مقالات وآراء

حول رسوم ترامب الجمركية

‏النظام التجاري الدولي في مهب عاصفة رسوم ترامب الجمركية.

فضل محي الدين الطاهر

يشهد النظام التجاري الدولي المتعدد الاطراف اكبر تهديد وجودي له منذ انشائه بقيادة امريكية قبل اكثر من سبعين عامًا. وذلك بسبب سياسات الرئيس الأمريكي ترامب الحمائية وفقًا لشعار (امريكا أولًا) واستخدام سلاح التعريفات الجمركية لاغراض سياسية واحداث فوضى وإرباك في العلاقات الدولية لتمرير اجندته ولتنفيذ وعوده الانتخابية علي حساب قواعد واسس وقيم ساهمت كثيرًا في الحفاظ علي السلام والامن الدوليين بعد الحرب العالمية الثانية .

الا ان هذا النهج لم يعد ذو اثر كبير كما كان في السابق بعد ان تحولت العلاقات الاقتصادية الدولية تحولا جوهريًا عقب نهاية الحرب الباردة وقيام منظمة التجارة العالمية وتنامي دور دول البريكس في قيادة قاطرة التحول الاقتصادي العالمي ولا سيما الصين التي تمثل منافسا شرسا وخاصة بعد انضمامها الي منظمة التجارة العالمية عام ٢٠٠١.

وهنا تجدر الاشارة الي ان الصين تمكنت الاستفادة من تصنيفها كدولة نامية والاستفادة من هامش المرونة المتاح لها علي ذلك الاساس لتعزيز موقعها في الاقتصاد العالمي كلاعب اساسي. كما تمكنت الصين من التصدي بنجاح بمحاولات امريكا بالتلاعب بقواعد المنظمة وكسب معظم القضايا التجارية المرفوعة ضدها في اطار هيئة فض المنازعات التجارية التابعة للمنظمة، بينما كانت كثيرا من قرارات هذه الهيئة ضد التوجهات الامريكيه وما تبع ذلك من فقدان وظائف لملايين الامريكيين لصالح التنين الصيني وهو الامر الذي اثار حفيظة ترامب ضد المنظمة.

وهذا يفسر قيام ألرئيس ترامب في ولايته الأولي بتعطيل تعيين القضاة في هيئة فض المنازعات التابعة لمنظمة التجارة العالمية هذا بدوره ادي الي تعطيل هذه الالية الجوهرية برمتها وفتح الطريق لهذه الاجراءات الاحادية.

وواصل ترامب في ولايته الثانية سياسته المعادية للنظام التجاري الدولي وقام باستخدام سلاح التعريفات علي طائفة واسعة من الدول المتقدمة والنامية علي السواء وبتجميد مساهمة بلده السنوية في ميزانية المنظمة.

ومع ذلك فأن قرارات الرئيس الامريكي الاخيرة في ظل الاعاقة المتعمدة لهيئة فض النزاعات ستساهم ليس فقط في زيادة التوترات التجارية على مستوى العالم بل ستمثل ايضا تحديا كبيرا لعمل ومستقبل النظام التجاري الدولي المتعدد الاطراف ومنظمة التجارة العالمية التي يتعين عليها القبول باجراء اصلاحات عميقة في نظامها للحفاظ علي سلاسة المبادلات التجارية علي مستوي العالم فضلًا عن استعادة الثقة في هيئة فض المنازعات التجارية.

والي ذلك نسلط في السطور القادمة من هذا المقال الضوء علي الية فض المنازعات التجارية في منظمة التجارة الدولية وكيفية عملها بصورة مختصرة.

آلية فض المنازعات التجارية:

‏توخيًا لإيجاد نظام تجاري متعدد الأطراف يعمل بصورة سليمة و سلسة لا يكفي أن يكون لدينا جملة قواعد عامة، او احكام متفق عليها فقط ، بل ينبغي أن تكون إلى جانبها قواعد أخرى تخول البلدان حق الانتصاف عندما تقع المخالفات، وقواعد أخرى لتسوية المنازعات والخلافات. وهكذا كان أنشاء آلية قويه متعددة الأطراف لتسوية المنازعات تتفادي بعض نقاط الضعف في نظام الجات السابق من أهم إلانجازات في جولة أورجواي.

