
حسب الرسول العوض إبراهيم
في خطوة غير متوقعة جرى لقاء سري بين رئيس مجلس السيادة السوداني عبد الفتاح البرهان ومبعوث الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، مسعد بولس، في سويسرا بعيداً عن أعين الإعلام ودوائر النفوذ. اللقاء لم يُكشف عنه إلا بعد أن انتهى في دلالة واضحة على حجم الحساسية التي أحاطت به وعلى التخوف من ردود الفعل داخل معسكر داعمي استمرار الحرب خاصة الإسلاميين الحليف الأبرز للبرهان في الحرب الدائرة منذ أبريل 2023.
الولايات المتحدة التي تدرك أن البرهان واقع تحت قبضة الإسلاميين خططت للقاء بدقة ، فرتبته في سرية تامة ونقلت البرهان إلى سويسرا عبر قطر ، اختيار الدوحة لم يكن مصادفة بل جاء لاعتبارات تمويهية، فباعتبارها حليفاً وثيقاً للإسلاميين بدا إشراكها في العملية غطاءً مثالياً يحجب حقيقة الهدف ، إضافة لكونها من أقوى حلفاء الجيش في هذه الحرب.
هذا الترتيب الأمريكي المحكم أربك معسكر الإسلاميين الداعم للحرب. فحين تسرب الخبر ، تباينت ردود فعلهم بين الصدمة والإنكار. بعضهم سارع إلى النفي لا لقناعته بعدم حدوث اللقاء بل في محاولة لتقليل وقع المفاجأة على صفوفهم ، آخرون تعمدوا تسريبه لجهات غير موالية لهم ، ليتجنبوا غضب شركائهم في تحالف الحرب.
وراء السرية أيضاً رسالة سياسية واضحة وهي ان البرهان لديه على الأقل في هذه اللحظة رغبة في إيجاد حل للأزمة ، لكنه عاجز عن المجاهرة بأي خطوة تفاوضية خشية رد فعل الإسلاميين الذين يرون في أي حوار حقيقي بداية النهاية لوجودهم في المشهد السياسي. هذه الحساسية ظهرت بوضوح بعد تأكد اللقاء، حين خرجت أصوات إسلامية تتوعد البرهان إذا أقدم على تسوية تستبعدهم من المشهد ، فيما حاول آخرون التقليل من أهميته بحجة أن البرهان لن يقبل بأي تفاوض خارج شروطهم.
لكن على النقيض، كان الشارع السوداني أكثر انفتاحاً على الخطوة إذ اعتبر كثيرون اللقاء بداية أمل لوقف الحرب، ورحبت به قوى سياسية بارزة بينها تحالف “القوى المدنية “صمود” الذي وصفه بالخطوة في الاتجاه الصحيح. وبالتوازي تراجعت الحملات العدائية على منصات التواصل الاجتماعي ضد أي مبادرة تفاوضية ، وكان ذلك بسبب الحملات التضليلية التي تقودها الجماعة ، في إشارة إلى أن الرأي العام بات منهكاً من استمرار القتال وتدهور الوضع المعيشي والأمني.
غير أن ما جعل اللقاء أكثر ثقلاً هو تزامنه مع عوامل ضغط متزايدة على الإسلاميين. فمن جهة يسعى الكونغرس الأمريكي لإصدار تشريع يصنف جماعة الإخوان المسلمين منظمة إرهابية، وهو تطور كفيل بإرباك حساباتهم وتقليص هامش مناورتهم. ومن جهة أخرى جاء اعتقال قائد كتائب البراء المتشددة المتهمة بارتكاب جرائم حرب ، في مصر ليشكل صفعة قوية للتنظيم، ويشتت أفكار قياداته ويعزز الإحساس بأن دائرة الخناق الدولية تضيق عليهم يوماً بعد يوم.
هذه المعطيات تجعل من لقاء سويسرا محطة مفصلية، فإما أن تكون بداية مسار تفاوضي يؤدي إلى وقف الحرب أو تتحول إلى فرصة ضائعة أخرى في سجل الصراع السوداني. ويبقى السؤال الأخطر : هل يملك البرهان الشجاعة لفك ارتباطه بالإسلاميين والمضي في الطريق حتى نهايته؟ أم أنه سيعود إلى لعبته المألوفة في المراوغة وكسب الوقت؟
التاريخ لا يرحم المترددين ، والكرة الآن في ملعب البرهان ، إما أن يسدد هدف السلام أو يخلد اسمه في قائمة من اختاروا أن يكونوا أسرى تحالفات الدم على حساب مستقبل وطن يئن تحت الركام.