البرهان وحلايب.. بين الزيف والتاريخ!

منعم سليمان
انتشر أمس خبر يقول إن البرهان قد أقرّ بالسيادة المصرية على حلايب وشلاتين السودانيتين. انفجر ذلك الخبر فجأة في فضاء المواقع المصرية، وفي توقيت متزامن مريب، بدا وكأنه عاصفة مدبّرة تستبق شيئًا ما، وتهدف إلى إثارة الغبار حول مكيدة تُرسم على هامش الزمن. فانطلقتُ إلى عين الخبر لأستكشف أصله، فإذا بي أقف على *موقع غامض يُدعى Réseau International -* وتعني بالعربية “الشبكة الدولية” – ذلك الاسم البسيط الذي يخفي وراءه ظلالًا من الغموض والتكتّم!
هنا، انتفضت في داخلي عادة قديمة مدمنة على البحث والتقصّي؛ فالزمّار يموت وأصابعه تلعب، أو كما يقولون. فهممت أقتله بحثًا وأقلبه تفتيشًا، متبحّرًا في خفاياه: *مَن يقف خلفه؟ وما هو خطه التحريري؟ وما هويات من يديرونه؟* فإذا بي أمام فضاء يديره صحفيون وكُتّاب مجهولون، يقرّون بلا خجل بأن بعضهم يستخدم أسماء مستعارة، وبخط تحريري معادٍ للسياسات الأميركية والأوروبية، ومتعاطف مع روسيا والصين في ساحات النزاعات الدولية.
والأهم *أن علاقة الموقع المذكور بفرنسا، مثل علاقة البطاطس المقلية (French Fries) بها، لا شيء سوى الاسم!*
لكن الضجة التي أثارتها المواقع المصرية، وأورثت ذلك القلق العارم في أوساط السودانيين، لا تعود إلى صدقية الخبر من عدمه بقدر ما تعود إلى فقدان الثقة بالبرهان؛ فكل شيء في سبيل محافظته على السلطة وارد منه، وهو الذي لا يصون عهدًا ولا يحفظ وعدًا، *وكل من عرفه من مسافة قريبة – من أمثالي – لابد أن يكون قد خرج من معرفته به وهو يحمل تقديراً واحترامًا كبيرًا لـ”مسيلمة” التاريخ!*
ثم إنه رجل فاقد لكل شيء، ومهما ارتفع صراخ وضجيج المواقع المصرية، فذلك لن يمنحه شرعية؛ فالشرعية، مهما علت الأصوات، لا تُبنى على الصراخ، ولا تُثبت بالهتافات. *وكل توقيع يمهره بأصابعه التي ضغطت على الزناد لتحرق البلاد وتقتل شعبها، فهو زائل؛ وكل خطوة يخطوها بأقدامه التي داست على الدستور وسحقت إرادة الشعب*، فهي باطلة. وتوقيعه على أي اتفاق، والحال هكذا، لن يكون سوى بمثابة عطية من لا يملك لمن لا يستحق؛ إذ إنه غير معترف به، لا وطنيًا ولا إقليميًا ولا دوليًا، دعك من أن يملك الحق في الفصل في حقوق أمة بأكملها!
ومن هذا المنطلق، فعلها البرهان أم لم يفعلها، فإن أي اعتراف أو تنازل يصدر عن سلطة مغتصبة للشرعية هو باطل في جوهره، ساقط في شكله، ومنزوَع القيمة قانونيًا وسياسيًا، ويبقى الشعب السوداني وحده السيد المطلق على ترابه، والحارس الأمين لكرامته وحقوقه.
أما آن لهذا المتشبّث بوهم السلطة أن يكون وطنيًا ولو لمرة واحدة في حياته.. *وأن يترجّل*؟