الكرباج الأمريكي يؤدّب البرهان

اسماعيل عبد الله
أمريكا لا تقبل التعدد وزواجها كاثوليكي لذلك جاءت أوامرها حاسمة، وما على المنبطحين إلّا الاستجابة، فواحدة من أسباب استطالة حرب السودان العمالة اللامحدودة لمشعليها، من قادة عسكريين وساسة انتهازيين لم يبخلوا على الأمريكان والروس بكل ما طلبوه منهم، وما زلنا نذكر الانبطاح الأكبر لأسد افريقيا، بين يدي فلاديمير بوتين حين أطلق الأخير العنان للمايك وسمعنا صوت (الأسد الافريقي)، يبكي ويستنجد برجل روسيا القوي، لكي يقف حائل بينه وبين الكرباج الأمريكي. في عهد ترامب لا مكان للمتذبذبين والعملاء والخونة والمتمرغين في أموال الارتزاق، رأينا بأم عيننا كيف وبّخ ترامب الرئيس الأوكراني أمام عدسات الكاميرا، ولقّنه الدرس، مثلما يلقن المعلم تلميذ المرحلة الأساسية الحرف، ومن حظ البرهان أن اجتماعه مع مبعوث ترامب لم يكن مبثوثاً على الهواء، وإلا لرأينا العرق يتصبب من جبينه حتى قدميه، إنّ الدول العظمى مدركة تماماً لرخص الفاسدين من قادة جيوش بلدان العالم الثالث، وهي مدركة لحقيقة أنهم وصلوا لقمة هرم السلطة رغما عن أنف شعوبهم، وغالبهم الأعم قد سفك دماء مواطنيه، لذلك يتعاملون معهم بالكرباج وليس الجزرة، ويضربونهم بالطربوش على رؤوسهم لأنهم يستحقون ذلك، لما لهم من دنو للهمة وقصر للقامة، مقابل عظمة اوطانهم وشموخ شعوبهم، فلسان حال هذه الشعوب يقول تعال يا ترامب هذا فاسد جثم على صدرنا وحرمنا الأوكسيجين فأدّبه، وهكذا هو ديدن من يبحث داخل خشم البقرة لينقذ عنقه من بطش السفاح.
بعد الحرب الطويلة الأمد التي أشعلها قائد جيش علي كرتي، فإنّ الكلام قد دخل حوش البيت الأبيض، في حقبة رئيس لا يعرف المجاملة في مصالحه ومصالح شركائه، ولا أظنه يغض الطرف عن بلد مثل السودان يصدر الذهب والصمغ، البلد الذي فشل أبناؤه في رفعة شأنه، وأخفقوا في وضعه على قائمة البلدان المصدرة لأغلى سلعتين في الدنيا – الذهب والصمغ، وبحكم أن أمير الكوكب (ترامب) في أصله تاجر يقدم أولوية الربحية الاقتصادية على العنتريات العقائدية، سيشهد عهده سلاماً عالمياً ووقفاً لأبشع حرب كادت أن تؤدي إلى صدام كوني – روسيا وأوكرانيا، وهذه الجولات التي بدأت بألاسكا سيكون للسودان منها نصيب، هذا البلد الذي لا يعي قيمته أبناؤه، فإنّ للعالم “ألفة” وليس كما يظن المعتوهون، الذين رفعوا شعار غزو القويين العظميين في يوم من أيام التيه والضلال، لقد غرقت البلاد منذ نشأتها في صراع الدين والأيدلوجيا، بينما اليابان وكوريا الجنوبية وسنغافورة وماليزيا ذهبت باتجاه تحقيق القيمة الاقتصادية، فارتقت سلم المجد واضمحل رجل افريقيا المريض، الذي زج به أبناؤه في أتون حروب القداسة والكرامة التي يفتقدونها في ذواتهم، فليس القديس من يقتل شعبه ويطلق الكيماوي وحمم النيران على أجساد نساءه واطفاله، كما يفعل “الكاهن”، وبعد أن مسحت طائرات العملاء والمأجورين أرض السودان، وساوت مبانيها وجسورها بالأرض، حان الوقت لوضع لبنة الأساس على أرض بور تستحق أن تنبت فيها البذور.
من جهل القادة العسكريين الذين سرقوا سلطة الشعب في السودان، أنهم ومن فرط هذا الجهل لم يربطوا مصيرهم بمصير حركة الاقتصاد والحياة من حولهم، حتى ذلك الرجل الطيب (الدكتور حمدوك) حين أضاء مصباحا في مدخل النفق، اكفهرت وجوههم واسودت فأطفئوا نار السراج الوحيد المنير الذي أضاء الطريق، وعملوا على سقوطهم في بئر الهلاك، وقبلوا بأن يكونوا وشعبهم في حضيض الجهل والفقر والمرض، بدلاً عن اتباع الرجل الذي جاء من أقصى المدينة ينشد نماء وخلاص العباد من أعداء الإنسانية الثلاثة – الجهل والفقر والمرض، فعندما يبنى الوطن على أعمدة العسكر والجهل، لا محال سيهوي إلى الدرك الأسفل من الضياع، وبكل تأكيد سيشتعل حرباً وموتاً ودماراً، وأن الشعوب العاشقة للعق البوت ستعيش أبد الدهر داخل قنوات الصرف الصحي، وها هو العالم ينهض وينتبه تحت قيادة رجل السلام، الذي لا يعرف أن يبسط سبابته الموجهة لوجوه الحمقى من أمثال رئيس مجلس الإبادة، وراعي جرائم الحرب، فكما يقول السودانيون “سيدي بسيده”، فالسيادة المسروقة والمنهوبة على حين غفلة من الشعوب، لا تقيم وزناً لسارقها طالما أنه مرتجف على الدوام أمام أصحاب السيادة والجلالة والهيبة الحقيقية، وعلينا دائماً وأبداً استحضار تلك الصورة المهينة والمذلة والمنكسرة، للتحية العسكرية التي ألقى بها البرهان على رئيس دولة مصر، في انتهاك صارخ للعرف والدبلوماسية، وتجسيد كامل لمعاني امتهان الكرامة الشخصية.