أخبار السودان

منظمات دولية تطالب بتمديد ولاية بعثة تقصي الحقائق في السودان

تقرير: سليمان سري

قدمت نحو 100 منظمة مجتمع مدني سودانية وأجنبية مذكرة إلى مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، طالبت فيها بتمديد ولاية البعثة الدولية المستقلة لتقصي الحقائق في السودان لعامين إضافيين، وذلك قبيل انعقاد الدورة الستين للمجلس بمقره في مدينة جنيف بسويسرا، سبتمبر المقبل.

وتكونت البعثة الدولية المستقلة لتقصي الحقائق بقرار من مجلس حقوق الإنسان في 11 أكتوبر 2023، وذلك للتحقيق في جميع الانتهاكات والتجاوزات المزعومة لحقوق الإنسان وانتهاكات القانون الإنساني الدولي والجرائم ذات الصلة في سياق النزاع المسلح المستمر الذي بدأ في 15 أبريل 2023، بين القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع، فضلا عن الأطراف المتحاربة الأخرى.

وتطالب الحكومة السودانية باستمرار خلال جلسات مجلس حقوق الإنسان بإنهاء مهمة بعثة تقصي الحقائق. ومع ذلك تم تمديد ولاية البعثة العام الماضي لمدة سنة واحدة.

واستندت المنظمات في مذكرتها إلى استمرار الحرب وارتكاب جميع أطراف النزاع ـ الجيش السوداني وقوات الدعم السريع والقوات الموالية لهما ـ لانتهاكات جسيمة للقانون الدولي الإنساني، شملت القتل العشوائي، والتعذيب، والإعدام خارج نطاق القضاء، والعنف الجنسي واسع النطاق ضد النساء والفتيات. كما أشارت إلى وقوع هجمات ذات دوافع عرقية خاصة في دارفور، تشنها قوات الدعم السريع والمليشيات العربية المتحالفة معها ضد المساليت وغيرهم من المجتمعات غير العربية. وحذرت من أن استمرار هذه الجرائم دون محاسبة يكرّس لنهج الإفلات من العقاب الذي يغذي دوامة العنف.

أهمية البعثة

دخل الصراع الحالي في السودان عامه الثالث منذ اندلاع القتال بين القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع وحلفائهما في 15 أبريل 2023. و أسفر عن مقتل عشرات الآلاف من المدنيين ونزوح أكثر من 13 مليون شخص، ليصبح السودان أكبر أزمة نزوح في العالم. فقد نزح داخليًا أكثر من 10.7 مليون شخص (أي ما يقرب من ربع سكان السودان)، بينهم أكثر من مليوني حالة نزوح جديدة خلال الربع الأول من عام 2025 وحده.

كما أشارت المذكرة إلى تفاقم الأزمة الإنسانية مع تدمير المنظومة الصحية وانتشار الأمراض الوبائية، إلى جانب الهجمات المتكررة على المستشفيات ومخيمات النزوح وقوافل الإغاثة.

وأكدت أن بعثة تقصي الحقائق أثبتت أهميتها في توثيق الانتهاكات وحفظ الأدلة، رغم رفض السلطات السودانية التعاون معها. وشددت على أن السلام في السودان “لن يتحقق دون عدالة”. ودعت المجلس إلى دعم التمديد الكامل لمدة عامين، وتكليف البعثة بتقديم تقارير دورية تمهيدًا لإحالة نتائجها إلى مجلس الأمن لمحاسبة المسؤولين.

اتساع الانتهاكات

من جانبه، أكد المحامي والمدافع عن حقوق الإنسان محمد عبدالمتعال جودة ضرورة تمديد ولاية بعثة تقصي الحقائق في السودان، مبررًا ذلك باستمرار الحرب واتساع نطاق الانتهاكات ضد المدنيين وما صاحبها من أضرار جسيمة بالأشخاص والممتلكات. وقال: “هذه أسباب كافية للمطالبة بالتمديد”.

