أخبار السودان

تحذيرات من فشل الموسم الزراعي في السودان لشُحّ التمويل

تقرير: سليمان سري
حذّر مزارعون من احتمال حدوث مجاعة في السودان بسبب عدم تمويل مزارعي القطاع المطري بولاية القضارف لتوفير مدخلات الإنتاج التي تواجه ارتفاعاً متصاعداً في الأسعار، نتيجة لسياسات بنك السودان وإجراءات البنك الزراعي السوداني.

وقال أحمد إمام العوض، مساعد الأمين العام لتجمع مزارعي الزراعة المطرية بـ”الحواتة” بمحلية الرهد بولاية القضارف، في مقابلة مع “راديو دبنقا”: إن هنالك مجاعة وشيكة تلوح في الأفق ما لم تتدخل الدولة، ممثلة في أعلى سلطاتها، المجلس السيادي الانتقالي ووزارتي المالية والزراعة والجهات ذات الصلة، تدخلاً عاجلاً لتدارك الأوضاع قبل فوات الأوان.

وأرجع إمام العوض أسباب الأزمة إلى سياسات بنك السودان وتغيير إدارة البنك الزراعي بالتزامن مع انطلاقة الموسم الزراعي، الأمر الذي أعاق التمويل وأدى إلى شلل كبير في عمليات الزراعة.

وقال العوض: إن شركة النيل للبترول لم توفر سوى ألف برميل وقود فقط على مستوى السودان بأكمله، وهي كمية وصفها بأنها غير كافية إطلاقاً.

وأضاف أن المنطقة الغربية من ولاية القضارف تعتمد بشكل أساسي على البنك الزراعي لعدم وجود بنوك تجارية أخرى، بخلاف مدينة القضارف والمناطق الشرقية والجنوبية التي تتوفر فيها مصارف متعددة تساهم في تمويل المزارعين.

المزارعون يرفدون الخزينة

وأوضح أن مزارعي المنطقة الغربية واجهوا في الموسم السابق تحديات قاسية، تمثلت في ويلات الحرب واستقبال النازحين، ورغم وجود مؤشرات على مجاعة إلا أن الإنتاجية كانت جيدة.

وتابع قائلاً: إن انخفاض الأسعار أدخل المزارعين في دائرة الخسائر والإعسار، فاضطروا إلى الاستدانة أملاً في الحصول على تمويل من البنك الزراعي لتغطية عمليات الموسم الجديد.

ولفت العوض إلى أن المزارعين في المنطقة الغربية يرفدون خزينة الدولة بتحصيلات كبيرة، مشيراً إلى أن نسبة التحصيل بديوان الزكاة في ولاية القضارف خلال النصف الأول من العام بلغت 88 تريليون جنيه، مثّلت زكاة الزروع وحدها 93% منها.

الموسم انقضى

كما أوضح أن جوال اللب “التسالي” تُفرض عليه رسوم ولائية تصل إلى 11.5 ألف جنيه، وعند التصدير تُضاف رسوم أخرى بقيمة 9 آلاف ليصل الإجمالي إلى 21.5 ألف جنيه، لكنه نوه إلى أن الدولة لن تتمكن هذا العام من تحصيل هذه الرسوم نتيجة خروج المزارعين من دائرة الإنتاج بسبب شُحّ الوقود.

وأكد مساعد الأمين العام لمزارعي الزراعة المطرية بالقضارف أن موسم الخريف قد انقضى، ما أدى إلى خروج المزارعين من دائرة إنتاج المحاصيل النقدية مثل الدخن والسمسم بشكل واسع، والاكتفاء بزراعة الذرة الرفيعة واللب، معتبراً ذلك مؤشراً خطيراً على تراجع الأمن الغذائي.
وتطرق العوض للحديث عن شكاوى المزارعين وما يواجهونه من تعقيدات إدارية وصفها بـ”العقيمة”، قائلاً إنها تدفع المزارعين نحو الإعسار، حيث يضطر المزارع لدفع رسوم متكررة تشمل: 700 ألف جنيه للتجديد، ومثلها لإدارة الزراعة الآلية، بينما يدفع 1.2 مليار جنيه رسوم للإدارة القانونية لكل ألف فدان، فضلاً عن 1.176 مليار جنيه رسوم تأمين إجباري.

