مقالات وآراء

الدرب..

حسن عثمان طه

الدرب حكاية تنمو مع كل خطوة ، كأن الأرض تكتب سطورها تحت أقدامنا ، والريح تقرأها بصوتٍ خافت .هو المسافة التي تفصل بين الحلم والواقع ، بين القلب وما يخبئه ، وبين الصمت وما يصرخ في أعماقنا .على امتداده ، تتقاطع الأرواح ، وتتشابگ الأمنيات ، وتُبعثر الذكريات كأوراق خريفٍ لم تجد مأواها .نحمل في أعيننا نظراتٍ تبحث عن معنى ، وفي صدورنا نبضًا يشتاق لمَا لم يحدث بعد ._الدرب يعلمنا أن الحب لا يحتاج كلمات ، وأن بعض المشاعر تُقال بالصمت ، وأن الحنين يسكن التفاصيل الصغيرة :رائحة الطريق بعد المطر ، ظل شجرةٍ وحيدة ، أو صوت عابرٍ يشبه مَن رحلوا .في كل منعطف ، نكتشف شيئًا منّا كُنا نجهله ، ونفقد شيئًا كُنا نظنه ثابتًا .نخاف ، نتردد ، نبتسم رغم التعب ، ونمضي لأن التوقف يشبه النسيان ، ونحنُ لا نريد أن نُنسى ._الدرب يختبر صدقنا ، صبرنا ، وجرأتنا على أن نكون كما نحنُ ، دون أقنعة ، دون تزييف .هو مرآةٌ تعكس ما نخفيه ، ورفيقٌ لا يملّ من صمتنا ، ولا يطالبنا بتفسيرٍ لمَا نشعر ._وفي الغربة ، يصبح الدرب أكثر قسوة ، وأكثر صدقًا .نمشيه ونحنُ نحمل وطأة البُعد ، وثقل الحنين ، كأن كل خطوة تسألنا :هل نعرف حقًا أين ننتمي؟الغربة لا تُقاس بالأميال ، بل بالشعور ، بأنگ غريب حتى في الأماكن التي تعرفها ،وأنگ تفتقد شيئًا لا تستطيع تسميته ._الغربة تُعلّمنا أن الدرب ليس دائمًا نحو الأمام ، بل أحيانًا نحو الداخل ، نحو الذات التي نسيناها ، نحو ذاكرةٍ نائمة ، وصوتٍ خافتٍ يقول : “ما زلت هنا ، رغم كل شيء” .
وفي_نهايته ، لا نصل إلى مكان ، بل نصل إلى أنفسنا ، نحمل حقيبةً من الأسئلة ، وقلبًا يعرف أن الغربة ليست نهاية ، بل بدايةٌ لفهمٍ أعمق لما نحنُ عليه .
وعلى الدرب نلتقي ، لا صدفةً ولا عبثًا ، بل لأن القلوب التي تنتمي ، تعرف طريقها جيدًا.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..