مقالات سياسية

حين يرفع المفكّر شعار “بل بس” فوق حطام الدولة وأشلاء الضحايا

عبد القادر محمد أحمد / المحامي

د. النور حمد كاتب ومفكّر وباحث سياسي، وله مؤلفات ومقالات وإسهامات في مجالات فكرية وثقافية متعددة. وقد استوقفني مقاله بعنوانه الصارخ: “إمّا استعادة الدولة كلها أو لا دولة”، الذي يحمل رؤيته حول كيفية إخراج بلدنا من ورطة هذه الحرب المدمرة. ولولا ما ورد فيه من غلوّ في الطرح في مسألة تشغل البال، لما أقدمت على نقده. فأنا لست مفكّرًا، ولا ناقدًا، ولا كاتبًا محترفًا، لكني كمواطن سوداني أتابع وأكتب معبّرًا عن رأيي فيما يجري في بلدي من مآسٍ، وليس أولها هذه الحرب التي أوصلتنا إلى مرحلة لم تعد فيها الكتابة خيارًا أو ترفًا، بل صارت واجبًا وأمانة في عنق كل صاحب قلم.

تقوم رؤية د. النور للخروج من الأزمة على تقسيم قوى الثورة إلى ثلاثة أقسام:

1. تحالف تأسيس.
2. تحالف صمود، الذي يراه ضعيفًا في تكوينه، ومخترقًا من قبل مصر بهدف جره إلى التوافق مع البرهان والإخوان المسلمين.
3. الأحزاب العقائدية، المتمثلة في بعض أحزاب البعث والناصريين، والحزب الشيوعي الذي يعيش – في رأيه – حالة تخبط.

ويخلص د. النور إلى أن التحالف الأرجح لتمثيل الثورة، واستعادة الدولة التي سرقتها الإنقاذ، وإنهاء حالة اللادولة، هو تحالف تأسيس.

أعتقد أن د. النور في هذا المقال يطرح رأيه الشخصي كمواطن سوداني، لا كمفكّر مستقل، وهذا حقه، وله كل الاحترام والتقدير. غير أننا في تناولنا لهذا الرأي بالنقد، لا ينبغي أن نغفل ما يجب أن يتحلى به رأي المفكّر من موضوعية في الطرح، وبعد نظر، وأدوات تشخيص عميق، حتى لا يقلّص من دوره كمفكّر نفخر به، ويصبح أقرب إلى ناشط يوظّف البلاغة ولحن القول لتبرير الاصطفاف والتعبئة السياسية لصالح تيار بعينه.

وهذا ما فعله د. النور، حيث جعل الانحياز لتحالف سياسي عسكري مليشي خيارًا لا بديل له.
وأفصل ذلك في الآتي:

▪ لتبرير رأيه مهّد د. النور لمقاله بعنوان “إمّا استعادة الدولة كلها أو لا دولة” وهو عنوان صارخ ومخيف ومحبط، فكأنه يقول: “إمّا الانحياز لتحالف تأسيس أو لا دولة”. وهذا يخالف دور المفكّر الذي يجب عليه أن يوسّع الأفق ويحفّز الأمل، لا أن يثبّط الهمم بهدف جرّ الناس إلى قناعاته الشخصية.

▪ لتبرير رأيه، يضخّم د. النور دور مصر في جعل السودان تابعًا لها لنهب ثرواته، متغاضيًا عن دور نخبنا وفشلهم في بناء دولة ذات كيان مستقر وقادر على التعامل بندّية. فماذا ننتظر من مصر وهذا حالنا، والسودان يشكّل جزءًا مهمًا من أمنها الحدودي والمائي والاقتصادي؟

إن دور مصر السالب تجاه تطلعاتنا نحو الحكم الديمقراطي معلوم، لكنها الآن، وفي ظل تدويل الأزمة، تسعى للحل الذي تراه محققًا لمصلحة السودان ولمصلحتها، وهذا طبيعي. غير أن د. النور يحاول أن يخلق بعبعًا سمّاه “مشروع مصر لابتلاع السودان”، وأنها تستغل “صمود” لهذا الابتلاع. وهدف د. النور هنا يتجاوز إقصاء “صمود” كأحد مكوّنات قوى الثورة، إلى إقصاء شعار “لا للحرب” الذي ترفعه “صمود” في مواجهة شعار “نعم للحرب” الذي أصبح د. النور من دعاته.

