أهم الأخبار والمقالات

ظل النيل: تقرير استقصائي حول دور مصر في مسار السودان الانتقالي المتعثر (2019-حتى الآن)

مقدمة: محور القاهرة-الخرطوم – علاقة العمق الاستراتيجي والنفوذ غير المتكافئ

يقدم هذا التقرير تحليلاً استقصائياً للدور الذي لعبته جمهورية مصر العربية في المشهد السياسي السوداني منذ اندلاع ثورة ديسمبر 2019. وتتمحور الأطروحة المركزية للتقرير حول أن الدولة المصرية، تحت قيادة الرئيس عبد الفتاح السيسي، قد انتهجت سياسة ممنهجة تهدف إلى ضمان وجود حكومة يهيمن عليها الجيش في الخرطوم. هذه السياسة لم تكن وليدة الصدفة، بل هي نتاج ضرورات استراتيجية عميقة الجذور، تتمثل في المقام الأول في تأمين الخاصرة الجنوبية لمصر، وضمان هيمنتها المائية على نهر النيل، ومنع ظهور نموذج ديمقراطي ناجح على حدودها قد يلهم الداخل المصري.

لتحقيق هذه الأهداف، استخدمت القاهرة استراتيجية متطورة ومتعددة المحاور، شملت تواصلاً دبلوماسياً واستخباراتياً رفيع المستوى، وتعاوناً عسكرياً وثيقاً، وإدارة حذرة للحوار السياسي بين الأطراف السودانية. ومن خلال هذه الأدوات، عملت مصر على تقويض مسار التحول المدني الديمقراطي الهش في السودان. والمفارقة المأساوية هي أن هذا السعي الحثيث لتحقيق الاستقرار قصير الأمد عبر دعم المكون العسكري قد ساهم بشكل مباشر في إشعال فتيل عدم الاستقرار طويل الأمد الذي كانت تسعى لتجنبه، والذي بلغ ذروته في الحرب الأهلية المدمرة التي اندلعت في أبريل 2023.

تاريخياً، لطالما نظرت القاهرة إلى السودان باعتباره “عمقها الاستراتيجي” ، وهي رؤية كرست علاقة غير متكافئة. وقد أظهر التاريخ تفضيل مصر الواضح للتعامل مع الحكومات العسكرية في الخرطوم بدلاً من الحكومات الديمقراطية المنتخبة، التي غالباً ما كانت تستخدم الخطاب المناهض لمصر كرأسمال سياسي لتعزيز شرعيتها الشعبية. هذا النمط من العلاقات، الذي تعزز في عهد الرئيس السيسي، شكل الإطار الذي تحركت ضمنه السياسة المصرية بعد ثورة 2019.

يعتمد هذا التقرير في منهجيته على تحليل شامل للمعلومات المتاحة من المصادر المفتوحة، بما في ذلك التقارير الإعلامية العربية والدولية، والبيانات الحكومية الرسمية، وتقارير التحقيق الصادرة عن منظمات حقوق الإنسان، بالإضافة إلى التحليلات المعمقة من مراكز الفكر والمؤسسات البحثية المتخصصة. ويهدف إلى ربط سلسلة الزيارات رفيعة المستوى، العلنية والسرية، بين المسؤولين المصريين والسودانيين بالأحداث المفصلية في السودان، لكشف الأنماط الاستراتيجية والنوايا الكامنة وراء السياسة المصرية.


الفصل التمهيدي: ثورة الخبز – دعم البشير ضد الإرادة الشعبية (2018-2019)

قبل الخوض في دور مصر بعد سقوط البشير، من الضروري فهم موقفها خلال الثورة نفسها. إن سياسة القاهرة المناهضة للانتقال الديمقراطي لم تبدأ بعد الإطاحة بالبشير، بل كانت سياسة استباقية تهدف إلى منع سقوطه في المقام الأول.

0.1 ثورة الجوعى: قراءة القاهرة الخاطئة للاحتجاجات

اندلعت شرارة الاحتجاجات في السودان في 19 ديسمبر 2018، وكان دافعها المباشر هو تدهور الأوضاع الاقتصادية وقرار الحكومة رفع الدعم عن الخبز والوقود. سرعان ما تحولت هذه “ثورة الخبز” إلى انتفاضة سياسية واسعة تطالب بإنهاء حكم البشير الذي دام ثلاثة عقود.

نظرت القاهرة إلى هذه الاحتجاجات من منظور أمني بحت، معتبرة إياها “ثورة جوعى” يمكن احتواؤها، وتهديداً مباشراً لاستقرار نظامها. كان نظام السيسي يخشى من أن نجاح انتفاضة شعبية على حدوده الجنوبية، مدفوعة بنفس المظالم الاقتصادية التي يعاني منها المصريون، قد يلهم حراكاً مماثلاً في الداخل. وبحسب مسؤول مصري، فإن “الاستقرار في المعجم المصري يعني الحفاظ على رئاسة [عمر البشير]”.

