
يعتبر الدكتور النور حمد من ابرز الشخصيات السياسية والفكرية السودانية المعاصرة التي ساهمت في بث الوعي والاستنارة وطرقت ابواب مغلقة أمام دعاة التغيير وقد أصبح من أهم الشخصيات الفكرية التي اثارت كثير من القضايا المسكوت عنها والتي تحتاج لتسليط الضوء عليها وقد قدم رؤي ممتازة لمنتوج فكري و فلسفي شكل وعي السودانيين خصوصا في تشكيل الرأي العام لدي الطليعة المثقفة التي تصدت لعملية قيادة الجماهير نحو الإصلاح و التغيير بحثا عن قيم الحرية والعدل والمساواة في بلاد ظلت تقبع تحت وطأة الاستبداد و الديكتاتوريات المستجيبة للأهواء و الميل الي فرض رؤي وتصورات علي ذهنية الشعب تجعله يتعايش مع سلطة الاستبداد ويقبل الظلم والفساد تحت مبررات واهية وأحكام فطيرة مثل عدم جواز الخروج على الحاكم الظالم و إن جلد ظهرك واخذ مالك…. لتظل الجماهير خاضعة لإرادته يحركها كيفما شاء ويوجهها نحو ما أراد
ولئن كانت الطلائع المثقفة من دعاة التغيير و الإصلاح نحو التحرر الوطني والقومي وترسيخ ثقافة الديمقراطيات قد قاوموا كل ذلك وناهضوا بهمة وناضلوا ببسالة لمحاصرة دوائر الرجعية وبؤر التخلف لينتصروا لقيم الحرية والجمال والسوية في الحقوق فإنهم في مشروعهم النضالي قد اعتمدوا علي الوسائل السلمية في رفض الظلم والاستبداد وقد عبّروا عن ذلك بالتظاهر السلمي والعصيان المدني و الاضراب السياسي العام وقد حققوا مرادهم في إسقاط الأنظمة الشمولية المستبدة وانتصروا لارادة التغيير الذي لم يبلغ غاياته بعد لان الشقة كبيرة بين الواقع المرير الذي افرزته تجارب التغيير بعد هذه الثورات العظيمه وبين التطلعات والطموح ولعل هذا الامر قد أيأس البعض لذلك منهم من يرى ان الثورة السلمية غير كافية في انجاز التغيير
والدكتور النور حمد واحدا من رجالات التغيير لكن يبدو ان اليأس قد تسرب الي قلبه وعقله وشل تفكيره والتبس عليه الأمر مما جعله ينحو منحى جديد كما ورد في مقاله الاخير حيث ذهب مذهباً غريباً عن مسار الثورة السلمية التي انتصرت في كثير من محطات المواجهة مع سلطة الاستبداد في أكتوبر ١٩٦٤ وفي مارس و ابريل ١٩٨٥م وفي سبتمبر ٢٠١٣م واخيرا ازاحت نظام الثلاثين من يونيو الإجرامي ١٩٨٩م في ابريل ٢٠١٩م
فعندما تتحالف القوى الحديثة مع الجماهير تستطيع قيادتها لاحداث التغيير وتحركها نحو الانتفاض لإسقاط الدكتاتورية وبالوسائل السلمية حفاظا علي السلامة العامة للمجتمع والدولة
إن انتصار إرادة الشعبِ في انتفاضاته وثوراته السلمية بداية بثورة اكتوبر التي انقدحت منها شرارة الديمقراطية وفاح مسكها مروراً بكل الأحداث الثورية والمحطات النضالية المؤثرة في ارباك سلطة الاستبداد وصولاً الي ثورة ديسمبر المجيدة السلمية أكدت لنا بما لا يدع مجالاً للشك أن التغيير يمكن أن ينجز عبر الوسائل السلمية وان سيف الظلم مكسور وان مؤسسات الدولة خصوصاً القوات المسلحة لا تستطيع هزيمة إرادة الجماهير الحرة في التغيير وانها في لحظات مفصلية تضطر مجبرة على الاستجابة لرغبة التغيير مهما كانت شدةمعارضتها لاتجاه الثورة كما حدث مؤخرا في ابريل ٢٠١٩م
واليوم النور حمد يحدثنا حديث العارف الواثق أن الثورة لتنتصر لاتجاهها ومبادئها تحتاج لذراع عسكري راكلا كل الرصيد النضالي السلمي وغير معتد به وكأن الثورة قد توففت في محطة حرب ١٥ أبريل و يشير في مقاله الاخير إلى أن إيقاف الحرب قد يتم مقايضته بخسارة الثورة إذا لم يتم تحقيق الأهداف الأساسية للثورة مثل خروج الجيش من السلطة وتفكيك المليشيات وإقامة جيش مهني واحد ومع ذلك يبدو أن هذا الطرح يتناقض مع تجربة الثورة السلمية التي أثبتت نجاحها في إسقاط الأنظمة الطاغية في السودان اذا ما اشترطنا تحقيقه عبر فوهة البنادق
