مقالات وآراء

الشخصية السودانية بين العاطفة والعقل (1)

‏عثمان يوسف خليل

الحديث عن الشخصية الحقيقية لأهل السودان ليس أمرًا يسيرًا. فالموضوع واسع ومتشعب، وتتداخل فيه عوامل التاريخ والجغرافيا والثقافة والواقع المعاش. ما نقدمه هنا ليس دراسة نهائية، بل محاولة لفتح باب النقاش عبر سلسلة مقالات نتناول فيها جانبًا من ملامحنا النفسية والاجتماعية.

ولعل البداية المنطقية أن نسأل:

هل الشخصية السودانية حبيسة العاطفة؟
هل نحن، شعوب السودان، عاطفيون بطبعنا؟
هل نغلب القلب على العقل في قراراتنا اليومية والمصيرية؟
الطيبة التي نفاخر بها دائمًا… هل هي قوة تحمينا أم مدخل يستغلّه الآخرون؟
وهل هذه العاطفة فطرية أم مكتسبة عبر التربية والثقافة؟
من المهم أن نضع في الاعتبار أن السودان بلد واسع، قاسٍ في بيئته، مترامي الأطراف، تسكنه شعوب وقبائل متنوعة في أصولها وثقافاتها، ولم تنصهر كلها في بوتقة واحدة، وهو ما جعل تاريخه مليئًا بالصراعات والتحديات.

العاطفة الغالبة: طبيعة أم ثقافة؟

يلاحظ كثير من الباحثين في علم الاجتماع أن العاطفة تحتل موقعًا متقدمًا في تكوين الشخصية السودانية، سواء في التعامل اليومي أو في المواقف الجماعية التي تستدعي التضامن والتكافل، مثل:

التفاعل الحار في الأفراح والأتراح.
الميل الفطري للمجاملة وتلطيف الأجواء.
التعاطف السريع مع المظلومين والضعفاء.
الكرم الزائد، حتى على حساب الذات أحيانًا.
هذا الميل العاطفي لا يعني غياب العقل، لكنه يعكس ثقافة اجتماعية تميل إلى إعلاء الوجدان على حساب المنطق البارد.

بين الطبيعة والاكتساب:
الطبيعة:
المناخ، نمط الحياة الزراعي، والمجتمع النيلي الذي يقوم على التعاون، كلها عوامل شكّلت شخصية تميل إلى الدفء والتعاطف. عاش الإنسان السوداني وسط بيئة قاسية — فيضانات، حر شديد، جفاف، أمراض، جبال وصحارى — وكان عليه أن يتكئ على جماعته ليبقى، فترسّخت فيه روح التوادد والحنان.

الاكتساب:
العاطفة ترسخت أيضًا بفعل التربية السودانية التي تعلّم الاحترام والتواضع، وتجنّب الصدام المباشر. يكبر الطفل وهو يسمع حكمًا شعبية مثل: “السكوت حكمة”، و “الزول الطيب محبوب”، و “أمشي جنب الحيط”. فينشأ على ثقافة تميل إلى العاطفة، وأحيانًا تهرب من الحسم والعقلانية.

هل العاطفة نقطة ضعف؟
علينا ان ندرك أن العاطفة قد تكون سببًا في التماسك الاجتماعي، لكنها تتحول إلى عبء حين تطغى على القدرة على التفكير النقدي واتخاذ القرار الرشيد. ومن مظاهر الخلل:

قبول المجاملات على حساب الحقوق.
صعوبة الحسم في العلاقات أو المواقف السياسية.
الخلط بين الطيبة والسذاجة.
لكن العاطفة ليست سجنًا، بل جزء من وعينا الجمعي، يمكن تطويره ليكون متوازنًا لا طاغيًا.

ابن خلدون وأهل السودان: قراءة نقدية

كثيرًا ما يُستشهد بقول المؤرخ عبد الرحمن ابن خلدون عن “السودان” في مقدمته:

“وأما السودان فإنهم متوحشون، يغلب عليهم الطبع الحيواني، ولا يكادون يفقهون ما يقال.”
لكن علينا أن نفهم:

“السودان” في كلامه لا تعني الدولة الحالية، بل شعوب إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى.
وصفه متحيز ومتأثر برؤية عصره المحدودة.
الرد عليه لا يكون بالغضب، بل بالوعي، فقد أثبت السودان حضوره بثقافته وإبداعه وحضارته منذ قرون.
خاتمة الجزء الأول:

العاطفة في الشخصية السودانية ليست حبسًا، بل مكوّن روحي ووجداني أصيل. لكنها إذا حلّت محل العقل، فقد تتحول من فضيلة إلى عقبة. والتحدي أمامنا اليوم هو إعادة التوازن بين القلب والعقل، بين الطيبة والصرامة، بين الوجدان والوعي.

في الجزء الثاني من هذه السلسلة، سنسأل:
“كيف تتصرف الشخصية السودانية في مواجهة الأزمات؟ وهل نتعلم من التاريخ أم نعيد إنتاج الأخطاء؟”

ابقوا معنا… ومتّعكم الله بالعافية.

‫2 تعليقات

  1. الموضوع جيد

    التناول غير عميق
    هناك حاجة لمدخل نظري علمي متين لتناول هذا الموضوع المعقد
    يمكن الاستفادة من كتابات النور حمد عن العقل الرعوي وما تعرضت له من نقد
    ماذا تقصد بالمجتمع النيلي أراه استخدام غريب والمصطلح يحتاج تشريح
    س: هل المجتمع السوداني زراعي؟
    هناك الكثير يمكن أن يثار
    اكتفي بذلك

  2. الزول المخرف
    لو كان هذا هو الخرف فيا بختك
    المهم ماقلته عين الحقيقة وقد
    نبهتني لبعض واهم النقاط التي
    غابت عني..لكنك تعلم انني انسان
    اخطيء واصيب وما كتبته اجتهاد
    مني لك ولغيرك كل الحق في
    قبوله او رفضه والنقد هو اداة
    الإصلاح لا الهدم مهما كان..

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..