4.5 مليار مقابل 20 برميلاً من الجاز

وأوضح أن المزارع إذا أراد الحصول على تمويل من البنك الزراعي، فعليه دفع مبلغ 4.5 مليار جنيه مقابل 20 برميلاً من الجاز فقط، حتى لو كان يمتلك 20 ألف فدان، إضافة إلى رسوم أخرى تبلغ مجتمعة 480 ألف جنيه، فضلاً عن رسوم إضافية في حال كان الضامن مديوناً تصل إلى 140 ألف جنيه.

وانتقد العوض هذه التعقيدات، مؤكداً أن الواجب على الحكومة توفير الوقود مجاناً طالما أنها تتحصل من المزارعين تلك الرسوم المتعددة.

وقال مساعد الأمين العام لتجمع مزارعي الزراعة المطرية بالقضارف، أحمد إمام العوض، إن فترة سيطرة قوات الدعم السريع على ولايتي الجزيرة وسنار شهدت نسبة تمويل أعلى بكثير مقارنة بالموسم الحالي.

وأكد أنهم توفرت لديهم معلومات تفيد بتعاقد البنك الزراعي مع شركة النيل للبترول لتوفير كميات كبيرة من الوقود، لكن ما وصل فعلياً لا يتجاوز ألف برميل فقط. وحذر من أن المجاعة المقبلة ستكون أشد قسوة من آثار الحرب إذا لم يتم التدخل الفوري من المجلس السيادي.

موسم فاشل بنسبة 100%

من جانبه، قال نائب رئيس اتحاد مزارعي القطاع المطري، غريق كمبال، إنه التقى نائب رئيس مجلس السيادة مالك عقار لطرح مشاكل الموسم الزراعي الحالي والتحذير من فشله، غير أن رد عقار كان مقتضباً بقوله: “لا توجد زراعة، فقد انتهى وقتها”.

وقال كمبال إنه سلم مذكرة لوزير المالية جبريل إبراهيم تتعلق بتمويل الموسم الزراعي، والتقاه لاحقاً في مناسبة خاصة وأطلعه على مشاكل المزارعين، إلا أن جبريل أبلغه بأن “الزراعة وقتها قد فات”، مشيراً إلى أنه رفض دعوته لعقد اجتماع مشترك يضم المزارعين والبنك الزراعي تحت إشرافه.

وأوضح أن الوزير اكتفى بتوجيه شركة النيل للبترول لتوفير ألف برميل من الوقود، وهو ما اعتبره غير مجدٍ.
وأكد أن الحرب الدائرة في ولايات دارفور وكردفان أسهمت في تقليص المساحات المزروعة، خاصة محاصيل الدخن والفول السوداني والكركدي، وهي محاصيل تقليدية يعتمد عليها أكثر من ثلث سكان السودان كمصدر رئيسي للغذاء. وأضاف أن هذه الزراعات توقفت تماماً، ما ينذر بأزمة غذائية خطيرة، لاسيما في مناطق سيطرة الحركة الشعبية وقوات الدعم السريع.

كارثة إنسانية

ولم يستبعد كمبال حدوث كارثة إنسانية كتلك التي تشهدها مدن الفاشر والدلنج وكادقلي، واصفاً ما يجري بـ”حرب التجويع”. ودعا إلى فك الحصار عن الفاشر ووقف استهداف المدنيين الأبرياء، مطالباً الأطراف المتحاربة بخوض حرب نزيهة ضد القوات المسلحة والقوات الأخرى التي تحمل السلاح بدلاً من محاصرة وتجويع المدنيين العزل.

كما ناشد المجتمع الدولي ووكالات الأمم المتحدة والمنظمات المعنية بحماية حقوق الإنسان بالتدخل العاجل لفك الحصار عن أكثر من مليون مواطن في الفاشر، معظمهم من النساء والأطفال، داعياً إلى تطبيق القانون الدولي على من يمنعون وصول السلع والإغاثة إليهم.

وفي المقابل، أشار كمبال إلى أن المناطق الخاضعة لسيطرة الجيش في جنوب كردفان والنيل الأزرق والأبيض والقضارف والجزيرة وسنار يُتوقع أن تشهد إنتاجية عالية مع ارتفاع معدلات الأمطار، لكنه استدرك قائلاً إن هناك صعوبة في إيصال المحاصيل إلى المناطق المحاصرة، ما يفاقم الأزمة الإنسانية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..