0.2 دعم حتى النهاية: محاولات إنقاذ نظام البشير

بناءً على هذه القراءة، تحركت مصر بشكل حاسم لتقديم الدعم لنظام البشير المحاصر. لم يكن الدعم مجرد تصريحات، بل كان تدخلاً دبلوماسياً واستخباراتياً رفيع المستوى. فبعد أيام فقط من اندلاع الاحتجاجات، في 27 ديسمبر 2018، توجه وزير الخارجية المصري سامح شكري ومدير المخابرات العامة عباس كامل إلى الخرطوم في زيارة دعم واضحة. وفي يناير 2019، استقبل السيسي البشير في القاهرة، في لفتة دعم علنية في وقت حرج.

كان الهدف المصري هو تحقيق “مقايضة”: دعم سياسي واستخباراتي للبشير مقابل تنازلات سودانية في ملفات استراتيجية، أبرزها سد النهضة الإثيوبي ونزاع مثلث حلايب. لقد رأت القاهرة في ضعف البشير فرصة لانتزاع مكاسب طال انتظارها. هذا الدعم لم يقتصر على مصر، بل كان جزءاً من تحرك إقليمي أوسع شمل أيضاً تركيا وقطر اللتين عرضتا تقديم القمح والوقود.

هذا الموقف وضع مصر في مواجهة مباشرة مع الإرادة الشعبية السودانية. وقد حذر محللون سودانيون في ذلك الوقت من أن “أي وقوف بجانب النظام السوداني في هذه المرحلة سيغضب السودانيين”، وأن نجاح الثورة سيؤدي حتماً إلى توتر العلاقات مع القاهرة. لقد كانت مقامرة محسوبة من قبل القاهرة، راهنت فيها على بقاء البشير، وهو رهان خاسر كشف عن عداء نظام السيسي العميق للتغيير الديمقراطي في جواره.


الفصل الأول: ثورة 2019 و”الضوء الأخضر” للقمع

يُجادل هذا الفصل بأن الفترة التي أعقبت الإطاحة بالرئيس عمر البشير مباشرةً كانت منعطفاً حاسماً، تحركت فيه مصر، جنباً إلى جنب مع حلفائها الإقليميين، بشكل حاسم لتشكيل نظام ما بعد الثورة. وبلغ هذا التحرك ذروته فيما فسره العديد من المراقبين على أنه ضوء أخضر ضمني لشن حملة قمع وحشية ضد المتظاهرين المؤيدين للديمقراطية.

1.1 فراغ السلطة بعد البشير وصعود المجلس العسكري الانتقالي

في 11 أبريل 2019، أطاح الجيش بالرئيس عمر البشير بعد احتجاجات شعبية حاشدة استمرت لأسابيع. أدى هذا الحدث إلى تشكيل المجلس العسكري الانتقالي، الذي تولى السلطة في البداية بقيادة الفريق أول أحمد عوض بن عوف، الذي سرعان ما تنحى تحت ضغط الشارع ليتولى الفريق أول عبد الفتاح البرهان رئاسة المجلس، والفريق أول محمد حمدان دقلو (حميدتي)، قائد قوات الدعم السريع، نائباً له. في هذه الأثناء، تحول محيط القيادة العامة للقوات المسلحة في الخرطوم إلى مركز للثورة، حيث أقام آلاف المتظاهرين اعتصاماً سلمياً ضخماً، مطالبين بنقل السلطة بالكامل إلى حكومة مدنية. هذا الاعتصام لم يكن مجرد احتجاج، بل كان رمزاً حياً لإرادة الشعب السوداني في تحقيق انتقال ديمقراطي حقيقي.

1.2 محور الثورة المضادة: جولة البرهان الدبلوماسية

في خطوة ذات دلالات عميقة، كانت أولى رحلات البرهان الدولية في مايو 2019 إلى مصر للقاء الرئيس عبد الفتاح السيسي. تبعتها زيارات إلى الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية، حيث التقى حميدتي أيضاً بقادة البلدين. لم تكن هذه الزيارات مجرد مجاملات دبلوماسية روتينية، بل فُسرت على نطاق واسع من قبل المحللين والنشطاء على أنها اللحظة التي حصل فيها المجلس العسكري الانتقالي على الدعم الإقليمي اللازم لتعزيز سلطته واتخاذ إجراءات حاسمة ضد الحركة الاحتجاجية. وقد تعزز هذا الدعم بعرض سخي من السعودية والإمارات لتقديم مساعدات بقيمة 3 مليارات دولار، مما أكد على الانحياز الإقليمي للمكون العسكري. إن اختيار البرهان، كرئيس غير منتخب لمجلس عسكري يفتقر إلى الشرعية المحلية والدولية ، لهذه الدول الثلاث تحديداً – المعروفة بموقفها المناهض للثورات الشعبية – كأول وجهة له، أرسل إشارة واضحة بأن المجلس العسكري يبحث عن غطاء سياسي ومالي لخطواته التالية.

