أهم الأخبار والمقالاتمقالات وآراء

لعبة الكراسي داخل الجيش.. مناورة جديدة للبرهان

محمد الهادي

أصدر القائد العام للجيش الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان قرارات جديدة أعاد بموجبها تشكيل رئاسة هيئة الأركان، وأجرى ترقيات وإحالات إلى التقاعد شملت عدداً من كبار الضباط، وعلى الرغم من أن مثل هذه القرارات تعد في ظاهرها إجراءات طبيعية داخل مؤسسة عسكرية تتسم بالحراك التنظيمي والإداري المستمر، إلا أن السياق السياسي الذي جاءت فيه يفرض قراءة مختلفة، إذ يكشف التوقيت والدلالات المرتبطة به عن محاولة من البرهان لتموضع جديد، داخلياً وخارجياً، في ظل الحرب التي تعصف بالسودان منذ أكثر من عامين.

اللافت في الامر، أن تلك القرارات قد جاءت مباشرة بعد اللقاء الذي جمع الفريق البرهان مع مستشار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في سويسرا، في إطار الجهود الدولية لوقف الحرب في السودان، وهذا التزامن يطرح تساؤلات حول ما إذا كانت هذه الخطوات جزءاً من محاولة مدروسة لتقديم البرهان في صورة القائد القادر على إعادة هيكلة المؤسسة العسكرية وتقليم نفوذ الإسلاميين بداخلها، تمهيداً للانفتاح على الغرب وطلب الدعم السياسي، فالبرهان يدرك أن الولايات المتحدة والغرب عموماً يتوجسون من الجيش السوداني بوصفه نتاج ثلاثة عقود من هيمنة الإسلاميين، وأن أي خطاب عن إصلاح داخلي لن يكون ذا جدوى ما لم يقترن بإجراءات ملموسة.
منذ انقلاب ١٩٨٩، خضع الجيش السوداني لعملية فرز دقيقة تم بموجبها إقصاء جميع الضباط غير المنتمين إلى الحركة الإسلامية أو المشكوك في ولائهم لها، وخلال سنوات حكم البشير تحولت المؤسسة العسكرية إلى ذراع أيديولوجي وأمني للحركة الإسلامية وواجهتها (المؤتمر الوطني)، حيث تم دمج العقيدة القتالية مع مشروعهم السياسي الديني، حتى بات الجيش مؤسسة مؤدلجة بالكامل، وهذا الواقع لم يتغير جوهرياً بعد سقوط البشير في ٢٠١٩، بل ظلت معظم القيادات التي تدرجت في عهد الإسلاميين هي ذاتها التي تتحكم في مفاصل الجيش اليوم، وبالتالي فإن إحالة عدد محدود من كبار الضباط للتقاعد لا يمكن أن يشكل في ذاته تراجعاً جدياً لنفوذ الإسلاميين، وإنما يظل أقرب إلى مناورة سياسية أكثر منه عملية تفكيك حقيقية.
قرارات البرهان الأخيرة يمكن قراءتها أيضاً في ضوء الصراعات الداخلية التي تعصف بالمؤسسة العسكرية نفسها، فالقوات المسلحة ليست كتلة صماء، وإنما ساحة تنافس بين مراكز قوى متباينة المصالح والتوجهات، بعضها يرتبط مباشرة بالتيار الإسلامي، وبعضها الآخر يحاول أن ينأى بنفسه أو يقترب من البرهان بحثاً عن النفوذ، في هذا السياق، فقد درج البرهان في أوقات مختلفة على استخدام أداة الإحالات والترقيات لتقليص نفوذ خصومه وتعزيز ولاء الموالين له، لذا، فإن التغييرات الحالية ليست بالضرورة انعكاسا لرؤية إصلاحية، بقدر ما هي محاولة لتأمين وضعه في هرم القيادة العسكرية، ومنع خصومه من التغلغل أكثر في مفاصل الجيش.
