ثقافة وفنون

برنامج “مراجعات” يفكك البنية التنظيمية للإخوان

إعلام الإخوان المسلمين يُعد أحد أهم أدوات الجماعة في التعبئة والتأثير على الرأي العام، حيث تطورت أساليبه عبر العقود فقد استغلت الجماعة مختلف الوسائل الإعلامية لتحقيق أهدافها السياسية. ويسلط برنامج “مراجعات” للدكتور ضياء رشوان الضوء على تجربة المنشقين عن الجماعة، كاشفًا الأبعاد الحقيقية لفكرها وأسلوب عملها، ما يعزز فهم ظاهرة الإسلام السياسي من الداخل.

يعد برنامج “مراجعات” الذي يقدمه الكاتب الصحافي المصري الدكتور ضياء رشوان على شاشة “العربية” نموذجًا فريدًا في فهم ظاهرة الإسلام السياسي من الداخل، لاسيما جماعة الإخوان المسلمين.

ومن خلال لقاءات مع منشقين سابقين عن الجماعة، يقدم رشوان تحليلا معمقا لمنظومة التفكير والتنظيم داخل الجماعة، وكيفية استغلالها للإعلام كأداة إستراتيجية لتحقيق أهدافها السياسية، لا سيما في فترة ما بعد أحداث 2011.

ويمثل البرنامج مرجعا هاما يكشف عن آليات الاستقطاب والتجنيد التي اعتمدتها الجماعة، ومدى تغلغلها في مؤسسات الدولة بهدف السيطرة على الحكم، وهو ما يفسر الهجوم الشرس الذي تعرض له من إعلام الجماعة، لكنه في الوقت نفسه يؤكد التزام رشوان بقضية وطنية لا تقبل المساومة أو التراجع.

وفي كتابه الأخير «الإخوان.. إعلام ما بعد السقوط»، الذي صدر في أبريل الماضي عن مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة، يعرض رشوان تحليلا متعمقا لدور الإعلام في إستراتيجية الإخوان منذ تأسيسهم وحتى السقوط السياسي في مصر بعد ثورة 30 يونيو 2013.

ويوضح الكتاب كيف كان الإعلام أداة حيوية للجماعة في الدعاية، التحريض، والتعبئة الجماهيرية، متتبعًا تطور الوسائل الإعلامية التي استخدمتها الجماعة بدءًا من المجلات والصحف التقليدية إلى المنصات الرقمية الحديثة.

ومع تراجع نفوذ الجماعة داخل مصر، تغيرت طبيعة الإعلام الإخواني ليصبح منصّبًا على التحريض ضد الدولة المصرية ومحاولة زعزعة استقرارها.

ويحلل الكتاب الإعلام الإخواني في أربعة محاور رئيسية، تشمل علاقته بالإرهاب، هيكلية إنتاجه، أهدافه، وواقع تأثيره، مع التركيز على الفشل النسبي الذي مني به هذا الإعلام في تحقيق أهدافه السياسية، بسبب قصوره في تحليل الواقع وعدم قدرته على كسب جمهور واسع رغم محاولاته المستمرة.

ويتناول رشوان في تحليله الجانب النفسي والسياسي للإعلام الإخواني، مشيرا إلى اعتماده على التضليل، الفبركة، ونشر الإشاعات، مستغلاً هشاشة بعض فئات المجتمع وضعف الثقافة النقدية فيها، خصوصًا عند استغلال الخطاب الديني لتفسير قضايا اجتماعية واقتصادية معقدة.

ويبرز رشوان أهمية شهادات المنشقين عن الجماعة، الذين يصفهم بأنهم أصحاب تجربة حقيقية داخل الجماعة، ممن انضموا لأسباب تتعلق بالعمل العام والمصلحة الوطنية، لكنهم سرعان ما انفضوا عن التنظيم بعد إدراكهم لأهدافه الحقيقية التي تتمحور حول السيطرة السياسية لا الخدمة الدينية.

ويمثل برنامج «مراجعات» منصة فريدة تتيح كشف الطبيعة الحقيقية للجماعة التي تنكرها منذ تأسيسها عام 1928 على يد حسن البنا، إذ يوضح كيف أن التنظيم الخاص السري كان أداة عنف أساسية داخل الجماعة، وأن الشعارات الدينية كانت مجرد غطاء دعاية لتحقيق السيطرة السياسية.