1.3 مجزرة القيادة العامة: جريمة مع سبق الإصرار

بعد أيام قليلة من عودة البرهان من جولته الإقليمية، وفي فجر 3 يونيو 2019، شنت قوات الأمن السودانية، وعلى رأسها قوات الدعم السريع ووحدات أخرى تابعة للمجلس العسكري الانتقالي، هجوماً عنيفاً ومنسقاً لفض اعتصام القيادة العامة. كانت العملية وحشية وممنهجة؛ حيث وثقت تقارير حقوقية ومنظمات دولية مقتل ما لا يقل عن 128 شخصاً، مع تقديرات غير رسمية تشير إلى مئات القتلى. لم يقتصر الأمر على القتل، بل شمل انتهاكات جسيمة أخرى، بما في ذلك العنف الجنسي الممنهج والاغتصاب الذي طال عشرات النساء والرجال ، وحرق الخيام، وإلقاء جثث الضحايا في نهر النيل في محاولة لإخفاء معالم الجريمة.

وصفت شهادات شهود العيان هجوماً مخططاً له بعناية، حيث تم إغلاق مخارج ساحة الاعتصام قبل بدء إطلاق النار العشوائي على المتظاهرين، مما يشير إلى نية مبيتة لإيقاع أكبر عدد من الضحايا وليس مجرد تفريق الحشود. وفي خطوة كشفت عن النوايا الحقيقية للمجلس العسكري، أعلن البرهان في اليوم التالي للمجزرة عن إلغاء كافة الاتفاقات السابقة مع قوى المعارضة والدعوة لانتخابات في غضون تسعة أشهر، في محاولة واضحة للاستيلاء الكامل على السلطة وإنهاء العملية التفاوضية. إن التوقيت بين الجولة الإقليمية للبرهان ووقوع المجزرة يشير بقوة إلى وجود رابط سببي، حيث أن الدعم الإقليمي، وفي مقدمته المصري، قد منح المجلس العسكري الجرأة والثقة اللازمتين لاستخدام القوة المفرطة ضد مواطنيه.

1.4 المخطط المصري؟: أوجه التشابه مع مجزرة رابعة

عند تحليل مجزرة الخرطوم، تبرز أوجه تشابه تكتيكية واستراتيجية لافتة مع مجزرة فض اعتصام رابعة العدوية في القاهرة عام 2013، والتي نفذتها قوات الأمن المصرية تحت قيادة وزير الدفاع آنذاك، عبد الفتاح السيسي. هذه التشابهات تتجاوز المصادفة وتوحي باحتمالية وجود “نموذج” للقمع تم استلهامه أو نقله.

تتضمن أوجه التشابه ما يلي:

  • التبرير الرسمي: في كلتا الحالتين، بررت السلطات أفعالها بضرورة إزالة اعتصام “يعطل الحياة العامة” ويشكل “بؤرة للفوضى”.

  • استخدام القوة المفرطة: تم استخدام القوة النارية الحية بشكل عشوائي ومكثف ضد متظامهرين سلميين إلى حد كبير، مع نشر قناصة لاستهداف المحتجين.

  • استهداف المرافق الطبية: وثقت منظمات حقوقية، مثل “أطباء من أجل حقوق الإنسان”، هجمات متعمدة على المستشفيات الميدانية والعيادات في كل من رابعة والخرطوم، بهدف منع علاج الجرحى وزيادة عدد الضحايا.

  • الإنكار الرسمي: بعد المجزرة، اتبعت السلطات في كلا البلدين استراتيجية الإنكار وتقليل أعداد الضحايا، وادعاء أن قوات الأمن كانت ترد على عنف مسلح من قبل المتظاهرين، وهو ما دحضته التحقيقات المستقلة.

إن العلاقة العسكرية والأمنية الوثيقة بين مصر والسودان، وزيارة البرهان للقاهرة قبيل المجزرة، تجعل من المحتمل جداً أن تكون التجربة المصرية في رابعة قد شكلت “مخططاً” أو على الأقل مصدر إلهام تكتيكي للقيادة العسكرية السودانية. لقد أظهرت تجربة رابعة أنه يمكن تنفيذ مثل هذا العمل الوحشي مع إمكانية احتواء التداعيات الدولية، وهو درس يبدو أن المجلس العسكري الانتقالي في السودان قد استوعبه جيداً. وبالتالي، فإن الدور المصري قد تجاوز الدعم السياسي ليشمل، على الأرجح، تقديم نموذج عملي لممارسة عنف الدولة ضد المعارضة المدنية.

جدول 1.1: تحليل مقارن لتحقيقات مجزرة القيادة العامة

الهيئة المسؤولة عن التحقيقعدد القتلى المعلنالنتائج بخصوص العنف الجنسيالنتائج بخصوص الجناةالاستنتاجات الرئيسية
لجنة التحقيق المعينة من المجلس العسكري

87 قتيلاً

نفى وقوع أي حالات اغتصاب

تورط ضباط “خالفوا الأوامر”

عملية تطهير لمنطقة “كولومبيا” المجاورة خرجت عن السيطرة؛ تبرئة القيادة العليا للمجلس العسكري.
نقابة محاميي دارفور

124 قتيلاً (بين 3 و 20 يونيو)

توثيق 8 حالات اغتصاب، وانتحار ضحية، ووجود “أدلة وافرة” على المزيد

قوات الدعم السريع والشرطة

قرار فض الاعتصام اتُخذ في اجتماع حضره جميع أعضاء المجلس العسكري؛ الجريمة كانت “مدبرة ومخطط لها”.

