مصر الرسمية من النيل إلى النفاق -٢: دروس الفشل مع السودان في ضوء مشروع التأسيس

د. أحمد التيجاني سيد احمد
١. شهادة من قلب المشهد
وَشَهِد شاهدٌ من أهلها… لكن بعد أن مرّت السيول على الجسور، وبعد أن خرّبت اليد المصرية الكباري والصناعات والمرافق العامة في السودان، ظلّ مشروع التأسيس ماضياً بلا توقف. فعودة المؤتمر الوطني إلى الحكم مستحيلة، ومحاولات تفتيت السودان إلى دويلات عنصرية لن تجد مكاناً تحت دستور التأسيس، حتى لو استمرت الحرب إلى حين اقتلاع الحركة الإسلامية بقوة السلاح.
٢. خلفية العلاقة مع مصر
في مقالات سابقة، ومنها “مصر الرسمية من النيل إلى النفاق”، أوضحت كيف ظلت القاهرة الرسمية تتعامل مع السودان كحديقة خلفية ومجال حيوي لمصالحها، وتدير ملفاتنا بعقلية الوصي لا الشريك، مستخدمة أدوات الضغط والمساومة. واليوم، أمام تطورات الإقليم والقارة، يبرز سؤال حتمي: هل استوعبت مصر الدروس القاسية من فشل مخططاتها الأخيرة؟
٣. فيديو أماني الطويل: قراءة في المعنى الاستخباري
من المهم التوقف عند الفيديو الأخير لأماني الطويل — كبيرة إعلاميات المخابرات المصرية المتخصصة في شؤون السودان — والذي قد لا يكون أغلب السودانيين قد شاهدوه أو استمعوا إليه. في هذا التسجيل، بدا واضحاً أن أماني الطويل، أو المؤسسة الاستخبارية التي تمثلها، تمرّ بلحظة فارقة في تاريخها ومستقبلها في السودان وفي أفريقيا جنوب الصحراء.
إقرارها الضمني بفشل النهج المصري في التعامل مع السودان، ومحاولة إعادة صياغة الخطاب، يكشفان عن أزمة أعمق من مجرد خلاف سياسي؛ إنها أزمة استراتيجية تتعلق بفقدان النفوذ التقليدي وفشل أدوات التحكم القديمة.
٤. إخفاقات مصريةً متراكمة
– في الاتحاد الأفريقي: فشل القاهرة في تمرير أجندتها في اجتماع مجلس السلم والأمن الأفريقي، رغم رئاستها الحالية لدورة الاتحاد.
– في ملف مياه النيل: خسارة الموقف القانوني أمام دول حوض النيل، وعزلتها بعد معارضتها اتفاقيات الإطار التعاوني وتخلفها عن الانضمام إليها.
– في سد النهضة: انكشاف ضعف المبررات، وانتهاء المعركة لصالح الأمر الواقع الإثيوبي.
– في العلاقات مع السودان: استمرار أطروحة “السودان تبعنا” التي لم تعد صالحة إلا كموروث سياسي عفا عليه الزمن.
٥. قراءة استخبارية–واقعية
تشير المعطيات إلى أن الأجهزة الاستخبارية المصرية باتت تدرك أن نهج الوصاية المباشر لم يعد مجدياً، وأن استمرار هذا النهج يضر بمصالحها الاستراتيجية. لقد تسببت صورة “المعلمين” — تلك النظرة الاستعلائية التي تعاملت بها مع القيادات والمجتمع السوداني — في طرد الخبراء المصريين من مواقع حساسة، وفقدان فرص نفوذ كانت مضمونة لعقود. هذه الخسائر ليست عرضية، بل نتيجة طبيعية لعدم احترام سيادة السودان ومطالبه الوطنية.
٦. ما يجب أن تدركه مصر الآن
– أن السودان دولة مستقلة كاملة السيادة، والاعتراف العملي بذلك هو المدخل الوحيد لأي علاقة مستقبلية مستقرة.
– أن ملفات حلايب وشلاتين ونتوء أرقين ليست للتساوم أو الإرجاء، بل لحل عادل يعترف بحق السودان التاريخي والقانوني فيها.
– أن زمن الوصاية والهيمنة انتهى، وأن مستقبل العلاقات تحدده المصالح المشتركة والاحترام المتبادل، لا النفوذ الاستخباري أو العسكري.
٧. خاتمة
إن مشروع التأسيس يرى هذه المواجهة مع مصر الرسمية جزءاً من معركة أكبر ضد الكيزان وكل مشاريع الهيمنة الخارجية. هي معركة لبناء دولة مدنية ديمقراطية عادلة، تحمي سيادتها وحدودها، وتعيد صياغة علاقتها مع الجوار على أسس الندية، لا على أساس الخضوع لإملاءات من يعتبرون أنفسهم أوصياء على النيل وأهله.
قائمة المراجع:
د. أحمد التيجاني سيد أحمد، “مصر الرسمية من النيل إلى النفاق”، مقال منشور، ٢٠٢٥.
فيديو أماني الطويل حول الوضع في السودان — متداول عبر منصات التواصل، ٢٠٢٥.
بيانات مجلس السلم والأمن الأفريقي، الدورة الأخيرة، ٢٠٢٥.بيانات مجلس السلم والأمن الأفريقي، الدورة الأخيرة، ٢٠٢٥.
وثائق مبادرة حوض النيل واتفاقية الإطار التعاوني، ٢٠١٠–٢٠٢٤.وثائق مبادرة حوض النيل واتفاقية الإطار التعاوني، ٢٠١٠–٢٠٢٤.
تقارير إعلامية عن سد النهضة الإثيوبي، ٢٠١٥–٢٠٢٥.تقارير إعلامية عن سد النهضة الإثيوبي، ٢٠١٥–٢٠٢٥.
كلام عبيط ونباح علي الفاضي – يعني دا عامل زي يوسف البدري –
شكلوا المقال ضربك في الانكل يا القاضي…