مقالات وآراء

السودان على مفترق الطرق: ماذا قال مجلس الأمن، وماذا يعني لنا، وإلى أين نتجه

 

د. أحمد التيجاني سيد أحمد

الفاشر… قلبٌ تاريخي لا يتوقف عن النبض
في صباحٍ قائظ من أغسطس، يستيقظ أهل الفاشر — مدينةٌ تحمل قرونًا من التاريخ كقلب دارفور — على دويّ القصف البعيد. الغذاء شحيح، والماء أشحّ. تمتد لقمة العيش على أيام، فيما شبح المجاعة يخيّم على الأحياء المنهكة. لم تكن الفاشر مجرد جبهة عسكرية قط؛ كانت عاصمة للسلاطين، وهي اليوم مركز صراع سيحسم وحدة السودان أو انقسامه.
هل تعلم؟

 اسم «الفاشر» مشتق من «الفاشر/الفاشرية» أي قصر السلطان — تذكيرٌ بمجدها القديم.
عام ٢٠٢٤ طالب مجلس الأمن بفك حصار الفاشر بسبب مخاطر المجاعة وحماية المدنيين.

ماذا قال مجلس الأمن في ١٣ أغسطس ٢٠٢٥؟ — بلغة بسيطة

رفض مجلس الأمن إعلان قوات الدعم السريع عن «سلطة حاكمة موازية» في مناطق سيطرتها، محذّرًا من تهديد ذلك لسيادة السودان ووحدته وسلامة أراضيه. ودعا إلى التفاوض من أجل انتقالٍ مدني ووقفٍ دائم لإطلاق النار؛ وذكّر بقراره عام ٢٠٢٤ بضرورة رفع حصار الفاشر؛ وأدان سقوط المدنيين في كردفان؛ وطالب بوصولٍ إنساني غير معرقل؛ وأكّد دعمه للمبعوث الشخصي للأمين العام رمطان لعمامرة.
والمهم أيضًا ما لم يقله البيان: لم يمنح اعترافًا ولا شرعيةً لحكومة بورتسودان ذات القيادة الإسلامية. بل خاطب «جميع أطراف النزاع»، في إشارة إلى تفضيل مسارٍ مدني يقوده المدنيون بدل مباركة أي سلطةٍ مفروضة بقوة السلاح.

خمسة عشر عامًا، خمسة عشر درسًا — مجلس الأمن والسودان (٢٠١٠–٢٠٢٥)

هذه هي «الصورة الواسعة»: ما فعله المجلس منذ ٢٠١٠، ولماذا أثّر — أو لم يؤثّر — على حياة الناس.
٢٠٠٤ — القرار ١٥٥٦: أول حظر سلاح يركّز على الجهات غير الحكومية في دارفور.
٢٠٠٥ — القرار ١٥٩١: توسيع العقوبات؛ إنشاء لجنة ١٥٩١ وفريق الخبراء (حظر سفر وتجميد أصول).
٢٠٠٦ — القرار ١٧٠٦: توسيع إطار حماية المدنيين حول الوجود الأممي.
٢٠٠٧ — القرار ١٧٦٩: إنشاء يوناميد (بعثة هجينة أممية–إفريقية) تحت الفصل السابع.

 ٢٠١٠–٢٠١٨ — تجديدات سنوية ليوناميد وسط قيود وصول وتقليصات ميزانية وتراجع القدرة على الدوريات.
٢٠١٩ — ثورة شعبية تُسقط حكم الإسلاميين بعد ثلاثة عقود؛ ومجزرة الاعتصام تصدم الضمير السوداني والعالمي.
٢٠٢٠ — إنشاء يونيتامس لدعم الانتقال المدني وبناء المؤسسات.
٢٠٢١ — انقلابٌ يطيح بالشراكة المدنية–العسكرية؛ يتعثر المسار الانتقالي.
أبريل ٢٠٢٣ — اندلاع الحرب بين الجيش (بورتسودان) والدعم السريع؛ قفزة هائلة في الاحتياجات الإنسانية.
مايو ٢٠٢٣ — إعلان جدة حول حماية المدنيين والمساعدات؛ لم يُحترم على الأرض.
ديسمبر ٢٠٢٣ — القرار ٢٧١٥: إنهاء يونيتامس بطلب السلطات، ليرحل معه المنبر السياسي الأممي.
يونيو ٢٠٢٤ — القرار ٢٧٣٦: مطالبة بفك حصار الفاشر وخفض التصعيد حولها.
سبتمبر ٢٠٢٤ — القرار ٢٧٥٠: تجديد نظام عقوبات دارفور حتى سبتمبر ٢٠٢٥.

 نوفمبر ٢٠٢٤ — فيتو روسي يُسقط مشروع قرار لوقف شامل لإطلاق النار وإتاحة الوصول الإنساني.