أطباء من أجل حقوق الإنسان (PHR)

مقتل العشرات وإصابة المئات

توثيق حالات عنف جنسي واغتصاب كجزء من تكتيكات الرعب

قوات أمن حكومية، بما في ذلك قوات الدعم السريع

هجوم مخطط وممنهج، واستهداف متعمد للعاملين والمرافق الصحية، وانتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان.

الفصل الثاني: انقلاب أكتوبر 2021: هندسة الاستيلاء على السلطة

يُظهر هذا الفصل أن انقلاب 25 أكتوبر 2021 لم يكن عملاً متسرعاً، بل كان خطوة محسوبة من قبل المؤسسة العسكرية، مع وجود مؤشرات قوية على علم ودعم مصري مسبق. وقد صُمم الانقلاب لعرقلة مسار الانتقال الديمقراطي بشكل دائم، وذلك في اللحظة التي كان من المقرر فيها أن يتولى مدني رئاسة مجلس السيادة.

 

2.1 الشراكة المتصدعة: التوترات في الحكومة الانتقالية (2019-2021)

بعد مجزرة يونيو 2019 والضغوط الشعبية والدولية التي تلتها، تم التوصل إلى اتفاق لتقاسم السلطة في أغسطس 2019، والذي أفضى إلى تشكيل مجلس السيادة (بقيادة عسكرية مبدئياً) وحكومة مدنية برئاسة رئيس الوزراء عبد الله حمدوك. ومع ذلك، كانت هذه الشراكة هشة ومليئة بالتوترات منذ البداية. نشأت خلافات عميقة بين المكونين العسكري والمدني حول قضايا جوهرية، أبرزها الإصلاحات الاقتصادية، ومساءلة المتورطين في مجزرة القيادة، وإصلاح القطاع الأمني، والذي كان يتضمن النقطة الشائكة المتمثلة في دمج قوات الدعم السريع في الجيش الوطني.

استغل المكون العسكري هذه التوترات لصالحه. ففي سبتمبر 2021، أُعلن عن إحباط محاولة انقلابية نُسبت إلى “فلول النظام السابق”. استخدم الجيش هذه الحادثة كذريعة للترويج لرواية مفادها أن الحكومة المدنية عاجزة عن حماية البلاد، وبدأ يطالب علناً بتغييرها واستبدالها. وقد شكلت هذه المحاولة الانقلابية الفاشلة تمهيداً مثالياً للانقلاب الحقيقي الذي تلاها بأسابيع قليلة.

2.2 اليد المصرية: دبلوماسية المخابرات والإشارات الاستراتيجية

في الأيام التي سبقت الانقلاب، ظهرت مؤشرات قوية على وجود تنسيق مصري. فقد كشفت تقارير صحفية دولية، أبرزها تقرير لصحيفة “وول ستريت جورنال”، أن مدير المخابرات العامة المصرية، اللواء عباس كامل، التقى سراً بالبرهان في الخرطوم قبل أيام من الانقلاب، دون أن يلتقي برئيس الوزراء حمدوك. وزعمت المصادر أن كامل أبلغ البرهان خلال هذا اللقاء بأن “حمدوك يجب أن يرحل” بسبب انفتاحه على الغرب ومواقفه التي لا تخدم المصالح المصرية، خاصة في ملف سد النهضة. هذا الادعاء، إن صح، ينقل الدور المصري من مجرد الدعم الضمني إلى التشجيع الفعلي والتنسيق الاستراتيجي المباشر للانقلاب.

تزامنت هذه التحركات الاستخباراتية مع تعزيز التعاون العسكري بين البلدين. حيث شهدت تلك الفترة تكثيفاً للمناورات العسكرية المشتركة، مثل مناورات “نسور النيل”، التي لم تكن مجرد تدريبات روتينية، بل كانت تهدف إلى تعميق الروابط المؤسسية بين الجيشين وتوجيه رسالة استراتيجية مشتركة، خاصة فيما يتعلق بالخلاف مع إثيوبيا حول سد النهضة. لقد خلقت هذه المناورات بيئة من الثقة والتنسيق بين القيادتين العسكريتين، مما سهل على الأرجح تمرير رسائل الدعم للانقلاب.

2.3 الاستيلاء على السلطة: 25 أكتوبر 2021

في فجر يوم 25 أكتوبر 2021، تحرك الجيش لتنفيذ مخططه. تم اعتقال رئيس الوزراء حمدوك وعدد من الوزراء المدنيين والنشطاء السياسيين، وقطع خدمة الإنترنت في جميع أنحاء البلاد، وانتشرت قوات الدعم السريع في شوارع الخرطوم. ظهر البرهان على شاشة التلفزيون ليعلن حل مجلسي السيادة والوزراء، وفرض حالة الطوارئ، مدعياً أن أفعاله تهدف إلى “تصحيح مسار الثورة” وتجنب “حرب أهلية”.