فالتاريخ السياسي السوداني يشهد على ان الثورات السلمية قد نجحت في تحقيق التغيير كما حدث في أكتوبر 1964 وأبريل 1985م وديسمبر 2018م رغم ما وقع بعد ذلك من احداث لقطع الطريق امامها لتنحرف عن مسارها الصحيح
فهذه الثورات أظهرت قدرة الشعب السوداني على التعبير عن إرادته دون اللجوء إلى العنف ومكنته من إسقاط الأنظمة الشمولية المستبدة
غير ان قوات الدعم السريع التي يدعو النور حمد للاعتماد عليها كأداة من أدوات التغيير تعتبر هي وقيادتها وحلفائها من القوي المعادية للثورة فقوات الدعم السريع منذ نشأتها الأولى قد ارتكبت جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية وابادات جماعية في دارفور وفي عاصمة البلاد شاركت في جريمة العصر مجزرة القيادة العامة مما يجعل من الصعب التسامح معها او قبولها او حتي اعتبارها جزءًا من الحل خصوصا هي ومن يقف خلفها كانت فاعل رئيس واساسي في إنقلاب ٢٥ اكتوبر الذي مهدت له بحشد السند والتأييد من القوي الرجعية وبعض من الطرق الصوفية والادارات الاهلية واستجلبت مهاجرين جدد لتغيير التركيبة السكانية في مناطق بعينها من اقليم دارفور بيد ان سلوكها الإجرامي بعد حرب ١٥ ابريل من قتل ونهب وسلب واغتصاب وتهجير قسري وقتل علي الهوية والانتماء جعلها قوي منبوذة لدي جماهير الشعب السوداني خصوصا في مناطق جغرافية تدّعي ان سكانها يمثلون حواضن اجتماعية لها ويؤمنون بادعائها الكاذب في انها انما تريد جلب الديمقراطية وتحقيق السلام
إن الاعتماد على هذه القوات كما يطرح النور حمد، قد يؤدي إلى نتائج كارثية ويتسبب في هتك النسيج الاجتماعي ويعزز من الاصطفاف الجهوي خلف امراء الحرب حيث إنها تمثل قوة همجية بربرية تترية جهوية معادية للثورة معادية لوحدة السودان وتعافيه الوطني وترتبط بقوى إقليمية و دولية تهدف إلى زعزعة الامن والاستقرار في السودان بل تسعي لتقسيمه وتمزيق وجدانه الموحد لصالح الوحدة والتعايش السلمي بسلام
بدلاً من الانكسار والاستجابة لدعاة الحرب والاصطفاف الي جانبهم كان يمكن للدكتور النور حمد ان يدعو الي التركيز على تعزيز الحراك السلمي والعمل السياسي لاستعادة الشرعية الثورية بوحدة وتوحد قوي الثورة والقوي المدنية المؤمنة بالتحول المدني الديمقراطي وتحقيق أهداف الثورة المجيدة بالطرق السلمية المجربة التي أثبتت أنها وسائل ذات قوة فاعلة وفعالة في التغيير وتمكن الشعب من التعبير عن إرادته دون اللجوء إلى استخدام العنف او الاتجاه نحو خيار حمل السلاح
فالسلمية تظل هي الخيار الأمثل والافضل لتحقيق التغيير في السودان لتنوعه الثقافي وتعدده الديني مع ضرورة الحفاظ على وحدة قوي الثورة وتماسك النسيج الاجتماعي للشعب ووحدته الشعورية في حرصه على تحقيق أهداف الثورة في العدل والحرية والسلام والتنمية المتوازنة والمشاركة في الإدارة والحكم بسوية
عليه يبدو أن طرح النور حمد يحتاج إلى إعادة نظر ان كان طرح تكتيكي ويرفض ان كان طرح استراتيجي فهو يخالف منهج الثورة السلمية في التغيير باعتماد الوسائل السلمية الشرعية المجربة التي أثبتت نجاحها في تحقيق التغيير كما يجب عدم تمكين القوي المعادية للثورة من التحدث باسمها او اختراق صفها او محاولة سرقتها وتجيرها لصالح قوي انتهازية رجعية متخلفة مجرمة لا تؤمن بوحدة السودان ارضا وشعبا.