مقالات وآراء

حركات ارتِزاق وجيش مُنحرِف!

منعم سليمان

القرار الأخير الذي أصدره قائد الجيش، والقاضي بإخضاع الحركات والمليشيات المسلحة لأحكام قانون القوات المسلحة لسنة 2007، لم يكن قرارًا عابرًا يمر في غفلة، بل بدا كرجفة صاعقة في فضاءٍ متشقق، إذ فتح أبواب الجدل على مصاريعها، وجرّد الساحة من أوهامها.

فمن جهة، هرولت حركات دارفور الموقّعة على *اتفاق جوبا* لتعلن استثناء نفسها، متحصّنة باتفاق سلام لفظ أنفاسه منذ زمن بعيد، فإذا بها كمن يتشبث بظلّ جثةٍ لا روح فيها، غافلة عن أن الحرب التي أشعلتها الأيدي ذاتها قد مسحت ما قبلها وأعادت كتابة المعادلات بمداد الدم والخراب؛ فالحروب تجبّ ما قبلها، أيها اللصوص الأغبياء.

غير أنّ المفارقة الأشد قسوة أنّ قرار قائد الجيش ذاته، وإن بدا في مظهره محاولة لإعادة الانضباط، جاء خاويًا من الجوهر، فاقدًا للمعنى. *فجيش تحوّل إلى فصيل سياسي متورّط في أهواء الانقلاب ودهاليز الحرب*، لا يُصلح شأنه بقرارات فوقية ولا بترقيع واهٍ؛ إذ يجعل الجيش أشبه بعاهرةٍ ترقّع بكارتها لا مكمن العهر، لتدّعي الطهر والشرف!

إن مؤسسة انزلقت من طور الانحراف إلى درك الانهيار لا تعالج بالترقيع والمساحيق، بل تحتاج إلى *إعادة تأسيس جذرية تعيدها من العدم*. وكل ما عدا ذلك عبث وعهر ليس إلا.

ومع ذلك، لا يمكن فصل المشهد عن سجل تلك الحركات نفسها، التي كانت شريكًا أصيلاً في انقلاب 21 أكتوبر 2021، فمزّقت بخطوتها خيوط الانتقال المدني الديمقراطي، ومهّدت الطريق لانفجار حرب 15 أبريل 2023.

لقد آثرت هذه الحركات مراكمة المكاسب عبر التحالف مع العسكر، بدلاً من أن تكون رافعة لمشروع وطني للسلام والديمقراطية. وهكذا كانت *هي من وأد اتفاق جوبا، ولا أحد غيرها*، بعد أن حولته من وثيقة سلام إلى أداة للارتزاق وإشعال النيران!

وبعد انقلابها كما بعد الحرب، لم تكتفِ هذه الحركات بعار وقوفها إلى جانب الجيش والحركة الإسلامية التي تقف خلفه، بل اندفعت في خطاب عدائي ضد القوى المدنية! . هنا تهاوت شعارات العدالة والهامش، وانجلت الحقيقة سافرة: بنادق مأجورة تبحث عن الغنيمة، متماهية تمامًا مع بنية العسكر. لقد غدت شريكًا مباشرًا في هدم ما تبقّى من العملية السياسية، ومصدرًا لعذابات ومآسي السودانيين، وإنسان دارفور خاصة، الذي تزعم كذباً أنها تحارب من أجله!

أما اتفاق جوبا 2020، فقد كان يفترض أن يكون جسرًا نحو بناء جيش وطني موحد ومؤسسات راسخة، تصنع سلامًا دائمًا واستقرارًا للسودان ورفاهًا لأهله، لكنه انحدر إلى سوقٍ تمارس فيه اللصوصية والفساد، وتوزَّع فيه الامتيازات ويُبسط فيه النفوذ.

وعوضًا عن الوفاء بالتزاماتها الأمنية، جعلت هذه الحركات من الاتفاق درعًا للاحتماء كلما لاحت بوادر الانضباط. وهكذا تحولت من جزء من الحل إلى لبّ المشكلة، وعاد قادتها إلى طبيعتهم كقطاع طرق، بلا مشروع ولا أخلاق!

ورفضها اليوم للقرار ليس خلافًا في تفسير نصوص اتفاقية، بل تجسيد لازدواجيةٍ غائرة: *تتمسّك بالاتفاق حين يخدم مصالحها، لكنها خانته منذ لحظة تحالفها مع الانقلابيين*. ازدواجية تفضح خواء خطابها وطبيعتها الإجرامية، وتضعها في قلب المسؤولية عن الانهيار الراهن.

أما قائد الجيش، فمحاولته لإخضاعها ليست إصلاحًا عسكريًا، *بل رغبة سلطوية فاضحة*، فيما هي تستقوي باتفاق فقد قيمته، فتبدو مليشيات مافيوية عابرة للحدود، أسيرة النهب والمال!

وهكذا نقف أمام مشهد بالغ المأساوية: جيش حزبي بعقيدة ملوثة، عينه على السلطة، يحاول إخضاع عصابات ارتزاق مقننة باتفاق دولي تجاوزه الزمن.

وفي هذه اللوحة السوداء، تتبدّى هذه الحركات الدارفورية المسلحة وقد خانت رسالتها الأولى، فاختارت التحالف مع العسكر والحركة الإسلامية على حساب وطنٍ ممزق يتطلع إلى الحرية والسلام. لذلك فإن موقفها الراهن بالرفض لا يزيدها إلا انكشافًا، ويذكّر السودانيين بأنها كانت وما تزال جزءًا من الجريمة الكبرى التي تهدد بقاء الدولة نفسها.

*لقد جنت على نفسها براقش*.

تعليق واحد

  1. يا شيل كل المواد ياما تكتب وتعمل فيه الشريف الرضا كل البلد مرتزقة خليك وطني قومي او لا تتحدث في شان عام انت تميل لعنصريتك الجغرافيا هو الارتزاق زاتوا خشم بيوت حاضنتك يشفشفو المواطنين وقتل بالصورة والصوت

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..