قوبل الانقلاب بمقاومة شعبية فورية وواسعة النطاق، حيث خرج مئات الآلاف إلى الشوارع في مظاهرات حاشدة. وكما حدث في السابق، واجهت القوات العسكرية هذه الاحتجاجات بالقوة المميتة، مما أسفر عن مقتل وإصابة العشرات من المدنيين.

كان رد الفعل المصري على الانقلاب كاشفاً للغاية. فبينما أدان الاتحاد الأفريقي والولايات المتحدة والدول الغربية الانقلاب بشكل قاطع، وطالبوا بعودة الحكومة المدنية فوراً، اكتفت القاهرة بإصدار بيان باهت يدعو جميع الأطراف إلى “ضبط النفس” و”الحوار”. هذا الموقف، الذي تجنب إدانة الانقلاب بشكل صريح، فُسر على نطاق واسع على أنه موافقة ضمنية. بل إن تحليلات لاحقة، مثل تلك الصادرة عن “تشاتام هاوس”، أشارت إلى أن مصر ضغطت دبلوماسياً لتخفيف موقف الاتحاد الأفريقي من تعليق عضوية السودان.

إن توقيت الانقلاب، قبل أسابيع فقط من الموعد المقرر لتسليم رئاسة مجلس السيادة إلى مدني ، لم يكن مصادفة. لقد كان ضربة استباقية من قبل الجيش لضمان احتفاظه بالسلطة العليا. وتشير الأدلة الظرفية القوية، من زيارة عباس كامل السرية إلى رد الفعل الدبلوماسي المصري، إلى أن القاهرة لم تكن مجرد متفرج، بل كانت عاملاً ممكّناً رئيسياً، قدمت الغطاء السياسي والاستخباراتي الذي احتاجه البرهان لتنفيذ انقلابه. هذا الدعم لم يكن قراراً عفوياً، بل كان امتداداً منطقياً لعقيدة الأمن القومي المصرية في عهد السيسي، التي تفضل التعامل مع أنظمة عسكرية يمكن التنبؤ بتصرفاتها، وتخشى من انتشار الديمقراطية في جوارها المباشر، وتسعى لضمان وجود حليف قوي في الخرطوم في مواجهة التحديات الاستراتيجية، وعلى رأسها أزمة سد النهضة.


الفصل الثالث: حرب بين الوكلاء: حسابات مصر المتغيرة (2023-حتى الآن)

يستكشف هذا الفصل كيف أدت حرب أبريل 2023 بين القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع إلى تحطيم المجلس العسكري الذي دعمته مصر، مما أجبر القاهرة على الدخول في صراع وكالة معقد ضد الإمارات العربية المتحدة، ودفعها إلى تبني سياسة أكثر علانية، وإن كانت لا تزال حذرة، في دعمها للجيش السوداني.

3.1 تفكك المجلس العسكري (15 أبريل 2023)

في 15 أبريل 2023، انفجر الصراع المسلح بين القوات المسلحة السودانية بقيادة البرهان وقوات الدعم السريع بقيادة حميدتي. كان السبب المباشر للحرب هو الخلافات التي لا يمكن التوفيق بينها حول شروط وجدول زمني لدمج قوات الدعم السريع في الجيش الوطني، وهو مطلب أساسي للعملية الانتقالية. هذا الصراع لم يكن مجرد خلاف تقني، بل كان تتويجاً لصراع على السلطة والنفوذ بين الرجلين اللذين كانا شريكين في انقلاب 2021.

في الساعات الأولى من القتال، وقع حدث شكل نقطة احتكاك مباشر بين القاهرة وقوات حميدتي، وهو أسر جنود مصريين كانوا متمركزين في قاعدة مروي الجوية شمال السودان من قبل قوات الدعم السريع. على الرغم من أن القاهرة أكدت أن وجود قواتها كان في إطار تدريبات مشتركة متفق عليها، إلا أن الحادثة أظهرت هشاشة الوضع وأجبرت مصر على التعامل مع حقيقة أن حليفها العسكري في السودان لم يعد كياناً موحداً.

3.2 من الحياد الحذر إلى الانحياز للجيش السوداني

في البداية، كان الموقف الرسمي المصري هو “الحياد” والدعوة إلى وقف فوري لإطلاق النار وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للسودان. كان هذا الموقف بمثابة تكتيك لكسب الوقت، حيث كانت القاهرة تقيم ميزان القوى المتغير بسرعة على الأرض ومواقف الأطراف الإقليمية الأخرى، وخاصة الإمارات العربية المتحدة.

لكن مع مرور الوقت، بدأ تحول تدريجي وواضح في السياسة المصرية نحو دعم القوات المسلحة السودانية. ويتجلى هذا التحول في عدة مؤشرات:

  • الدعم العسكري: ظهرت تقارير واتهامات متكررة من قبل قوات الدعم السريع ومصادر أخرى حول قيام مصر بتزويد الجيش السوداني بمعدات عسكرية، بما في ذلك طائرات مسيرة تركية الصنع، وذخائر، وقنابل، بالإضافة إلى تقديم استشارات عسكرية ومعلومات استخباراتية.

