جمعيات ثقافية واجتماعية وعلمية تكرم د. حامد فضل الله في برلين

أقامت في برلين يوم السبت 9 أغسطس 2025 ، مجموعة من الجمعيات والمؤسسات الثقافية والاجتماعية والعلمية، حفل تكريم للدكتور حامد فضل الله وذلك عرفاناً وتقديراً منها لجهوده الكبيرة لما قدمّه من دراسات وأبحاث وكتب في خدمة الثقافة العربية والألمانية وفي خدمة الجالية العربية في ألمانيا عبر عقود من الزمن.
قُدمت 4 أوراق بحثية، ونقدم هنا الورقة الأولى:
الدكتور حامد فضل الله
بين العلم والادب والسياسة
1 ــ د. نزار محمود* ــ العراق \ برلين
مثل الدكتور حامد فضل الله حالة صراع ونضال دائميين في البحث عن الذات والحقيقة إلى جانب دراسته وممارسته لمهنته الطبية. فهو ذلك الشاب يافع الطول القادم من بلاد السودان بكل ما تمثله من دين وثقافة، الدارس والمغترب والمهاجر في المانيا في لونيها الاشتراكي والرأسمالي الاجتماعي، وفي ثقافتها وعمقها الحضاري المختلف في قيمه ومسارات وعوامل تشكله.
لقد وجد الدكتور فضل الله نفسه أمام تحديات حياتية متعددة الوجوه والميادين سواء الدراسية أو المهنية أو الشخصية والوجدانية.
جاء طالباً لكي يدرس وينجح، فكانت له دراسة الطب وتخصص في احدى جوانبه، لكنه لم يكتف بذلك فراح يبحث عن “الأنا” والدور في خضم الخصوصيات وواقع البيئة الجديدة. ففضل الله لم يهبط كائناً هلامياً من أرض لا لون لها ولا طعم ولا رائحة، وانما جاء يحمل في عقله ثقافة وفي قلبه وجداناً وفي نفسه هوى. بيد ان تلك العباءة ما كان لها الا ان تجد نفسها في تحد مع ظروف طقس المجتمع الذي تعيش فيه، الميال الى البرد والصقيع خلافاً لحر وشمس السودان.
وكانت حقوق الإنسان قد شكلت محوراً في انشغالات فضل الله، ووفق رؤية ونهج وقيم لسنا اليوم في معرض نقاشها والحكم عليها، لكنها، دون شك متنوعة وبحاجة الى ذكرها باحترام وتقدير.
هذا الإنسان المدافع عن حقوقه اتخذ في نشاط فضل الله اشكال انسان بلد الوطن الأم الذي يعيش عوز العدالة والمساواة والحرية، وانسان العربي والاجنبي في ظروف غربته وحقوقه الانسانية من ثقافية وسياسية واجتماعية واقتصادية وقانونية متميزة. غير انه في عمله هذا لم يكن مقتصراً على حقوق ذلك المغترب وانما ذهب يحثه على دوره وواجباته واستعداداته للعيش في المجتمع الجديد من تعلم واستعداد للعمل واندماج ايجابي.
هذا العمل متعدد الوجوه كان بحاجة الى خلفية واستعداد فكري وثقافي ونفسي، والى جهود مضنية وصبر ومجاهدة نفس ووقت طويل. انه نضال على جبهات مختلفة في الغالب، لا بل ومتخالفة ومتقاطعة أحياناً أخرى. بين استعدادات ورغبات المهاجرين، وبين متطلبات العيش والعمل والتعايش في المجتمع الجديد مع اختلاف شدة الوان سياسات اطرافه الفاعلة. هذه الارهاصات وجدت نفسها في قضايا تأكيد هوية الذات من ناحية، ودعوات الاندماج، المختلف في فهمه وحدوده، من ناحية أخرى. تلك الهوية التي تتطلب وعياً وواقعية في تحديد ملامحها وعوامل تطورها، واندماجاً ايجابياً فاعلاً في ميادين الحياة المختلفة من سياسية وقانونية واقتصادية واجتماعية وثقافية ومتطلبات ذلك واشتراطاته. وكل ذلك يعيش حال صراع بين اطرافه فهماً وموقفاً وتعاملاً، ناهيك عن خصوصيات المغتربين والمهاجرين في ارتباطاتهم السياسية والقانونية والوجدانية والثقافية والاجتماعية مع اوطان انحداراتهم.
الحضور الكريم،
لقد أدرك فضل الله ان نضاله على درب البحث عن الذات والدور، سيكون متعدد الجبهات من سياسية وقانونية وثقافية.
– فعلى الجبهة السياسية خاض فضل الله، ووفق رؤية وقناعات معينة، نضالاً مزدوجاً وعلى جبهتين: النضال السياسي في قضايا المهاجرين العرب والمسلمين في المانيا، وكذلك النضال السياسي في ما كان يختلج في صدره من اوضاع سياسية في السودان، الوطن الأم الصغير، والوطن العربي الاكبر عموماً.