من جهة أخرى، لا يمكن فصل ما يجري داخل الجيش عن الصراع الأوسع بين تيارات الإسلاميين أنفسهم، فالحركة الإسلامية، منذ سقوط البشير تعيش حالة انقسام بين جناح يركز على إعادة التمكين داخل الدولة بوسائل مباشرة، وجناح آخر يراهن على العمل من داخل الجيش لضمان موقع في المشهد السياسي المقبل، وهذا الانقسام ينعكس بالضرورة على مؤسسات الدولة، والجيش في مقدمتها، والبرهان، بحكم موقعه كقائد عام يحاول الاستثمار في هذه الانقسامات، ملوحاً من جهة بأنه قادر على ضبط المؤسسة العسكرية وتطويعها لصالح تسوية سياسية مقبولة دولياً، ومؤكداً من جهة أخرى أنه لن يتخلى تماماً عن الإسلاميين، بل يحتفظ بهم كورقة لمرحلة لاحقة، وفي مقالات سابقة، جرى توصيف وضع البرهان بأنه يقف بين خيارين لا ثالث لهما: إما الدخول في مواجهة حقيقية مع الإسلاميين لتفكيك نفوذهم داخل مؤسسات الدولة والجيش، أو مواجهة المجتمع الدولي الذي يضغط لإحداث إصلاحات جوهرية تتسق مع المصالح الإقليمية، ولكن ملامح سلوكه خلال الفترة الأخيرة تشير إلى أنه يحاول شق طريق ثالث يقوم على المراوغة وتجنب المواجهة المباشرة مع أي من الطرفين، فهو من جهة لا يغامر بكسر نفوذ الإسلاميين داخل الجيش خشية فقدان التوازن الداخلي، ومن جهة أخرى يقدم إشارات إصلاحية شكلية ليقنع المجتمع الدولي بأنه قابل للتعاون، وهذه الاستراتيجية، وإن منحت البرهان فسحة زمنية للمناورة، إلا أنها تعكس في جوهرها أزمة قيادة ترفض الحسم وتفضل البقاء في حالة رمادية لا ترضي أحداً بالكامل.
من خلال هذه القرارات، أراد البرهان أن يبعث برسائل مزدوجة: إلى الداخل، بأنه ما يزال ممسكا بزمام الجيش وقادرا على إعادة تشكيل قياداته بما يعزز نفوذه الشخصي.. وإلى الخارج، بأنه منفتح على التغيير وجاد في الاستجابة لمطالب الإصلاح، غير أن قراءة التجربة الممتدة خلال الأعوام الماضية تظهر أن البرهان قد دأب باستمرار على اتباع استراتيجية “المراوغة وكسب الوقت”. حيث اعتاد ان يقدم خطوات جزئية، ورمزية في غالبها، يهدف من ورائها إلى امتصاص الضغوط الدولية، دون أن يغامر بقطع الصلة نهائيا مع الإسلاميين الذين يظل وجودهم في الجيش والبيروقراطية المدنية ضمانة لاستمراره في السلطة.
إذن التغييرات الأخيرة في قيادة الجيش ليست سوى حلقة جديدة في مسار طويل من المناورات التي يجيدها البرهان، بين إرضاء الإسلاميين من جهة، وتقديم نفسه كخيار مقبول للمجتمع الدولي من جهة أخرى، أما الحديث عن إصلاح جوهري داخل المؤسسة العسكرية السودانية، فهو ما يزال بعيد المنال ما لم يقترن بإرادة سياسية جادة لإعادة بناء جيش وطني مهني مستقل، بعيدا عن الهيمنة الأيديولوجية والصراعات الداخلية التي ظلت تلتهمه منذ عقود، وحتى ذلك الحين، ستظل قرارات الإحالة والترقية أشبه بمحاولات لترتيب الكراسي داخل مؤسسة مأزومة، أكثر من كونها خطوات نحو تغيير حقيقي.

‫2 تعليقات

  1. مناورة وكذبة جديدة للاخوان المسيلمين .. هكذا عهدناهم ومنذ يومهم المشؤم الاول ، ما الذي يدعونا لنصدقهم هذه المرة .

  2. أتفه كوز وعسكرى زبالة مر علي السودان هو هذا البرهان، والله يا جماعة انا في كوز إسمه الطيب قسم السيد بدأ مشواره في تلفزيون مدنى، هذا الكوز أتفه منه لايوجد، منافق، مرتزق، وصولى الله لاكسبكم يا كيزان السجم.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..