“صمود” ليست فوق النقد، لكن هل القول بضعفها يبرر إقصاءها من مشهد قوى الثورة، أم التنبيه حتى لا يفترسها “البعبع”؟

▪ يرى د. النور، وبحق، أن الإسلاميين اختطفوا الدولة وعاثوا فيها الفساد، ونهبوا الثروات، ومارسوا التخريب والتمكين الممنهج، والعنف المتطاول. وأن “مهزلة بورتسودان” الانقلابية هي ما تبقى من أشلاء “الدولة اللصوصية الإخوانية”. لكن المشكلة أنه عهد بمهمة القضاء على هذه الدولة واستعادة الدولة المسروقة إلى تحالف “تأسيس” كممثل وحيد لقوى الثورة.!

وهنا أقول، وبكل احترام، إن د. النور يضعف موقفه ودوره كمفكّر حين يتجاهل البعد الأخلاقي في تقييم “الدعم السريع”، الذي يشكّل الضلع الأساسي في تحالف “تأسيس”. وسجله حافل بالفساد، ونهب الثروات، وارتكاب الجرائم والانتهاكات بحق المواطنين، وقتلى انتفاضة 2013، وجريمة فض الاعتصام، وانقلاب 25 أكتوبر، والجرائم ضد الإنسانية في دارفور في ظل حكومة البشير، ومآسي الحرب الحالية، وتصفية المدنيين بالجملة في الجزيرة وأبوشوك وغيرها.!

ولا يغيّر من الأمر شيء مناشدة د. النور للدعم السريع التوقف عن نهب المال العام، فقد تربّى على أكتاف الدولة، وإذا تخلى عن مالها يصبح سمكة خارج الماء. وهل قام بردّ ما عليه من جبال أموال الدولة، ليصبح مؤهلًا لمواجهة الآخرين؟ ثم كيف يمثل الدعم السريع قوى الثورة وهو مثقل بدماء الثوار، وبدماء المدنيين، وبدماء المحاصرين الآن في الفاشر وجبال النوبة، باسم هذه الحرب التي تفتقر إلى أي مبرر أخلاقي، إن كان للحروب مبرر أخلاقي؟

ثم، كيف ينصّب د. النور الدعم السريع ممثلًا لقوى الثورة لمواجهة الكيزان، وقد سبق أن أعطى الشعب موثقًا بأن يكون أمينًا على ثورته، فجعله الشعب في قمتها. فماذا فعل؟ ألم يتحالف مع الكيزان في الغدر بها؟

▪ “تأسيس” قدّمت نفسها كتحالف سياسي عسكري يلتزم بوقف الحرب حال التزام الحكومة بالمفاوضات. لكن د. النور متمسك بالحسم العسكري! وهذا يخلق شبهة أن “تأسيس” ترفع شعارًا وتخفي آخر. وأيًا يكن، فإن التجربة الماثلة أمامنا وتاريخ حروبنا يقولان إن هذه الحرب لن تُحسم عسكريًا، وأن د. النور، كمفكّر، أولى الناس علمًا بذلك. فكيف يسمح لنفسه أن يحمل شعار “نعم للحرب”؟!

▪ يُحمد لتحالف “تأسيس” أنه شخص الأزمة السودانية في التهميش، وحدد الحل في التداول السلمي للسلطة، ودولة المواطنة، وعدالة توزيع السلطة والتنمية، وعدم الإفلات من العقاب. وهذا يشكل أساسًا متينًا لعقد اجتماعي يجمع شمل أهل السودان. لكن، هذا لا يبرر مراهنة د. النور على “تأسيس”، فلا زالت هناك هواجس.!