  أغسطس ٢٠٢٥ — بيان يرفض أي «سلطة موازية» تعلنها المليشيات، ويؤكد مسارًا مدنيًا.
الخلاصة: أنتج المجلس ولاياتٍ وضغوطًا — حظر سلاح، عقوبات، حفظ سلام، بعثة سياسية — لكن الإنفاذ ظل متقلبًا. وتشرذمُ مواقف القوى الكبرى في اللحظات الحرجة ترك المدنيين في العراء ووعود الورق بلا حماية.
الفاعلون على الأرض — وسؤال الشرعية

تحالف تأسيس السودان منصةٌ مدنية بميثاقٍ ودستورٍ مؤقت لعام ٢٠٢٥ يحددان حوكمةً إقليمية، وضماناتٍ للحقوق، وخارطة طريقٍ للانتخابات. تُميّز إدارته للمناطق: المجالس المحلية، الإشراف المدني على إصلاح الأمن، تنسيق الخدمات مع المنظمات، وتوثيق الانتهاكات.
حكومة بورتسودان (الجيش مع شبكات إسلامية) تمسك بالموانئ وإيرادات الجمارك وأجزاءٍ من جهاز الدولة، لكن شرعيتها تستند إلى القوة والمحسوبية لا إلى صناديق الاقتراع. إطلاق قيادات إسلامية بارزة زاد القلق الدولي وضيّق فرص الاعتراف.
قوات الدعم السريع — المتحالفة تكتيكيًا مع التحالف في بعض الجبهات ضد سلطات بورتسودان — متهمةٌ بفظائع في أماكن أخرى. موقف المجلس الحالي يتجنب تزكية أي فاعل مسلح، ويكرر الدعوة إلى انتقالٍ يقوده المدنيون
لكن تتأثر بتضارب المصالح بين الدول المصدّرة للسلاح.

وعي مجلس الأمن بميثاق ودستور تحالف تأسيس السودان (٢٠٢٥)
تلقى أعضاء المجلس إحاطات حول ميثاق ودستور التحالف المؤقت، الذي ينص على:

– سيادة الحكم المدني.

– الحكم الإقليمي الذاتي ضمن سودان موحد.

– الالتزام بالقانون الدولي الإنساني.

– انتقال مرحلي نحو الانتخابات.

لا توجد وثائق لمجلس الأمن تذكرها صراحة، لكن بعض الأعضاء يرونها إطارًا موثوقًا يختلف عن كل من الدعم السريع وحكومة بورتسودان.
شرعية الحكم في مناطق سيطرة التحالف
يدير التحالف مناطقه عبر:

– مجالس إقليمية منبثقة عن جمعيات محلية.

– إشراف مدني على إصلاح الأمن.

– تنسيق الخدمات الأساسية مع المنظمات والخبراء من الشتات.

– ربط العدالة والمساءلة بآليات حقوقية.

تستمد الشرعية من الحكم التشاركي والالتزام بالمبادئ الدستورية — بخلاف اعتماد بورتسودان على السيطرة العسكرية والشبكات الإسلامية.
. ميزان القوى والتوقعات
– تسيطر قوات التحالف على ممرات استراتيجية، وتعرقل إمدادات الدعم السريع، وتفتح طرقًا إنسانية.

– تحتفظ بورتسودان بالموانئ والجمارك والمؤسسات الرسمية، لكنها تواجه ضعف الإمداد الداخلي وتراجع التأييد الشعبي.

التقدير: إذا حافظ التحالف على زخمه وحصل على دعم لوجستي إقليمي، قد يصل إلى تكافؤ ميداني خلال ١٢–١٨ شهرًا، ما يزيد نفوذه التفاوضي. الإفراج عن قيادات إسلامية قد يضعف موقف بورتسودان لدى بعض القوى الدولية، ما قد يفتح المجال سياسيًا أمام البدائل المدنية.
الفاعلون الخارجيون وانعكاساتهم
الدول الأفريقية:

– موقف الاتحاد الأفريقي/إيغاد: السيادة، الوحدة، الانتقال المدني.

– لا اعتراف رسمي بعد بالتحالف، لكن توجد اتصالات غير معلنة.

الإمارات وحفتر:

– لا دليل علني على دعم التحالف؛ الاتهامات تركز على إمداد الدعم السريع — وكلاهما ينفي.

– أي تصور لرعاية خارجية قد يضعف الشرعية الداخلية للتحالف.

مصر:

– تدعم القوات المسلحة عسكريًا وسياسيًا؛ النفوذ موجود لكنه تراجع.

– الميل الإسلامي في بورتسودان يضعف صورة مصر كداعم لحكومة وطنية شاملة.

إسرائيل:

– التطبيع رهين بوجود حكم مدني موثوق.

