مقالات وآراء

لؤي الفكي وكهنة المعبد الثوري

 

بقلم: عاطف عبدالله

في زمن تتصارع فيه الأفكار على البقاء كما تتصارع الكائنات في الغابة، يختار بعضهم العيش في محمية أيديولوجية مغلقة، يطعمون أفكارهم من علف الماضي، ويحرسونها من أي نسمة هواء قادمة من الواقع. لؤي الفكي واحد من هؤلاء الكهنة؛ يقف عند بوابة “معبد النقاء الثوري” مرتدياً بزته الفكرية الكلاسيكية، يفتش العابرين بعين الشبهة، فلا يسمح بالدخول إلا لحاملي شهادات الولاء المطلق للنصوص القديمة، ويطرد أي فكرة جريئة تحاول عبور العتبة.
قبل أن أشرع في الموضوع، أستأذن القارئ الكريم أن أخلع عني ثياب التأدب التي اعتدتها في مقالاتي، إذ لم يعد المقام مقام حوار فكري رصين، بل انحدر إلى مستوى التنمّر الأيديولوجي الرخيص على صديق أكنّ له كل تقدير، وأفخر بمعرفته، هو المناضل الدكتور صديق الزيلعي. رجل حمل همّ الوطن على كتفيه كما يحمل الفارس درعه في الميدان، وجمعت شخصيته قيم وأخلاق فرسان القرون الوسطى في التهذيب والمروءة والشهامة، حتى مع ألدّ خصومه. لم يُعرف عنه فجور ولا بذاءة، بل هو، في شهادة كل من عرفه أو تعامل معه، حاضر الذكاء، شديد الشغف بالمعرفة، كريم العطاء، عفيف اليد عند المغنم، نقيّ السريرة عند الموقف.
أما المقال المتنمّر الذي أنا بصدد التصدي له، بعد أن استأذنت الدكتور الزيلعي ألا يرد عليه، فهو مقال للمدعو لؤي الفكي بعنوان “مقال الزيلعي وديالكتيك التراجع في قضية عطبرة”، نشره بتاريخ 12/08/2025 على صفحته في فيسبوك.
لو كان لؤي الفكي يملك سيارة، فستكون “لادا موديل 1970” مركونة في شارع جانبي، لا تتحرك منذ عقود، لكن صاحبها يصرّ أنها أفضل من كل سيارات اليوم لأنها “أصيلة” و”صامدة”. هذه هي الماركسية عند لؤي: قطعة كلاسيكية، لا تُستعمل، لكن تُمسح عنها الغبار كل فترة وتُعرض بفخر في صالون النقاش.
مقال لؤي عن الزيلعي يشبه إعلانًا تجاريًا لمسحوق غسيل “النقاء الثوري”: يزيل كل بقع النقد والاختلاف، ويترك الثوب أيديولوجيًا ناصع البياض. أما الواقع، بما فيه من تناقضات وتوازنات قوى، فمكانه عند لؤي هو تحت السجادة.
يبدأ لؤي مقاله وكأنه يكشف مؤامرة دولية قادها الزيلعي بالتعاون مع البنك الدولي، وكأن عطبرة على وشك أن تُباع في مزاد علني بوساطة الاتحاد الأوروبي. لكن الحقيقة أن لؤي يمارس هوايته المفضلة: نصب منصة خشبية، الصعود عليها، وإلقاء خطبة حماسية عن “الصمود” و”النقاء الثوري” أمام جمهور متخيّل يصفق في عقله.
الديالكتيك في يد لؤي ليس أداة تحليل، بل مكنسة كهربائية: يشغلها فقط لشفط أي فكرة لا تناسب قالب “المبدئية” الذي يؤمن به. أو جهاز تحكم عن بُعد: يضغط زر “التاريخ” فيستحضر لينين، يضغط زر “الخيانة” فيستحضر المناشفة، ثم يعيد الحلقة حتى نهاية المقال. أما الواقع؟ فتفصيل مزعج يفضّل تركه خارج النص، لأنه قد يفرض أسئلة من نوع: “كيف ستعيد تشغيل السكة الحديد؟” أو “كيف ستتعامل مع السوق العالمي؟”.
وعندما يتحدث عن “الدعم الفني غير المشروط”، يبدو وكأنه يصف رحلة إلى قرية خيالية في أوروبا، حيث المسؤولون يوزّعون المساعدات وهم يبتسمون مثل شخصيات ديزني، ولا يطلبون شيئًا في المقابل. لكننا نعرف أن العالم الحقيقي لا يعمل بهذه الطريقة، إلا إذا كنت تكتب مقالًا بهدف تسويق الحلم لا مواجهة الواقع.
لؤي يبيعنا حكاية الدعم “غير المشروط” كما لو أن الاتحاد الأوروبي جمعية خيرية، ترسل الهبات بدافع الحب والإنسانية. هذا النوع من البراءة المصطنعة يصلح لقصص الأطفال، لكنه في السياسة يُسمّى “تزيين الوهم”.
أما عن اتهامه الآخرين بالانعزالية، فالمشهد هنا كوميدي: لؤي يطلّ من شرفة برجه الأيديولوجي، يصرخ على الجيران بأن يختلطوا بالناس، بينما هو يضع لافتة على الباب: “ممنوع الدخول لغير الثوريين النقيين”.
لؤي يقدم لنا ماركسية تصلح للمتحف أكثر مما تصلح للميدان: محفوظة، مؤطّرة، وبعيدة عن أي احتكاك قد يخدش لمعانها. مشكلة هذا النوع من النقاء أنه مثل ورد بلا ماء… جميل للحظة، لكنه ذابل منذ زمن.
باختصار، لؤي لا يكتب ليحلل أو يقنع، بل ليؤكد أنه آخر حراس “النقاء الثوري”. لكن النقاء الذي لا يختبر نفسه في مواجهة الواقع يتحول مع الوقت إلى قطعة أثرية جميلة… ومتحفية.

تعليق واحد

  1. مصيبة الستالينين الدوغمائين إنهم ما ناس حوار
    لذلك بيتخفوا حول لافتات الطهارة الثورية والتطرف اليساري
    و طبعا شيطنة المختلف
    أي نقد لأي خطأ ولو كان خطأ تاكتيكيا طوالي يطلعوا ليك دعاوي الحرب ضد الحزب
    و محاولة تصفية الحزب
    حزب في خضم صراع طبقي ماذا يتوقع غير النقد والمزيد منه؟؟؟؟
    في الدنيا دي ما كفاية تكون مقتنع إنك علي حق وكل الأخرين علي ضلال
    الضروري والمهم كيف تقنع الآخرين بصحة موقفك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..