مقالات وآراء

المهدي عن قرب: بين النوبي الكوشي والعربي القرشي

د. أحمد التيجاني سيد أحمد

كثيرًا ما يُصوَّر السودان قبل المهدية وكأنه كان بلا دولة أو في حالة اختلال ممتدة لقرون. والحقيقة أن البلاد خضعت للحكم التركي–المصري المعروف بـ “التركية السابقة” لمدة أربعة وستين عامًا فقط (١٨٢١–١٨٨٥)، قبل أن تنجح الثورة المهدية في إسقاطه. [1]

المهدية والأنصار: آل المهدي بين التزييف والاستغلال

لم يكن إعلان الإمام محمد أحمد المهدي عن نسبه إلى قريش صدفة ولا خيارًا بريئًا. وهو النوبي الكوشي الأصل من دنقلا، كان يعلم أن دعوى “المهدية” لن تلقى قبولًا إلا إذا تقاطعت مع الحديث النبوي الذي يجعل المهدي من “أهل البيت”. لذلك تبنّى نسبًا عربيًا هاشميًا، مجاريًا بذلك التقاليد الصوفية التي كثيرًا ما ادعت الانتساب للنبي كوسيلة للوجاهة الروحية والاجتماعية. هذا الخيار منحه شرعية دينية هائلة، مكّنته من تجنيد عشرات الآلاف وتحدي الحكم التركي–المصري. لكنه في المقابل كان بذرة التزييف الهوياتي الذي همّش الأصل النوبي الكوشي، ورسّخ تبعية السودان للعروبة السياسية على حساب جذوره الإفريقية.

المهدي عن قرب: شخصية مركبة

النوبي الكوشي: وُلد في جزيرة لبب بدنقلا، قلب الحضارة الكوشية القديمة. نشأ في بيئة نوبية زراعية فقيرة عرفت الهجرة جنوبًا بحثًا عن الرزق. هذه الجذور الكوشية منحته عمقًا إفريقيًا أصيلًا، لكنه لم يقدّمها كهوية سياسية.

المتصوف السماني: تلقى علومه في الخلاوي والزوايا، وانخرط في الطريقة السمانية. عُرف بالزهد والتقشف والعبادة في جزيرة أبا. هنا اكتسب سمعة الشيخ المتعبد، التي سهّلت له حشد المريدين.

المفكر/السياسي: أدرك أن الشرعية الدينية في ذلك الزمان تمر عبر النسب العربي–القُرشي. نسب نفسه إلى بيت النبي، ليُضفي على دعوته طابع المهدي المنتظر. بهذا التوظيف الذكي، حوّل التصوف الشخصي إلى مشروع سياسي مسلح.

النتيجة: مهدي دنقلا النوبي صار المهدي القرشي رمزًا جامعًا. الثورة انتصرت لحظة، لكنها ورّثت السودان تناقضًا طويل الأمد: الإفريقي في الجذور، العربي في الادعاء.

الخلاصة

المهدي كان نوبيًا كوشيًا في الأصل، متصوفًا في التربية، وسياسيًا براغماتيًا في استراتيجيته. اختياره الانتساب لقريش لم يكن صدفة، بل أداة لتحقيق الشرعية. لكن هذه الأداة كانت بداية مأساة هوية السودان: استلاب العروبة وتهميش الكوشية.

المراجع

1. 1. نعوم شقير، تاريخ السودان، 1903.
2. 2. أبو سليم، الإمام المهدي: لوحة لثائر سوداني، 1981.
3. 3. Holt, P.M., The Mahdist State in the Sudan, 1958.
4. 4. منصور خالد، النخبة السودانية وإدمان الفشل، 2003.
5. 5. يوسف فضل حسن، تاريخ السودان الحديث، الخرطوم: جامعة الخرطوم، ١٩٨٦، ص ١١٩–١٢٠.

‫2 تعليقات

  1. والقحاتة والعلمانيين والشيوعيين يطلعوا شنو !
    الثورة المهدية أسست لوجود السودان بحدوده المعروفة وطردت المستعمر الاجنبي الذي استبد واستعبد السودانيين ومن ثم اتي بعدها لا سلمه الله ما يسمي بتور شين التعايشي افقر البشر وقضي على الحرث والنسل والذرع والضرع ومجاعة مشهورة في عهده ومن ثم اتي القحاتة باحفاده تتار العصر الحديث استباحوا الخرطوم والجزيرة وسنار والنيل الابيسض وكردفان ودارفور ولا زالوا يستبدون ويسحلون وينهبون ويقتلون ويتعالون حتى اللحظة بمعاونة شيطانهم بن زائد وبني قحت

  2. اولا في فرق بين الدولة وبين الحكومة حكومات تجي وحكومات تغور في حاجه اسمها مجتمع التاريخ الحضارة هي الدولة النوبه مجتمع من قبل الميلاد حكومة 56 والانجليز هم الذين ينعتون الناس بها شعب كوش النوبي مجتمع من الالاف السنين منو القال جدي جهينه منو الصحفي وقف وكتب امام العرب الذين ترسلهم مخابرات دولهم ويزوروا السودان ويقولوا والله وجدنا اهلنا وباقي قبيلتنا في السودان ارجع ذاكر الميديا لا تكذب ولا تترك للكاذب فرصة ناس تتصور في المدينة المنور يقولوا والله الزبير بن العوام جدنا وهو يعمل لديهم راعي ومع العلم والله اعلم لا يوجد قبر حقيقي الا ثلاثه وهم في غرفة السيدة عائشة رضي الله عنها 1/ نبينا محمد صلى الله عليه وسلم 2/ ابو بكر رضي الله عنه 3/ عمر بن الخطاب رضي الله عنه ………. اي قبر اخر غير مؤكد وغير صحيح لاي صحابي زول جده الثالث وين مقبرته لا يعرف كيف يعرف الزبير بن العوام من اكثر 1447 سنة بطلوا غباء

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..