيرها من الأمراض نتيجة لما واجههوه من صدمات بفعل الحرب مما تخلف مشكلات كبيرة تحتاج لتدخلات عاجلة من منظمات المجتمع المدنى في إسناد اللاجئين السودانيين عبر الآليات المحلية في مصر .
+ السودان فى مجاعة .. حقيقة أم تهويل ؟
++ بالطبع هناك مجاعة و خاصة في مناطق معينة منها “دارفور” و مناطق “الفاشر” و غيرها و لا نغفل حدوث صراع داخل مناطق بين أطراف متحالفة سياسيا على “الذرة” لكن هناك جهد أهلي كبير لمواجهة هذه المجاعة بنظام ” التكاية ” حيث تبرع اشخاص لإطعام الأسر السودانية .
+ ماذا عن استخدام الجوع ” كسلاح حرب ” في النزاعات؟
++ لم تكن لدى وقائع أطمئن إليها حتى أجزم القول إنه يتم استخدام “الجوع” كسلاح حرب في ضوء طبيعة المجتمع السوداني المتكافل بقدر ما أجزم انه تم استخدام العنف الجنسي كسلاح بحدوث حالات انتهاكات واغتصاب .
+ من المستفيد من استمرار حرب السودان في رأيك؟
++ كل صراع يترتب عليه ولادة مصالح خاصة المصالح الأقتصادية , واليوم يهرب من السودان سلع وموارد وبترول وهو أمر بعيد عن رقابة الدولة وبالتأكيد هذا ما يعد العماد الرئيسي في اقتصاد الحرب وبالتالي المستفيدين منه هم المستفيدون الأوائل من الحرب, أيضًا هناك مستفيد آخر ممثلا في القوى الراغبة للعودة للحكم و تبذل النفيس و الغالى في سبيل تحقيق ذلك إلى جانب قوى تقسيم السودان باعتبارها مستفيدة من الحرب , و من ثم لدينا 3 أطراف مستفيدة من استمرار الحرب في السودان ( مهربي الموارد , قوى تقسيم السودان , و القوات الطامحة في السلطة ) .
