مقالات وآراء

عزة وغزة

عثمان يس ود السيمت

منذ بداية مأساة (غزة) بعد 7 أكتوبر 2023 بعد أقل من 6 أشهر من اندلاع (حرب الفجار) في (عزة) قمت بمشاركة مئات البوستات والفيديوهات عن مأساة غزة مما يجعلني أحد الناشطين المكثرين من التفاعل مع المأساة، وما زلت أرفع وأشارك يومياً عشرات المحتويات عن موضوع مأساة غزة. فهي أمة تباد وفي طريقها للفناء، بل هي محرقة لن تبقي ولن تذر من شعب كان يوماً اسمه شعب فلسطين خاصة شعب غزة، يكفي ان يموت طفل كل عشرة ساعات ويجوع شعب بأكمله. ناشدت فرانشيسكا ألبانيزي الدول التي (تحيط) بفلسطين اقتحام فلسطين من كل الاتجاهات لإدخال الغذاء والدواء والماء لغزة، فرددت عليها (ليست هناك دول تحيط بفلسطين ولا شعوباً حولها) والشيء بالشيء يذكر فقد كنت من أول من رشح فرانشيسكا لجائزة نوبل للسلام. لاحظت القلة الشديدة من الذين يقرأون ويتفاعلون مع تلك المحتويات حول غزة، بل هم مجموعة أقل من 5 أصدقاء تتكرر أسماؤهم ويتفاعلون دون كلل. في الجانب الآخر تردني تعليقات أفهم منها أنني أهتم لما يحدث في غزة أكثر مما يحدث في عزة، طبعاً مع افتراضات أنني كوز واتفاعل مع غزة لأنها (بؤرة كيزان) ومنهم من يطعن في وطنيتي ويسب ويلعن، بالرغم من أن هؤلاء لم أقرأ لأحدهم مقالاً عن مأساة السودان.
وفي عجالة على غير عادتي في طول مقالاتي سأكتب عن سبب هذه الفوضى غير المبررة في تفاعلي وتفاعلهم:
أولاً: ما يحدث في السودان منذ 15 ابريل 2023 وقبله منذ 25 أكتوبر 2021 هو صراع داخلي على السلطة. في 25 أكتوبر كان (انقلابا عسكرياً) مكتمل الأركان لم يدبر بليل وإنما في رابعة النهار على الحكومة المدنية والتي لم تكن مدنية بالكامل في صلاحيات سلطتها، بل كانت (كسيحة) اقتصادها وسلامها يديره حميدتي، وخارجيتها بيد البرهان يقابل من يشاء حتى نتنياهو وداخليتها بوزير معين من قبل المجلس العسكري وجهاز أمنها (ما المسئول عنه بأعلم من السائل) ووزاراتها (ذات العائد القابل للغف) بيد مليشيات سلام جوبا. ولو تبقى شيء من صلاحيات (الحكومات) ارجوكم ذكروني به. ثم اشتعلت الحرب بين طرفين في المجلس العسكري كلٌ يريد (السلطة كلها) له وأنتم تعرفون من هم وراء الطرفين.
ثانياً: أنا كناشط مدني لم يكن بيدي إلا أن أدعو لوقف كرة الثلج التي تدحرجت يوم 15 أبريل لأنني كنت أدرك تماماً أنها بداية النهاية لما تبقى من السودان. فلجأت لمن أثق في رجاحة عقلهم ـ وكان ذلك في أول أسبوع لاندلاع الحرب ـ وتواصلت مع الأخت الأستاذة نقية الوسيلة وكونا نواة لمجموعة (مدنية) تدعو لوقف الحرب وكان الهدف تكوين جبهة مدنية ليست عريضة وإنما عارمة لوقف الحرب، فماذا كانت النتيجة؟ كانت تجاهلاً، ثم استنكاراً ثم تجهيلاً بأننا لا نعرف سبب اشتعال الحرب ثم من الطبيعي واللازم أن نصنف كقحاتة. فنحن في السودان ارتهنا أنفسنا للتصنيف وللتاريخ. فلو (باظت) السياسة الخارجية فيجب حينها أن ينهض محمد أحمد محجوب من رقدته ليصلحها ولو انعدمت (النخوة والرجالة) في الحكومة يجب أن ينهض نميري من رقدته في (شبح عسكري نكرة) ليعيد النخوة والرجالة. أما في الأمور الجلل فنحتاج لنهضة السيدين (لا وليس ود السيمت وبت الوسيلة ، فمن هؤلاء ومن أين أتى هؤلاء) يجب نهضة السيد عبدالرحمن والسيد علي (ليجتمع السيدان) ومخرجات اجتماعهما تحلان المشاكل من السودان حتى أوكرانيا مروراً بغزة. فنحن شعب (انقطع عنه الخلف) وأعطبت جيناته وضربت الفوضى كرومزوماته. وبالطبع أفشلت الدعوة (لقروب لا للحرب) وإن بقيت شعاراً حتى الآن (مجرد شعار) أظنه ينتظر اجتماع السيدين. بل لم يستطع (اهل السودان) عاقلهم وجاهلهم الاجتماع على جبهة مدنية واحدة (كالعادة) فتأرجحوا بين (تقدم وصمود وتأسيس) ولم يتقدموا ولم يصمدوا ولم يأسسوا غير الخراب وتكريس الفرقة ونذر انفصالات أخرى.
