في وداع الأب والمعلم: البروفيسور عبد الحميد محمد لطفي

مازن أبو الحسن
بكل حزن وأسى، ننعى رحيل العالم الجليل البروفيسور عبد الحميد محمد لطفي، الذي انتقل إلى رحمة الله يوم الخميس 14 أغسطس 2025 بمدينة هيرندون بولاية فرجينيا الأمريكية، عن عمر ناهز 91 عاماً.
جمعتنا بأسرة الفقيد العم عبد الحميد لطفي روابط أسرية قديمة، فقد تجاورنا سوياً في سكن مستشفى الملك فهد الجامعي بمدينة الخبر – المملكة العربية السعودية، لمدة أربعة عشر عاماً، حتى شعرنا وكأننا جزء من أسرة كبيرة.
ومع انتقالي إلى الولايات المتحدة، ازدادت معرفتي به قرباً منذ قدومي إلى هنا في فبراير 2022، حيث كان يقيم مع ابنته الدكتورة سُلاف في ولاية فرجينيا.
كان حاضراً دوماً في الفعاليات السودانية، مشاركاً بحيوية واهتمام، متواضعاً ومرحاً، صاحب روح طيبة متفائلة. لم يكن يتوانى عن المجاملة اللطيفة والابتسامة الصافية، وقد جمعتني به لقاءات شخصية كثيرة تركت في نفسي أثراً جميلاً وذكريات لا تُنسى.
النشأة والتعليم
– وُلد الفقيد ونشأ في مدينة أم درمان – حي العمدة، حيث ترعرع وسط قيم المجتمع السوداني الأصيل. أكمل تعليمه الثانوي في مدرسة وادي سيدنا، وتمكّن من الحصول على شهادة كمبردج الثانوية البريطانية، التي كانت في ذلك الوقت من أرفع الشهادات التعليمية.
– البروفيسور عبد الحميد محمد لطفي ينتمي إلى الرعيل القديم للأطباء السودانيين، ففي عام 1953 التحق بكلية الطب بجامعة الخرطوم إبّان فترة الحكم الثنائي الإنجليزي–المصري، وكان ضمن دفعة صغيرة ضمّت 16 طالباً فقط من مختلف أنحاء السودان، وهو ما يعكس خصوصية ذلك الجيل من الأطباء.
التخصص في بريطانيا
ابتُعث البروفيسور لطفي إلى المملكة المتحدة لإكمال دراساته العليا، حيث حصل على زمالة في الجراحة، ثم نال درجة الدكتوراه من جامعة الملكة. هذه المرحلة رسّخت مكانته العلمية وصقلت شخصيته الأكاديمية.
بعض محطاته الأكاديمية والمهنية
– بعد عودته من بريطانيا، عمل أستاذاً محاضراً بكلية الطب – جامعة الخرطوم، وأسهم في تكوين أجيال من الأطباء السودانيين.
– عام 1976 التحق بجامعة أيوا (Iowa) في الولايات المتحدة، وحصل في سنته الأولى على جائزة Teacher of the Year Award على مستوى الكلية، تقديراً لتميّزه في التدريس والبحث العلمي.
– وكان من المؤسسين الأوائل لكلية الطب بجامعة الملك فيصل في الدمام – المملكة العربية السعودية، حيث شغل منصب عميد الشؤون الأكاديمية وأستاذ علم التشريح، مواصلاً رسالته التعليمية هناك أكثر من أربعة عقود متواصلة (1977–2018).
الخدمة الوطنية والمشاركات
لم يقتصر عطاؤه على الجانب الأكاديمي، بل امتد إلى خدمة الوطن. ففي عام 1961 شارك ضمن بعثة القوات العربية المشتركة التي أرسلتها جامعة الدول العربية، حيث عمل جراحاً في السلاح الطبي السوداني بمهمة للفصل بين العراق والكويت خلال الأزمة التي نشبت عند اعلان استقلال الكويت عن الحماية البريطانية ومطالبة الرئيس العراقوي الاسبق عبدم الكريم قاسم بضم الكويت الى بلاده، مسجلاً حضوراً مشهوداً في لحظة دقيقة من تاريخ المنطقة.
أثره على طلابه وأبنائه
نعاه أجيال من تلاميذه الأطباء الذين تتلمذوا على يديه في جامعة الملك فيصل، وانتشروا اليوم في أرجاء العالم، يذكرون فضله العظيم عليهم، ويؤكدون أنه لم يكن مجرد أستاذ علمهم الطب، بل كان أباً ومعلماً وموجهاً للحياة. كما نعاه أبناء وطنه في السودان، الذين رأوا فيه وجهاً مضيئاً للعلم والعطاء والالتزام.
رحيل يوجع القلوب
برحيل البروفيسور عبد الحميد محمد لطفي، يفقد السودان واحداً من أبرز أعلام الطب والتعليم الطبي. سيظل إرثه العلمي والإنساني شاهداً على مسيرة ناصعة من العطاء، وملهماً للأجيال القادمة، مؤكداً أن قيمة الإنسان تُقاس بما يتركه من أثر خالد.
رحم الله المعلم الوالد، وألهم أسرته الكبيرة في السودان والسعودية وأمريكا جميل الصبر وحسن العزاء.
إنا لله وإنا إليه راجعون
السودانية نيوز