وشدد جودة، في حديثه لـ”راديو دبنقا”، على أن التمديد ضروري لمحاسبة الجناة ومنع الإفلات من العقاب، مطالبًا المجتمع الدولي بدعم الشعب السوداني ومنح القانونيين الحق في متابعة الانتهاكات عبر البعثات أو المبعوثين أو أي آليات إقليمية ودولية يمكن من خلالها توفير الحماية للمدنيين.

وأوضح أن المطالبة بتمديد ولاية البعثة المستقلة لتقصي الحقائق في السودان أصبحت مطلبًا واسعًا بين منظمات المجتمع المدني السودانية، ومدعومًا بتضامن كامل من منظمات إقليمية ودولية.

وأشار جودة إلى أنه لا توجد حتى الآن مؤشرات على رغبة طرفي الحرب ـ الجيش السوداني وقوات الدعم السريع ـ في الجلوس إلى طاولة التفاوض لحل الأزمات الإنسانية ووقف الانتهاكات الواسعة.

ولفت إلى الأضرار الجسيمة التي يتعرض لها المدنيون غير المنخرطين في الصراع، مؤكدًا أن السودان يحتاج إلى تحقيقات وتحريات واسعة حول الانتهاكات، ومحذرًا من أن الأوضاع قد تزداد سوءًا خلال الفترة المقبلة.

ظهور الأسلحة الكيميائية

وقال عبدالمتعال جودة إن التمديد في هذه المرحلة يتزامن مع محاولات وصفها بـ”اليائسة” من الأطراف المتحاربة، إذ يسعى كل طرف لفرض نفسه كسلطة أمر واقع داخل نطاق جغرافي محدد.

وعبّر عن قلقه من خطورة هذا الوضع الذي قد يحرم المواطنين من حقهم في العيش في وطن موحد، مهددًا بانقسامات تؤدي إلى انتهاكات أوسع بحق مجتمعات تقع خارج نطاق سيطرة أحد الطرفين.

وعزا جودة المطالبة بتمديد الولاية لعامين إلى أن عملية تقصي الحقائق في السودان تحتاج بطبيعتها إلى سنوات طويلة، وليس إلى عامين فقط، إضافة إلى الحاجة إلى خبرات وتخصصات أوسع.

وأكد أن الواقع الحالي، خاصة مع ظهور أسلحة محظورة دوليًا مثل الكيميائية أو البيولوجية أو السامة، يفرض الحاجة إلى مساحة زمنية أطول للتحقيق والتحري في ما وقع وما قد يقع مستقبلًا.

تحتاج إلى أعوام لا عامين

وأوضح جودة أن التوسع في الانتهاكات خلال الفترة الماضية دفع المجتمع المدني إلى المطالبة بتمديد ولاية البعثة لعامين بدلًا من عام واحد. وقال: “في العام الماضي ركّز المجتمع المدني على المناداة بالتمديد لعام واحد باعتبار أن هناك أفقًا لحل الأزمة، لكن هذا الأفق لم يعد موجودًا الآن”.

وأشار إلى أن ظهور أنماط جديدة من الانتهاكات وتعقيد المشهد العام يجعل من الضروري منح البعثة وقتًا أطول، مؤكدًا في الوقت نفسه أن تمديد الولاية لعامين سيوفر للبعثة مساحة للتحرك بهدوء، ما يمنح تقاريرها قيمة كبيرة بالنسبة للمجتمع المدني والحقوقيين والمدافعين عن حقوق الإنسان.

وأضاف أنه في حال استمرار الحرب وتوسع الانتهاكات، فإن المجتمع الدولي سيكون مضطرًا لتبني مواقف أكثر صرامة، خاصة على الصعيد الإنساني.

وشدد جودة على أن المرحلة التي تعقب الحرب يجب أن تشهد رفضًا قاطعًا للإفلات من العقاب. مؤكدًا أن بعثة تقصي الحقائق تمثل أداة مهمة لمحاسبة الجناة، وأن وجودها يفرض قدرًا من الحذر على مرتكبي الانتهاكات، حتى وإن لم تتمكن من وقفها بصورة كاملة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..