  • الخطاب الدبلوماسي: بدأت اللغة الدبلوماسية المصرية تركز بشكل متزايد على ضرورة الحفاظ على “مؤسسات الدولة” السودانية، وهو مصطلح مشفر يعني بوضوح دعم القوات المسلحة السودانية باعتبارها الجيش الشرعي والركيزة الأساسية للدولة.

  • الزيارات رفيعة المستوى: استضافت القاهرة زيارات علنية للبرهان ومسؤولين آخرين في حكومته، مثل زيارته في أغسطس 2023 التي كانت أول رحلة خارجية له منذ بدء الحرب. وفي المقابل، تجنبت القاهرة أي تواصل رسمي مع قيادة الدعم السريع. كما أن زيارة رئيس المخابرات المصرية إلى بورتسودان في أبريل 2024 (التاريخ المذكور في المصدر 2025 هو على الأرجح خطأ مطبعي) تزامنت مع تحقيق الجيش لتقدم عسكري كبير، مما يشير إلى وجود تنسيق رفيع المستوى.

3.3 حرب وكالة إقليمية: مصر ضد الإمارات

تحول الصراع السوداني بسرعة إلى حرب وكالة إقليمية، حيث وجدت مصر نفسها في مواجهة غير مباشرة مع الإمارات العربية المتحدة. فبينما تدعم القاهرة الجيش السوداني، تعتبر الإمارات الداعم الرئيسي لقوات الدعم السريع، حيث تزودها بالأسلحة والتمويل والدعم اللوجستي. هذا الصراع بالوكالة هو السبب الرئيسي وراء شلل جهود الوساطة الدولية، حيث تعثرت المبادرات الدبلوماسية، مثل محادثات جدة ومؤتمر لندن، بسبب المصالح المتضاربة للدول الراعية.

إن الكابوس الاستراتيجي بالنسبة لمصر هو احتمال سيطرة ميليشيا غير نظامية، ذات طابع قبلي ومدعومة من منافس إقليمي، على دولة فاشلة تمتد على طول حدودها الجنوبية البالغة 1,276 كيلومتراً. هذا التهديد يعتبر وجودياً ويفوق بكثير أي مخاطر قد تنجم عن حكم شريكها العسكري التقليدي، الجيش السوداني. وبالتالي، فإن حرب 2023 كانت بمثابة فشل استراتيجي لسياسة القاهرة، حيث أجبرتها على الانتقال من موقع “صانع الملوك” الذي يشكل حكومة عسكرية موحدة، إلى موقع المدافع الذي يكافح لمنع انتصار وكيل معادٍ على عتبة بابه. إن دعم مصر للجيش السوداني ليس نابعاً من مودة خاصة للبرهان، بل هو نتيجة حسابات واقعية تهدف إلى دعم “الخيار الأقل سوءاً” ومنع الانهيار الكامل للدولة السودانية وتحولها إلى منطقة نفوذ لميليشيا معادية للمصالح المصرية.

جدول 3.1: جدول زمني للتدخل المصري والأحداث الرئيسية في الحرب الأهلية السودانية (أبريل 2023 – حتى الآن)

التاريخالحدث الرئيسي في السودانالإجراء الدبلوماسي/العسكري المصريالدلالة/الأهمية المبلغ عنها
15 أبريل 2023

اندلاع الحرب بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع. أسر جنود مصريين في قاعدة مروي.

إعلان “الحياد” والدعوة لوقف إطلاق النار. بدء مفاوضات دبلوماسية لتأمين عودة الجنود.

موقف مبدئي حذر يهدف إلى تقييم الوضع وتجنب التصعيد المباشر مع قوات الدعم السريع.
يوليو 2023استمرار القتال العنيف وتوسع نطاق الحرب.

استضافة قمة دول جوار السودان في القاهرة.

محاولة مصرية لأخذ زمام المبادرة الدبلوماسية وتشكيل جبهة إقليمية تهدف إلى احتواء الصراع ومنع تمدده.
29 أغسطس 2023البرهان يغادر الخرطوم لأول مرة منذ بدء الحرب.

استقبال الرئيس السيسي للبرهان في مدينة العلمين في أول زيارة خارجية له.

إشارة دعم سياسي ومعنوي واضحة للبرهان كقائد شرعي للسودان، وتأكيد على التحول من الحياد إلى الانحياز للجيش.
أغسطس 2024 – فبراير 2025الجيش السوداني يحقق تقدماً عسكرياً في أم درمان ومناطق أخرى.

تقارير متزايدة عن تزويد مصر للجيش بطائرات مسيرة وذخائر.

تحول الدعم من سياسي إلى عسكري ملموس بهدف تغيير ميزان القوى على الأرض لصالح الجيش السوداني.
يوليو 2024استمرار الحرب وتفاقم الأزمة الإنسانية.

استضافة مؤتمر القوى السياسية والمدنية السودانية في القاهرة.