ثالثاً: هناك فرق كبير في طبيعة مشكلة عزة ومشكلة غزة. الناس في عزة يقتلون ويشردون ويغتصبون وتبقر بطونهم ويموتون بالآلاف منذ دارفور والجنوب وكردفان والنيل الأزرق وفض الاعتصام وهذه الحرب لا بسلاح الصهيونية ولا سلاح أمريكا ولا بسلاح الطرف الثالث، حتى وإن كان الطرف الثالث والأطراف الصناعية الثالثة الأخرى أطرافاً (كفلاء) يدفعون، بل تغوص أياديهم في جيوبهم ولا يبخلون بشيء. أما القاتل فهو سوداني والمقتول سوداني والقتيل هو عزة والمشردة عزة والمغتصبة عزة والمدفونة دفن الليل أبكراعاً برة هي ايضاً عزة. فهل لعزة من بواكي. إن بكاء الأغبياء دائماً منتهي الصلاحية لا يعالج شيئاً لأنه يأتي متأخراً وبكاء الخونة المتآمرين كدموع التماسيح يخفي تحته مشاعر غير الحزن، ولكنه حزن تحته (ضحك كالبكاء وبكاء كالضحك) . اما بكاء السذج فلا توقيت له ولا يدركون لماذا يبكون حتى تقع الفأس في الرأس فيلجؤون (للإسقاط النفسي) للهروب من جهلهم. انظروا كم من الساعات أتاحها الإعلام الخارجي لنا فأهدرناها لأن من (ينتدبهم ولاة أمرنا بحكم الأمر الواقع علينا وقوع الفأس في الرأس) لم تتجاوز معرفتهم (محو الأمية) ثم أنظروا للناشطات والناشطين الفلسطينيين كيف يخاطبون العالم بلغة العصر ولسان العصر وبالحقيقة المجردة وبرسالة موحدة لا يختلفون على القضية. على المتشككين أن يسالوا أنفسهم لماذا ينهض كل العالم مع غزة ونحن في غيهب النسيان.
رابعاً: بعد كل ذلك لا تسألوني لماذا وقف العالم مع غزة ونسي عزة. فغزة لم تقتل بسلاح أبنائها ولم يخنها من أقسم على حمايتها، بل استشهد فيها القائد تلو الاخر ومسيرتها لا تتوقف. عندما نهضنا في ثورة ديسمبر المجيدة وقف العالم كله معنا وتغزل في ثورتنا واختار لها أيقونة (ونحن من جانبنا كالعادة) لم نفكر في ذلك واختلفنا في الأيقونة (إشمعنى فلانة وليس فلانة أو فلان). هذه عادتنا وطبيعتنا (ومن خله عادتو قلت سعادتو) مش كده؟ نحن نفسد كل شيء بمهارة شديدة فلماذا يقف العالم مع (أغبياء يتقاتلون بينهم على سلطة). العالم (مش فاضي لقضايا غباء يحركها أغبياء).
أخيراً: يوم نعرف أن لنا وطن ولنا شرف ولنا سيادة وأنه كما قال الفيتوري (كن الأدنى تكن الأعلى فينا). ويوم ننسى تاريخنا لننظر لمستقبلنا، بالرغم من أن الشعوب لا تنسى تاريخها، بل تستفيد منه وتتعظ بعبره، لكنني بالنسبة لنا أرجو أن نجري لشعبنا عملية غسيل تاريخ دماغي يحررنا من تخلفنا النفسي والفكري، بل (الشامل في كل شيء) يومها سيهب أبناء وبنات عزة، ويكونون جبهة مدنية صلبة لا يشق لها غبار وستقف وقفة يحار فيها العالم بما فيهم أهل غزة. فنحن عباقرة صناعة الثورات (وإن تعبقرنا في إضاعتها أيضاً). سينهض شباب هذه الأمة شباب عزة لا من رقدتهم الأبدية، بل من وراء حواسيبهم ومعاولهم وجميع أدوات انتاجهم ليمنعوا العابثين بأمن وسلامة ومستقبل هذا البلد وسيضربون على أياديهم وسيرسلونهم إلي حيث أتوا. وقتها لا ولن نريد من العالم حسنة أو وقفة معنا إلا كما نقف معه. نحن صنعنا ثورة ديسمبر ولن تموت وستكون ترياقاً لكل مشاكلنا بعد أن نطهرها من هوام وجراثيم وطفيليات علقت بها وأقعدتها.
هتاف الأمريكيين الآن (سنحرر غزة وغزة ستحررنا). فهل هناك مقارنة. ويحي عليك عزة في هواك فلم نعد نحن النبال وكثر وشاع فينا الخبل والخبال فصرنا نحن عليك النبال.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..