– أما على صعيد النضال القانوني فقد شكلت محاور محاربة العنصرية وحقوق الانسان عموماً وقوانين الاقامة والتجنس وغيرها محور نضاله القانوني، ناهيك عن حقوق الانسان العربي في وطنه.
– ولعل النضال الثقافي هو الأكثر شدة والأثقل عبئاً في مجتمع الهجرة المعروف عنه بصرحه الثقافي وانجازاته الحضارية، يقابلها تراجع كبير في حلقات كثيرة من ابناء جالياتنا العربية والإسلامية. انه مجموع القيم المعرفية والعقائدية والسلوكية في كليتها المختلفة الى حد بعيد عن ثقافتنا.
لقد كانت تلك النضالات نشاطات وفعاليات قد استوجبت الانخراط في أعمال فردية وجماعية ومن خلال منظمات واتحادات وتعامل مع مؤسسات حكومية ومدنية، عربية وألمانية، ومنها جامعة الدول العربية وبعثتها في برلين.
وفي خضم تلك الفعاليات والنشاطات المتنوعة فقد أصبح الدكتور حامد فضل الله شخصية معروفة لدى الناشطين في الشأن السياسي او الاجتماعي او الحقوقي او الثقافي او الفكري من ابناء الجاليات العربية وغيرهم من الالمان والاجانب في برلين والمانيا عموماً، وكذلك لدى كثير من المؤسسات والمنظمات الرسمية والشعبية.
لقد كان لفضل الله مشاركاته الكثيرة في الشأن الفكري المتنوع بين السياسي والفلسفي والديني والاجتماعي، وبين الأدبي والثقافي من قراءات وتأليف وترجمة. بيد انه لم يكن بالمحاور سهل الانقياد، لا بل ومناكفاً في ما يراه من آراء مختلفة. هذه الخصلة ميزت مواقفه في موضوعات الدين والقومية والطبقية التقليدية، مع جنوح ملاحظ الى المدنية والعلمانية.
وعلى صعيد موقفه من الاستشراق، وهي مسألة تقع في خضم عملية الحوار الثقافي والحضاري بين الشرق والغرب، كان حامد فضل الله محاوراً وناقداً موضوعياً شجاعاً.
وتلخيصاً لاهتماماته وما انشغل به طيلة عقود من الزمان احصر ذلك في المحاور التالية:
⁃ السياسة المحلية التي تمثلت بهموم الجالية العربية والرغبة في المساهمة بوحدتها أو
بتنسيق فعالياتها.
⁃ السياسة الوطنية والقومية والإنسانية عموماً. فلقد كان وطن انحداره السودان وكانت
فلسطين وغيرها من دول العالم العربي وغيره محاوراً في اهتماماته.
⁃ الحضارية التي تمثلت باهتمامه باشكالية الهوية والاندماج لأبناء الجاليات العربية
والاسلامية والمهاجرين بصورة
عامة وموقفه الحضاري مما يسجل له تميزاً في انجازاته.
⁃ الحقوقية المتمثلة في المساهمة بالدفاع عن حقوق الانسان العربي وفق رؤية سياسية
وقانونية علمانية مدنية.
⁃ الفكرية والثقافية التي تمثلت بمساهماته في تشكيل العديد من الجمعيات ومنظمات
المجتمع المدني والقاء العشرات
من المحاضرات والمشاركة بالعديد من الندوات والمؤتمرات والمهرجانات.
⁃ وأخيراً ولا يجب ان نغفل تأسيسه لمشروع تأهيل مهني تقني في السودان بقي يحلم به
لفترة طويلة حتى تمكن من تحقيقه.
وختاماً أود أن أعبر باسمي وباسم المعهد الثقافي العربي عن خالص تقديري لما بذله اخي الدكتور حامد فضل الله من جهود متميزة كبيرة طيلة عقود من الزمان والتي تشاركنا في كثير من نشاطاتها وفعالياتها، رغم اختلافنا أحياناً في هذه الرؤية أو تلك، اذكر منها مساهماته في عمل كثير من الجمعيات والاتحادات العربية والألمانية من ثقافية وحوارية وقانونية، ومشاركاته في اسابيعنا الثقافية العربية وفي ندواتنا ومؤتمراتنا الفكرية والثقافية وفي منشوراتنا مثل مجلة بابل والمجلة المحكمة ابن خلدون، وجهوده في تشكيل أو المشاركة في مشاريع ثقافية وحوارية تركت بصماتها مثل مشروع الملتقى العربي للفكر والحوار ومشروع ابن رشد ومجلة الدليل وغيرها الى جانب مؤلفاته وترجماته، راجياً له وافر الصحة وطول العمر ودوام العطاء.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* حصل على الدكتوراه في العلوم الاقتصادية من جامعة الهومبولدت في برلين* عمل استاذاً جامعياً في الموصل، مؤسس المعهد الثقافي العربي في برلين. له مساهمات كثيرة في نشاطات الجالية العربية في المانيا،
عدداً من الكتب وترجم بعضها وساهم في اصدار عدد من المجلاتالف نشر مئات المقالات في الصحف العربية.
برلين، 09.08.2025