وتأتي هذه الرؤية المتعمقة لتسلط الضوء على المخاطر التي يمثلها المشروع الإخواني على الدولة الوطنية المصرية والمنطقة عموما، مما يفسر استمرار اهتمام رشوان بهذا الموضوع وخطورته، خاصة في ظل استمرار نشاط الجماعة في الخارج.

ويعتمد نجاح برنامج «مراجعات» على خبرة رشوان الطويلة ليس فقط كصحافي ومقدم برامج، بل كباحث وخبير إستراتيجي له تاريخ في مراكز البحث والأكاديمية ومواجهة الإرهاب، وهو ما أتاح له تقديم تحليلات ثرية ومتوازنة تعكس تعقيدات الظاهرة الإخوانية على المستويات الفكرية والتنظيمية والإعلامية.

ويقدم التقرير رؤية نقدية متعمقة لماهية جماعة الإخوان المسلمين عبر دراسة إعلامها وأدواتها الفكرية، ويبرز الدور الحاسم للبرنامج الإعلامي في تفكيك الخطاب الإخواني من الداخل، ما يتيح فهماً أفضل لكيفية مواجهة تطرفها، وضمان حماية الدولة الوطنية من محاولات التسلل والسيطرة.

وترتبط ظاهرة الإسلام السياسي، وبخاصة تنظيم الإخوان المسلمين، بتاريخ طويل من التداخل بين الدعوي والسياسي، وهو ما يجعل دراسة إعلام الجماعة ضرورة لفهم البنية الأيديولوجية التي تحكم توجهها. فالجماعة منذ تأسيسها لم تفصل يومًا بين أهدافها الدينية المعلنة وطموحاتها السياسية المستترة، بل استخدمت أدوات الخطاب الديني كوسيلة مشروعة للتمدد داخل المجتمعات، ومن ثم داخل الدولة.

وإذا كانت العقود الأولى من نشأة الجماعة قد اعتمدت على الإعلام الورقي من صحف ونشرات لتعزيز الحضور الشعبي، فإن القفزة التقنية خلال العقدين الأخيرين، وخاصة في ما بعد 2011، منحت الجماعة قدرة غير مسبوقة على تشكيل وعي قطاعات واسعة، مستفيدة من منصات التواصل الاجتماعي كمساحات تعبئة وتحريض وبروباغندا متحررة من الرقابة الرسمية.

وفي السياق المصري، تبلورت خطورة إعلام الإخوان بعد سقوطهم من الحكم في يونيو 2013، حيث تمركزت أدواتهم الإعلامية خارج البلاد، مدعومة من دول وجهات سياسية تحتفظ بمصالح مباشرة في زعزعة استقرار الدولة المصرية.

ولم تعد هذه المنابر معنية بكسب شرعية أو جمهور بقدر ما تحوّلت إلى أذرع للهدم والتشويه، باستخدام أساليب ممنهجة في التضليل ونشر الشائعات والاصطفاف مع جماعات متطرفة أخرى.

وفي المقابل، مثلت مبادرة الدكتور ضياء رشوان، سواء عبر برنامج “مراجعات” أو في كتابه “الإخوان.. إعلام ما بعد السقوط”، محاولة منهجية نادرة لاستعادة السردية الواقعية حول الجماعة من داخلها، من خلال شهادات المفارقين والمنشقين، الذين عاشوا التجربة من الداخل، وكانوا جزءًا من ماكينة التنظيم ثم تمرّدوا عليها.

ويوفر هذا النوع من المقاربات الفكرية والتحليلية فرصة مهمة لفهم آليات الاستقطاب، وكيف تم تجنيد أجيال كاملة عبر خطاب مزدوج. كما يفتح المجال أمام التفكير في شروط تفكيك بنية الإسلام السياسي ليس فقط كتنظيم، بل كفكرة، من خلال مواجهة مشروعه في العمق: أي في مناهجه، وتعريفه للسلطة، وموقفه من الدولة الوطنية، وعلاقته بالمجتمع.

وفي ظل تصاعد مشاريع التأثير الإعلامي العابر للحدود، برزت أهمية مواجهة إعلام جماعة الإخوان ليس فقط عبر كشف محتواه، بل بتحليل بنيته النفسية والسياسية، وهو ما تحقق جزئيًا من خلال نماذج نقدية كالتي يطرحها رشوان، والتي تؤكد أن المواجهة مع التطرف لا تقتصر على الأدوات الأمنية، بل تشمل كذلك تفكيك منظومة الأفكار والسرديات التي تسمح له بإعادة إنتاج نفسه حتى في حالات التراجع والانهيار التنظيمي.

الحبيب الأسود

العرب

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..