و ينص اتفاق المنظمة على ايجاد نظام مشترك من القواعد والإجراءات التي يمكن تطبيقها في المنازعات الناشئة عن أي صك من صكوكها القانونية. و تقع المسؤولية الرئيسية في تطبيق مثل هذه القواعد والإجراءات على عاتق المجلس العام الذي يعمل بمثابة هيئة التسوية المنازعات.

‏من أهم المبادئ التي وضعتها هذه الأجراءات مبدأ عدم عرض النزاع على هيئة فض النزاعات من جانب حكومة أي بلد عضو الا بعد يخفق تسويته من خلال المشاورات الثنائية. كما تنص الأجراءات على أنه يجوز للطرفين بغية التوصل إلى حلول مقبولة لديها أن يطلبا من المدير العام أو أي مسؤول آخر بذل مساعيه الحميدة التوفيق والتوسط بينهما.

‏ويجوز للطرف الشاكي عند إخفاق المشاورات او الجهود في التوصل إلى النتائج المرجوة خلال 60 يوما أن يتقدم بطلبه بصورة رسمية إلى هيئة فض النزاعات لمباشرة تسوية النزاع وذلك بتشكيل فريق خبراء لدراسة الشكوى. و من اجل الإسراع في تسوية المنازعات ولضمان عدم التأخر في تشكيل فريق خبراء بسبب افعال البلد المرفوع ضدها الشكوى، تقتضي الأجراءت من هيئة فض المنازعات تشكيل فريق خبراء عندما تطلب منه الدولة الشاكية ذلك ما لم يكن هناك توافق في الرأي على عدم تشكيل الفريق.

وعند تشكيل هذا الفريق يرفع تقريره الي هيئة الاستئناف و هي بمثابة محكمة استئنافية. ويعتبر ذلك إضافة جديدة إلى نظام فض المنازعات. وتتألف الهيئة من سبعة اشخاص ذو باع مشهود لهم ممن لديهم خبرة في القانون والتجارة الدولية ومعرفة المواضيع التي تشملها المختلف الاتفاقات. ويشترط ألا يكون لأي منهم اي علاقة مع أي حكومة كانت. ومن بين السبعة اعضاء يستدعي ثلاثة أشخاص فقط لمباشرة الدعوي. ويعد قرار هيئة الاستئناف قرارًا قطعيًا وواجب التطبيق من قبل الدول المعنية بعد اعتماده من قبل هيئة فض النزاعات. وفي حال امتناع الدولة الخاسرة للدعوي عن التنفيذ تسمح الالية للدولة المتضررة إتخاذ اجراءات مضادة للحصول علي حقوقها.

وتجدر الاشارة الي ان معظم القضايا التي تم رفعها امام الية فض المنازعات التجارية كان نتيجة لمعلومات ومبادرات من القطاع الخاص والاتحادات النقابية ذات الصلة. وبلغ عدد القضايا المرفوعة امام هيئة فض النزاعات حتي الان اكثر من ستمائة حالة وهو الامر الذي يعكس ثقة الدول في اهمية المنظمة.

وعمومًا يمكن القول، وبعد ان انقلب السحر علي الساحر، بان الولايات المتحدة الامريكيه لا ترغب في المشاركة بفعالية في منظمة التجارة العالمية بل تعمل علي اعاقة عملها. وهذا الامر يجعل العالم امام خيارين: التخلي عن المنظمة والرجوع الي قانون الغاب او تعزيزها وقيادتها كمحفل دولي هام لا غني عنه ابدا للحفاظ علي السلام والامن الدوليين.

وبالنسبة للسودان نحسب بان بقاء منظمة التجارة العالمية كإطار قانوني ودولي متعدد الاطراف يخدم المصالح والاهداف بعيدة المدي للدولة، حيث سيساهم الانضمام لها في تعزيز معايير الحكومة والشفافية ودفعًا لجهود اعادة البناء والتعمير. فضلا عن ذلك فان العضوية لها قيمة مضافة حقيقية من حيث الاندماج في حركة التجارة الدولية وجذب الاستثمارات الاجنبية بالاضافة الي مزايا تيسير التجارة وتحفيز الابتكار وبناء القدرات.

[email protected]

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..