محاولة لبناء واجهة سياسية مدنية داعمة للجيش، وموازية لتحالف “تقدم” الذي يُنظر إليه على أنه قريب من الدعم السريع.
أبريل 2025 (خطأ مطبعي محتمل لـ 2024)الجيش السوداني يعزز سيطرته على ولايات الجزيرة وسنار.

زيارة رئيس المخابرات العامة المصرية حسن محمود رشاد إلى بورتسودان ولقاء البرهان.

تنسيق استراتيجي رفيع المستوى يتزامن مع انتصارات الجيش، ويشير إلى تخطيط مشترك للمرحلة التالية من الصراع وإعادة الإعمار.

الفصل الرابع: مسار القاهرة: هندسة جبهة مدنية موالية

يقوم هذا الفصل بتفكيك نقدي للمبادرات الدبلوماسية المصرية، مجادلاً بأنها لم تكن جهوداً محايدة لصنع السلام، بل محاولة محسوبة لبناء كتلة سياسية مدنية مرنة ومتوافقة مع رؤية القاهرة لمستقبل السودان الذي يقوده الجيش، وذلك في مواجهة القوى المدنية الديمقراطية الرئيسية.

4.1 الهدف المعلن: حوار “سوداني-سوداني”

أطلقت مصر عدة مبادرات دبلوماسية، أبرزها “قمة دول جوار السودان” في يوليو 2023، و”مؤتمر القوى السياسية والمدنية السودانية” في يوليو 2024. كانت الرواية الرسمية المصرية لهذه الفعاليات تتمحور حول توفير منصة محايدة للحوار، بهدف تمكين السودانيين من التوصل إلى “رؤية سودانية خالصة” لإنهاء الحرب، بعيداً عن أي إملاءات أو ضغوط خارجية. وقد تم تقديم هذه المؤتمرات على أنها جزء من جهود مصر المستمرة لدعم الاستقرار في جارتها الجنوبية.

4.2 الأجندة الخفية: دعم “الكتلة الديمقراطية” ضد “الحرية والتغيير”

عند التدقيق في تفاصيل هذه المبادرات، تظهر أجندة مختلفة. فبدلاً من التعامل مع التحالف المدني الرئيسي المؤيد للديمقراطية (قوى الحرية والتغيير – المجلس المركزي، والذي تطور لاحقاً إلى تنسيقية “تقدم”)، سعت القاهرة إلى بناء ودعم كتلة سياسية بديلة تكون أكثر انسجاماً مع رؤيتها التي تعطي الأولوية لدور الجيش.

كانت “الكتلة الديمقراطية” هي حجر الزاوية في هذه الاستراتيجية. تتكون هذه الكتلة من فصائل سياسية وحركات مسلحة، أبرزها حركة العدل والمساواة بقيادة جبريل إبراهيم وحركة تحرير السودان بقيادة مني أركو مناوي. هذه المجموعات نفسها كانت قد طالبت بانقلاب عسكري في أكتوبر 2021، مما يكشف عن توافقها مع المكون العسكري. وتشير التقارير إلى أن مصر لعبت دوراً رئيسياً في تشكيل هذه الكتلة، حيث لم يكن هناك ممثلون دبلوماسيون آخرون حاضرين في حفل إطلاقها الرسمي في نوفمبر 2022.

الموقف الأكثر دلالة جاء من قوى الحرية والتغيير (المجلس المركزي)، التي رفضت بشكل قاطع دعوة مصرية للمشاركة في ورشة عمل بالقاهرة في أوائل عام 2023. ووصفت المبادرة بأنها “منصة لقوى الثورة المضادة” ومحاولة “لإغراق العملية السياسية” بعناصر من “النظام البائد” بهدف تقويض المسار الديمقراطي. هذا الرفض الصريح يكشف أن الفاعلين المدنيين الرئيسيين لم ينظروا إلى مبادرات القاهرة كوساطة نزيهة، بل كمحاولة “لتوجيه” العملية السياسية وخلق جبهة مدنية موالية للجيش ولأجندة القاهرة.

4.3 النتائج والأثر: الانقسام والشلل

كانت نتائج “مسار القاهرة” مخيبة للآمال وكاشفة في آن واحد. فقد انتهى مؤتمر يوليو 2024 بحالة من الفوضى، حيث رفض مشاركون رئيسيون من المعسكر الداعم للجيش، مثل مني أركو مناوي وجبريل إبراهيم، التوقيع على البيان الختامي. كان سبب رفضهم هو أن البيان لم يدن قوات الدعم السريع بشكل صريح، بالإضافة إلى رفضهم الجلوس المباشر مع ممثلي “تقدم”، الذين يتهمونهم بالتحالف مع الدعم السريع.

