مقالات سياسية

نظام متسوّل وخطاب مستعلٍ.. قراءة في مقال أماني الطويل عن السودان!

د. هاشم عبد الرحمن

ليس خافياً على أحد أن ما يُسوَّق لنا باسم “الخبرة المصرية في الشؤون السودانية” ليس إلا غطاءً لخطابٍ استخباراتي، وأداةً من أدوات السيطرة المصرية. وفي صدارة هذا المشهد تأتي الدكتورة المصرية أماني الطويل، التي تقدّم نفسها وتقدّمها التلفزيونات على أنها خبيرة في شؤون السودان، بينما هي في الحقيقة ليست سوى خبيرة في شؤون المخابرات المصرية، وقلم لها، يعمل على تمرير أجندة السيطرة على القرار السوداني ونهب موارده الكثيرة الوفيرة.

في مقالها الأخير المعنون بـ «نحن والسودان»، وبعد استطراد طويل وممل، لم تتورع أماني الطويل عن الإيحاء بأن القوى المدنية الديمقراطية السودانية عميلة للغرب والخليج!! وهنا تبرز المفارقة الفاضحة: نظامها الذي تمثله – نظام السيسي – ذلك النظام المتسوّل الذي فاق حد العمالة، هو النظام الأكثر تبعيةً للخليج والغرب عملياً، رغم العنتريات اللفظية التي يطلقها للاستهلاك المحلي الشعبي، بهدف تخدير الرأي العام المصري البسيط، الذي لا يزال يصدق أن هناك جنرالاً في جيش السيسي قد اكتشف علاجاً لفيروس سي والإيدز بالكفتة، وأن جيشه قد اعتقل قائد الأسطول الأمريكي السادس!!

كما تحدثت عن عجز القوى المدنية عن إدارة راشدة للسودان، متجاهلة أن السلطة المدنية في فترة حكمها الانتقالية – رغم العراقيل الضخمة التي وضعها النظام المصري بتحالفه مع الإسلامويين وقيادة الأجهزة العسكرية الانقلابية بقيادة البرهان – قد نجحت في تثبيت الاقتصاد، وإعفاء الديون، ورفع اسم السودان من قائمة الإرهاب، وبدء إعادة إعمار البلاد. ولنا في مشروع الجزيرة مثال واضح؛ فقد حقق، وأنا ابن مزارع وابن المنطقة، إنتاجاً غير مسبوق منذ عقود طويلة. وعلى النقيض، فإن نظام المأزوم السيسي، الذي تؤيده الدكتورة أماني وتعمل لصالحه، تلقى ما لا يقل عن ستين مليار دولار كهبات وتسول من دول الخليج، إضافة إلى دعم الغرب وديون البنوك والصناديق الدولية، وبدّد كل هذه الموارد في مشاريع دعائية غير مستدامة وعديمة الفائدة الاقتصادية، بشهادة البنك الدولي، ليجد نفسه اليوم في أزمة مركبة بعد أن تخلّى الخليج عن صرف الصدقات الجارية!

وتحدثت أيضاً عن “المؤامرة ضد وحدة السودان”، في حين أن نظامها هو الذي عوّق الانتقال المدني، وحرض الجيش/الإسلامويين على الانقلاب، ثم حرض ودعم وشارك في الحرب التي أحرقت السودان ومزقت نسيجه الاجتماعي وهددت وحدته. بل إن نظامها يدعم حالياً الجيش/الإسلامويين، الذين هم وراء مقترح «مثلث حمدي» الانفصالي، الذي يهدد وحدة السودان، وهم – في واقع الأمر – بحكم تكوينهم العقائدي غير مؤهلين مطلقاً لحكم سودان موحّد.

إن عقلية الوصاية الخديوية التي تتحدث بها أماني الطويل لم يعد لها مكان من الإعراب إلا في عقل ملهمها السيسي المتبلد فطرة. فالنظام المصري المتسوّل ليس لديه ما يقدمه للسودان سوى مواصلة نهب موارده، وإعاقة نهوضه، وفرض نظام حكم عسكريتاري على غرار نظام السيسي في مصر، ذلك النظام الذي فشل في بلاده وبدأت صلاحيته السياسية تنفد، ولا يمكن تصديره إلا كنفايات!

مونتريال – كندا
12/8/2025

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..