أطراف الحرب في السودان: قلوب كالحجارة لا تعرف ديناً ولا رحمة

الطيب محمد جادة
وسط ركام الخراب، وصوت الرصاص الذي يعلو على صرخات الجوعى والنازحين، يقف الشعب السوداني شاهداً على واحدة من أبشع المآسي الإنسانية في تاريخه الحديث. حربٌ لم تترك حجراً على حجر، ولا بيتاً آمناً، ولا طفلاً يحلم بمستقبلٍ طبيعي بعيداً عن مشاهد الدم والنزوح.
أطراف الصراع في السودان تتعامل مع الوطن كغنيمة، ومع المواطن كوقود لمعركة عبثية، وكأن لا دين يردعهم، ولا رحمة تسكن قلوبهم، ولا إنسانية تحكم ضمائرهم. مشاهد القصف العشوائي، وعمليات النهب، وانتهاكات حقوق المدنيين، جعلت قلوبهم أقسى من الحجارة، لا تلين لدمعة أم ولا لأنين جريح.
في المدن والقرى، يعيش الناس بين حصارين: حصار السلاح وحصار الجوع. المستشفيات خرجت عن الخدمة، المدارس تحولت إلى ملاجئ، والطرقات امتلأت بأسرٍ مشردة تبحث عن مكان آمن لا وجود له. ومع ذلك، يصر المتحاربون على مواصلة حربٍ لا منتصر فيها سوى الخراب.
المأساة السودانية تكشف اليوم أن الصراع ليس فقط على السلطة أو النفوذ، بل هو صراع على بقايا القيم. في وطن عرف عبر تاريخه التسامح والدين والإنسانية، تُستبدل هذه القيم اليوم بعنفٍ عارٍ من أي أخلاق، وبنزاعٍ يتغذى على معاناة الأبرياء.
وفي ظل غياب صوت العقل، يتساءل السودانيون: متى يعود الضمير؟ متى تدرك أطراف الحرب أن الوطن أكبر من نزواتهم، وأن الدم السوداني أثمن من مكاسبهم الزائلة؟
لا أحد من طرفي النزاع يهمه أمر الوطن والمواطنين ولا معاناة المواطنين وتشردهم وجوعهم، ما يهم كل من طرفي النزاع هو السلطة ولا شيء غيرها للأسف الشديد. لا يدعي أي أحد انه يقاتل لاعلاء كلمة الله، فهذا ادعاء لا ينطلي حتى على الأطفال وشعار لا يمكن تسويقه. من الواضح أن طرفي النزاع لا يدركان ولا يشعران بمعاناة مواطنيهم ولا يهتمان أصلا بهذه المعاناة ولا تحرك فيهما ساكنا والا لسعيا للتوصل إلى حل يوقف هذه الحرب المدمرة رحمة بالمواطنين وحفاظا على ماتبقى من موارد هذا البلد، أما العناد والإصرار على مواصلة حرب لا منتصر فيها وليس لأي طرف القدرة على حسمها لصالحه فهذا لعمري هو الجنون بعينه.
هذه بكائية لزجة المطلوب الدعوة لوقف الحرب