هل سيسلم “تأسيس” السلطة لقوى الثورة إذا انتصر في الحرب؟
وهل “تأسيس” مقتنعة برؤية الحل الديمقراطي، وسيلتزم بها الدعم السريع؟
وهل ستلتزم مكونات “تأسيس” بالترتيبات الأمنية وتتحول إلى أجسام مدنية؟
وهل سيلقي الدعم السريع السلاح ويترك مصير قادته وجنوده للعدالة؟
ووو.. وآآآه.

في الختام، يظل المأمول من د. النور وكل المفكرين والسياسيين في وطننا أن يسعوا إلى بلورة رؤية للحل الوطني، تقوم على توسيع المدارك، وتبتعد عن الإقصاء والانقسام، وكل ما يضيّق أفق الرؤية أو يثبّط الإرادة العامة ويؤثر سلبًا في العمل الوطني. فالوطن بحاجة إلى أن يجلس الجميع للتوافق على عقد اجتماعي يرسّخ الاستقرار ويضمن السلام المستدام بين جميع أبنائه.

[email protected]

‫5 تعليقات

  1. يامولانا عبد القادر يامحترم .!!!!!!!

    الفرق بينك وبين البروف النور حمد هو ان البروف واااااااضح وحااااااسم في طرحه وحلوله
    وعبر عن وجهة نظره طبقا لذلك أما انت يامولانا فمن عشاق مسك العصا من النص والتاريخ
    والتجارب الانسانيه تقول ان مسك العصا من النص في هكذا أمور ضرره أكبر واعظم من نفعه.

    لا تحاول ان تنفي حبك وعشقك مسك العصا من النص فمعرفتي بك منذ عقود خلت ايام الجامعه
    لم اعرفك خلالها الا عاشقا لمسك العصا من النص لتشترك في هذه الصفه المخذله مع المارشال
    مني اركو مناوي بتاع شويه مع دول وشويه مع دول .!!!!!!!!!

    1. ما في عصاية من النص يا جنجاقحط
      الرجل قانوني ولكن عيبه انه يعطي مساحة للجنجويد ويعتبرهم بشر

  2. النور حمد ولا مفكر ولا يحزنون هوانسان متطفل على الفكر فكره كله حول الفكر الجمهوري واستاذه ونسيبه محمود محمد طه
    هو له مشكلة شخصية مع المجتمع السوداني عامة والاسلام السياسي خاصة والجيش خاصة منذ اعدام استاذه وابي زوجته اسماء محمود محمد طه
    الا تذكر تصريحه الفج عندما قال الدعم السريع ما يطلع ليكم من بيوت الناس هم احتلوها يطلعوا كيف ؟ يطلعوا لمن تكون عندكم قوة تطلعهم وبالتالي جعل هذا المتفكر بيوت الناس الابرياء ضمن الاهداف العسكرية
    تقول لي مفكر ؟

  3. وكأن مولانا المحترم لم يسمع بالبلبوسي الشيوعي المتحور الي كوز، المدعو ع ع ابراهيم، الذي لم يكتف برفع شعار “بل بس” فوق حطام الدولة وأشلاء الضحايا، بل اصبح يهتف به صباح مساء مع القونات واللايفاتية وسواقط حثالات المجتمع. يامولانا البروف النور علي الاقل اتخذ موقف واضح من الحاصل ولم يمسك العصا من النص ومن ان توضح موقفك بدل نقد مواقف الآخرين وعلمنا التاريخ ان اسوأ مكان في الجحيم محجوز لاصحاب المواقف الرمادية في المعارك الاخلاقية العظيمة.

    1. اسماعيل حسين لماذا لم تقل وكان الذين يكتبون عن عبدالله ابراهيم لميسمعوا بالبلبوسي النور حمد ههههههههههههههههههههه

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..