مقالات وآراء

مفارقات الحرب السودانية بين الاستنكار والفهم والتشبث بالأمل

عبد القادر محمد أحمد  المحامي

 أتعجب ممن يبحثون في المقالات أكثر مما تحتمل، فالمقال لا يتعدى كونه تكرار المعلوم، أو نقدًا لموقف، أو تعبيرًا عن رأي، أو إعادة صياغة الأحداث، وكل ذلك يهدف إلى إحداث الحراك المطلوب ولتبقى القضية على السطح، بينما يقرؤه بعض الناس بحثًا عن تصورٍ لحلٍّ يخرجهم من الأزمة، أو خبرٍ يبشر بانفراج قريب، وصاحب المقال بدوره يبحث عن ذلك المفقود.
أتعجب حين أرى مفكرًا مثل د. عبد الله علي إبراهيم، يقف إلى جانب تحالف الجيش ويهتف: “نعم للحرب”، وفي الجانب الآخر يقف مفكر آخر مثل د. النور حمد إلى جانب تحالف “تأسيس” ويردد ذات الهتاف. أستنكر ذلك، غير أنني لا أستطيع أن أتجاهل الأسباب والتعقيدات التي دفعتهم إلى هذه المرحلة.
أتعجب حين أرى مثقفًا وأكاديميًا بارزًا مثل د. مهدي أمين التوم، يرى أن حل الأزمة السودانية يكمن في وضع البلاد تحت الوصاية الدولية. أستنكر ذلك، لكنني لا أستطيع تجاهل الأسباب وتحليله المتماسك للواقع السوداني منذ الاستقلال، لتأكيد أن هذه الحرب نتيجة فشل موروث ومتراكم، نتيجته هذه الحرب.
أتعجب من الذين يرفضون منطق الحفاظ على الجيش كمؤسسة عسكرية وطنية، حتى لو تبقى فيه جندي واحد غير مؤدلج. ثم أصاب بالحيرة عندما أدرك أن المستفيد من موقفي هو ذات الجهة المهيمنة على الجيش، وهي تبحث الآن عن ذلك الجندي الوحيد غير المؤدلج للتخلص منه.
أتعجب من الذين يرفضون التوافق بين جميع السودانيين حفاظًا على البلد من الضياع، ثم أصاب بالحيرة عندما أدرك أن الإسلاميين يسخرون من ذلك، وهم ليسوا مستعدين للاعتذار أو التخلي عن “مكتسباتهم”، بل يسعون للمزيد من الهيمنة والتمكين على حطام البلد وأشلاء الضحايا.
أتعجب من الذين يرفضون تعيين د. كامل رئيسًا لحكومة كفاءات مستقلة بحجة الشرعية، في وقت المواطن بأمسّ الحاجة إلى حكومة توفر الأساسيات وتقلل الفساد. ثم أصاب بالحيرة حين يتولى د. كامل حكومة مؤدلجة، ليذوب هو وحكومته وسط الفوضى، وربما استغلاله في مواقف تمس الوطنية.
أتعجب من الذين يرفضون التفاوض مع البرهان لإنقاذ البلد مهما كان حجم التنازلات، ثم أصاب بالحيرة عندما أراه مندفعًا في معركة السلطة، بالاستعانة بالخارج وبالتنازل عن التراب وغير مبالٍ بما يحدث للوطن والمواطن، ولا يتلعثم في اتهام الآخرين بعدم الوطنية. أتعجب من الذين يرفضون التفاوض مع الدعم السريع، ويدقون طبول الحرب لهزيمته، وهم يعلمون استحالة ذلك. ولو حدث، سيظل الدعم السريع موجودًا، فهو لم يعد مجرد قوة عسكرية، بل له داخل هذا البلد جذور اجتماعية وجهوية وقبلية، يستحيل إنكارها أو إقصاؤها.
أتعجب من تشتت القوى المدنية وهم يعلمون أن دعاة الحرب وخصوم الثورة هم المستفيدون، وأن الخلافات الفكرية أو غيرها لا تحول دون الوحدة المرحلية التي تعطي المصداقية والاهتمام الخارجي، وما يمكن أن يؤدي إلى إنهاء الحرب وإنقاذ الضحايا واستعادة مسار الثورة.
أتعجب لمن بلغ السبعين من عمره ولا يزال يجادل بالباطل، ويتبع هوى نفسه وخط حزبه الذي يسعى لتدمير وطنه وقتل وتشريد شعبه، حمايةً لمكاسب خاصة لن تصاحبه إلى قبره، ولن تشرف أحدًا من ورثته.ورغم قسوة المحن وثقل التحديات، يبقى الأمل في الله جل وعلا، وفي قدرة هذا الشعب وتماسكه، أعظم من كل الصعاب وأقوى من كل التحديات.

تعليق واحد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..