الحزب الشيوعي السوداني في ذكراه التاسعة والسبعين: بين الإنجاز وضرورة التجديد

بقلم: عاطف عبد الله
الذكرى التاسعة والسبعون لتأسيس الحزب الشيوعي السوداني (16 أغسطس 1946 – 16 أغسطس 2025) ليست مجرد مناسبة احتفالية، بل لحظة للتأمل الجاد والمراجعة الصريحة. فمنذ تأسيسه على يد ثلة من الشباب المؤمنين بشعبهم وبضرورة التحرر من الاستعمار، ظل الحزب لاعباً محورياً في الساحة السودانية، مدافعاً عن قضايا الكادحين، وصوتاً حاضراً في المعارك من أجل الحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية.
هذا التاريخ الطويل مصدر فخر، ليس للشيوعيين وحدهم، بل لكل أبناء الشعب السوداني الأحرار الذين صاغت أشعار محجوب شريف ومحمد الحسن سالم حميد، وأغاني محمد وردي ومصطفى سيد أحمد وجدانهم ووعيهم وحسهم الوطني. لكنه أيضاً مناسبة للتقييم واستخلاص الدروس. فقد قدّم الشيوعيون أرواحهم ودماءهم وهم يهتفون بحياة الشعب السوداني، وتحملوا السجون والتعذيب والطرد من العمل، وكانوا في مقدمة صفوف تأسيس النقابات والاتحادات والمنظمات الديمقراطية. وبفضل ذلك تراكم رصيد نضالي يحظى باحترام واسع داخل وخارج السودان. لكن السؤال الذي لا مفر من طرحه: هل الحزب الشيوعي، بعد كل هذه العقود، لا يزال قادراً على لعب دوره التاريخي، أم أنه يحتاج إلى تجديد جذري؟
الحاجة إلى التجديد
الواقع يجيب قبل الشعارات. الحزب لم يعد بالقوة والفاعلية التي مكّنته في الماضي من قيادة الشارع وتنظيم النقابات والطلاب. بل أصيب بالضعف التنظيمي، والتشرذم الداخلي، وتراجع قدرته على مخاطبة الجماهير، كما بينت سلسة مقالاتي جدلية الصراع في الحزب الشيوعي (مخترق أم مختطف؟). ضعف القيادة، غياب المؤسسية، والميل إلى الإقصاء والشللية كلها عوامل أسهمت في عزلة الحزب وفقدانه لموقعه الطليعي.
طبيعة التجديد المطلوب
التجديد لا يعني تغيير الاسم أو رفع شعارات جديدة فقط، بل يتطلب:
- ديمقراطية داخلية حقيقية تتيح النقد والمحاسبة وتداول القيادة.
- تحرير الماركسية من الجمود والعودة إلى جوهرها كأداة للتحليل والتغيير.
- إعادة تعريف وحدة الحزب لتقوم على البرنامج والدستور، بما يسمح بانفتاحه على قوى ديمقراطية أوسع.
- قيادة جديدة شابة وكفؤة تُنهي احتكار القرار داخل دائرة ضيقة.
- تحالفات سياسية مرنة تستجيب لضرورات الواقع، خصوصاً في مواجهة الحرب والفلول، بدل الانغلاق والانكفاء.
آليات تحقيق التجديد
- استعادة الكوادر التي خرجت أو جُمد نشاطها، عبر تجاوز ثقافة الإقصاء والتخوين.
- فتح الباب أمام الشيوعيين السابقين، والمستقيلين، والموقوفين، وأصدقاء الحزب والديمقراطيين لطرح رؤاهم في قضايا التجديد وسياسات الحزب.
- تبني خطاب سياسي جديد يعترف بالكارثة الوطنية (الحرب)، وينحاز بوضوح إلى السلام والديمقراطية كأولوية قصوى، مع مد اليد البيضاء إلى القوى السياسية المدنية الأخرى الساعية لوقف الحرب، بدلاً من سياسة العزلة والتخوين والتبريرات الماضوية.
خاتمة
الذكرى التاسعة والسبعون ليست فقط احتفالًا بإنجازات الماضي وصمود المناضلين، بل هي أيضاً وقفة أمام الحقيقة: الحزب الشيوعي إما أن يتجدد بجرأة ويستعيد موقعه كقوة تقدمية كبرى، أو يتآكل في عزلته الداخلية.
إنها دعوة للحوار العقلاني والجاد، كما قال د. صديق الزيلعي قبل عامين، وما زالت قضاياه حيّة اليوم: هل يحتاج الحزب إلى تجديد؟ وما هو التجديد المطلوب؟ وكيف يمكن تحقيقه؟ إن الإجابة على هذه الأسئلة بصدق وشجاعة، هي التي ستحدد إن كان الحزب سيظل جزءاً من المستقبل، لا مجرد صفحة من الماضي.
الانجاز في القاموس السوداني يعني شيئا مختلفا عما يعنيه في كل لغات العالم وقواميسه … فالمتفق عليه أن الانجاز يعني أن تضع هدفا محددا وتحققه ضمن إطار زمني محدد سلفا، يمكن أم يكون الانجاز كاملا 100% أو جزئيا بأي نسبة … لكن في السودان مجرد وضع الهدف ولو بصورة ضبابية هو انجاز حتى لو لم يتحقق منه 0% في إطار زمني لا نهائي… هدف الحزب الشيوعي الذي وضعه قبل ثمانية عقود هو تحقيق الثورة الوطنية الديمقراطية، بالطبع نسبة الانجاز هنا صفر كبير والاطار الزمني هو كل أيام الله إلى يوم نبعث والإطار المكاني “السودان” لم يعد موجودا كما كان قبل ثمانية عقود … لكن الحزب الشيوعي السوداني، بالمنطق السوداني، خطط فأنجز ووعد فأوفى وعاهد فصدق، وهذا ينطبق على دعاة السودان الجديد الذين انجزوا سودانين قديمين فاشلان … ودعاة الدولة المدنية الذين انتهوا بنا إلى دويلات مليشياوية متفتتة ودعاة الدولة الدينية، التي هي لله، الذين قادونا إلى دولة طفيلية سارقة ومارقة … لا يوجد حزب أو سياسي فرد سوداني يقر بأنه فشل فيما خرج لتحقيقه وأنه تعذر عليه انجاز وعوده وأنه يعتذر وينسحب مفسحا المجال لغيره … السياسة في السودان مصدر للتكسب والترزق “دعك من الارتزاق” الشخصي وليست خدمة عامة من أجل الوطن والمواطن … ولماذا يلام الحزب أو السياسي فالله هو الذي قدر وشاء وهو الذي بيده الانجاز والفشل