– سودان ديمقراطي ذو صلات بالإمارات قد ينعش مسار اتفاقات أبراهام؛ هيمنة الإسلاميين ستعطله.

قطر:

– الاتهامات بصلاتها الإسلامية تؤثر على الانطباعات؛ السياسة الأمريكية تبقى متوازنة مع التركيز على الجهات المسؤولة عن الفظائع

من يدعم من — رقعة الشطرنج الإقليمية

تؤثر القوى الإقليمية والدولية في ساحة القتال وطاولة التفاوض معًا. تُشير التقارير العلنية إلى مسارات إمدادٍ مزعومة لفصائل مسلحة عبر أراضٍ خارجية (مع نفي المتهمين)، وإلى نفوذٍ مصري مستمر — وإنْ أقل — لصالح سلطات بورتسودان، وإلى دور السياسات الخليجية والإقليمية في تمكين اقتصاد الحرب أو كبحه.

هل تعلم؟
فيتو واحد من دولة دائمة العضوية يكفي لإسقاط مشروع قرار حتى لو أيّده ١٤ عضوًا.
تجمّد مسار التطبيع بين السودان وإسرائيل بعد اندلاع الحرب؛ وتراه معظم التحليلات رهينًا بحكومة مدنية ذات مصداقية.

مصير الناس — ما بين القمع والبقاء

في مناطق بورتسودان، توثّق تقارير أنماط قمع: اعتقالات تعسفية، إخفاء قسري، اغتيالات نوعية، وحرمانٌ من الخدمات على أساس الولاء السياسي — بما في ذلك رفض الوثائق، ومنع التعليم، وحرمان العلاج. إطلاق قيادات إسلامية ودمج المليشيات المتشددة يضاعف الخوف ويُضعف أي ادعاءٍ بشرعيةٍ مدنية.

في مناطق التحالف، تحاول المجالس المحلية إبقاء العيادات والمدارس مفتوحة؛ وقد فُتحت ممرات إنسانية بالتعاون مع الحلفاء. لكن الحرب الأوسع — النزوح، التضخم، وانهيار الخدمات الوطنية — تواصل إنهاك الحياة اليومية.

. التوصيات الاستراتيجية للتحالف

١. رسالة الشرعية: التماهي العلني مع مبادئ مجلس الأمن — السيادة، الوحدة، الحكم المدني، وصول المساعدات، المساءلة.

٢. مسار الاعتراف: السعي أولًا لتأييد الاتحاد الأفريقي/إيغاد، ثم الانخراط مع مجلس الأمن عبر لعمامرة.

٣. أجندة العقوبات: الدفع نحو حظر سلاح شامل، وإدراج معرقلي المساعدات ومرتكبي الفظائع.

٤. الشفافية: نشر بيانات التمويل ومصادره لدحض مزاعم الرعاية الخارجية.

٥. الأداء: تقديم خدمات وحكم ملموس في المناطق المحررة لبناء الثقة محليًا ودوليًا.

٦. التوثيق: الحفاظ على تدفق الأدلة إلى آليات الأمم المتحدة والمحاكم الوطنية لضمان استمرار المساءلة.

ماذا بعد؟ — سيناريوهات وإشارات

إذا حافظ التحالف وقواته الحليفة على زخمهم، وسيطروا على الممرات الاستراتيجية، وعرقلوا خطوط إمداد القوات المسلحة، وأبقوا الممرات الإنسانية مفتوحة، فقد يبلُغ ميزان القوى مستوى التكافؤ خلال ١٢–١٨ شهرًا. حينها قد تتجه الخريطة الدبلوماسية نحو مفاوضاتٍ يرسخ فيها الانتقال المدني — لا هيمنة الإسلاميين ولا حكم المليشيات — قواعد اللعبة.
المراجع
بيان مجلس الأمن، ١٣ أغسطس ٢٠٢٥ (مكتب المتحدث باسم الأمين العام).

قرارات مجلس الأمن: ١٥٥٦ (٢٠٠٤)، ١٥٩١ (٢٠٠٥)، ١٧٠٦ (٢٠٠٦)، ١٧٦٩ (٢٠٠٧)، ٢٧١٥ (٢٠٢٣)، ٢٧٣٦ (٢٠٢٤)، ٢٧٥٠ (٢٠٢٤.

تقارير فريق الخبراء المعني بالسودان (٢٠١٠–٢٠٢٤).

إعلان جدة (مايو ٢٠٢٣) وتقارير الامتثال اللاحقة.

بيانات مجلس السلم والأمن الإفريقي حول السودان (٢٠٢٣–٢٠٢٥).

(تم الاعتماد على دعم الذكاء الاصطناعي في المعلومات والمواد الوثائقية والإحصائية).

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..