هذه النتيجة تكشف عن الخلل الجوهري في النهج المصري. فبدلاً من توحيد الجبهة المدنية، أدت مبادرة القاهرة إلى تفاقم الانقسامات، وذلك بمحاولتها فرض تحالف بين مجموعات متعارضة أيديولوجياً، وبظهورها بمظهر المنحاز لطرف على حساب الآخر. لقد فشلت المبادرة في خلق مسار سياسي قابل للحياة، وبدلاً من ذلك، سلطت الضوء على الكسور العميقة داخل المشهد السياسي السوداني. لقد أثبت النهج المصري المركزي، الذي يتعامل مع السياسة من منظور “الدولة مقابل الدولة”، عدم ملاءمته للواقع السوداني المعقد، الذي تحركه ديناميكيات مجتمعية وشعبية. لقد تعاملت القاهرة مع المكون المدني ككتلة واحدة يمكن إدارتها، وليس كنظام بيئي متنوع من الفاعلين المتنافسين، مما أدى في النهاية إلى فشل مبادرتها.


الخاتمة والتوصيات الاستراتيجية

خلاصة النتائج

يكشف هذا التقرير أن سياسة مصر تجاه السودان منذ عام 2018 كانت ثابتة في هدفها الاستراتيجي – وهو ضمان وجود نظام صديق يهيمن عليه الجيش في الخرطوم – لكنها كيّفت أساليبها استجابة للوضع المتدهور. بدأت هذه السياسة بمحاولة دعم نظام البشير ضد انتفاضة شعبية ، ثم انتقلت إلى توفير غطاء سياسي للقمع بعد سقوطه (مجزرة 2019)، وتصاعدت إلى تمكين انقلاب عسكري كامل (2021)، ثم تدهورت إلى دعم أحد طرفي حرب أهلية مدمرة بالوكالة (2023-حتى الآن). وكان المسار الدبلوماسي، المتمثل في مؤتمرات القاهرة، أداة لخدمة هذه الأجندة، وليس لتعزيز سلام حقيقي.

مفارقة السياسة المصرية

تكمن المفارقة المأساوية في أن سعي القاهرة لتحقيق استقرار قصير المدى من خلال رعاية المكون العسكري كان المحرك الأساسي لعدم الاستقرار طويل الأمد في السودان. فمن خلال تمكين الجيش وحمايته من المساءلة، ساعدت مصر في تهيئة الظروف لانقلاب 2021 والصراع على السلطة الذي انفجر لاحقاً في شكل حرب أهلية. هذه الحرب تشكل الآن تهديداً أكبر بكثير للأمن القومي المصري والإقليمي – من خلال تدفقات اللاجئين، وعدم استقرار الحدود، وخطر انهيار الدولة – مما كان يمكن أن يشكله وجود سودان ديمقراطي. لقد أثبتت الاستراتيجية المصرية أنها قصيرة النظر وأدت إلى نتائج عكسية، حيث تحققت أسوأ كوابيسها الأمنية كنتيجة مباشرة لأفعالها.

توصيات لصانعي السياسات الدوليين (الولايات المتحدة، الاتحاد الأوروبي، الاتحاد الأفريقي، الأمم المتحدة)

  1. الانتقال من القبول الضمني إلى الضغط الفعّال: يجب على الفاعلين الدوليين تجاوز الدعوات العامة للحوار والاعتراف صراحةً بدور مصر كطرف فاعل ومنحاز في الصراع. يجب أن يكون الدعم الدبلوماسي والمساعدات المقدمة لمصر مشروطين بلعب القاهرة دوراً بناءً يمكن التحقق منه في السودان، بدلاً من تمكين أحد أطراف النزاع.

  2. توحيد جهود الوساطة وعزل المفسدين: من الضروري دعم منصة وساطة واحدة وذات مصداقية (مثل عملية جدة بعد تنشيطها أو مبادرة يقودها الاتحاد الأفريقي) وممارسة ضغط منسق على كل من مصر والإمارات لوقف حربهما بالوكالة وإجبار وكلائهما (الجيش السوداني وقوات الدعم السريع) على التفاوض بحسن نية. وهذا يتطلب استهداف التدفقات المالية وسلاسل الإمداد العسكري التي تغذي الحرب.

  3. تمكين الفاعلين المدنيين الحقيقيين: يجب توجيه الدعم الدولي نحو توحيد وتقوية المجموعات المدنية المستقلة والمؤيدة للديمقراطية، مثل “تقدم” ولجان المقاومة. وهذا يعني مقاومة الجهود، مثل مسار القاهرة، التي تهدف إلى إضفاء الشرعية على “مدنيين” موالين للجيش، وضمان أن أي عملية سياسية مستقبلية تتمحور حول مبادئ ثورة 2019.

  4. إعطاء الأولوية للمساءلة: يجب الإصرار على أن يتضمن أي اتفاق سلام مستقبلي آليات قوية للعدالة الانتقالية والمساءلة عن جرائم الحرب وانتهاكات حقوق الإنسان المرتكبة منذ عام 2019، بما في ذلك مجزرة القيادة العامة. هذا المطلب غير قابل للتفاوض بالنسبة لغالبية المدنيين السودانيين وهو شرط أساسي لسلام دائم. إن تجاهله لإرضاء الفاعلين العسكريين، كما كان الحال في الماضي، لا يضمن سوى اندلاع صراعات مستقبلية.

تعليق واحد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..