مقالات وآراء

فيديو الطفل الغض: الهزيمة الحقيقية لقوى الظلم

كمال الهِدَي

طالعت بياناً لقوات الدعم السريع (الجنجويد) يقول أنهم حققوا هزيمة ثانية ومتتالية علي الجيش والقوات المساندة، قرب منطقة ” أبو قعود” بشمال كردفان.
لكن الواقع يؤكد أنهم، رغم ما يعتبرونه انتصاراً عسكرياً، قد خسروا بالضربة القاضية، إذ شاهدنا جميعاً مقطع فيديو  يُظهر طفلاً غضاً  وقع أسيراً في أيدي جنودهم الهمجيين. وبدلاً عن معاملته كطفل، حتى لو كان مجنداً أصيلاً في مليشيا ” البراؤون” الإرهابية، تعاملوا معه بوحشية وقسوة أدمت أفئدة الكثيرين.
خاطبوه بفظاظة، وسمعنا أحدهم يقول لرفاقه:” رجعوا العربية دي”. وكل الخوف أن يكونوا دهسوه بها لاحقاً، خصوصاً بعد أن  سمعنا أحد الجنود يخاطب الطفل أثناء الاستجواب قائلاً: “آه دي ما حا تكون هنا بعد شوية”، في إشارة توحي بأنهم ربما أسكتوه إلى لأبد.
أعلم أنها لم ولن تكون الهزيمة الإنسانية والأخلاقية الأولى، ولا الأخيرة، لهؤلاء القتلة. لكنها تظل هزيمة بالضربة القاضية لمجموعةٍ جندت بعض ضعاف النفوس والعنصريين من المدنيين، في محاولة يائسة لإقناعنا نحن السودانيين بأنهم جماعة تحمل برنامجاً سياسياً، وتسعى عبره ” لبناء  سودان جديد يسع الجميع”.
لكنني لا أدري عن أي “جميع” يتحدث هؤلاء المدنيون، الذين كانوا في يوم من الأيام ثواراً، قبل أن ينقلبوا على مبادئهم،  وها نحن نتابع، بين يوم وآخر، فظائع قواتهم على الأرض، وما تمارسه من قسوةٍ ووحشيةٍ ضد االمواطنين، حتى لو كانوا في عمر صاحب الفيديو المذكور.
نشهد حرباً عبثيةً، يزعم كل طرفٍ فيها أنه علي حق، ويعتبر قتلاه شهداء، مع إن كليهما لا يستهدفان في الحقيقة سوى هذا الشعب المغلوب على أمره.
صحيح أن الجنجويد ارتكبوا فظائع كبرى ضد المواطنين في مختلف مناطق السودان، الأمر الذي زاد من حنق الناس عليهم، لكن ما يجب ألا نغفل عنه مطلقاً، هو أن الكيزان – أشر خلق الله – لم يصنعوا هذه المليشيا عبثاً، بل أرادوها أداةً لارتكاب هذه الفظائع بحق المواطنين الذين يكن الكيزان تجاههم حقداً دفيناً منذ استيلاء جيشهم على السلطة في العام ٨٩.
لهذا لا نمل من التكير بأن الموقف من هذه الحرب هو موقف أخلاقي أولاً وأخيراً، وكل من يزعمون أن انحيازهم لهذا الطرف أو ذاك بدعوى اختلافات أو تباينات في الرؤي والوسائل، إنما يكذبون على أنفسهم قبل أن يخدعوا الآخرين، ويحاولون فقط  تبرير مواقف وسلوكيات مخزية.
فالكيزان قتلة ومجرمون بارعون في ارتكاب الانتهاكات، وهم من فتحوا الأبواب للجنجويد كي يرتكبوا فظائعهم في الخرطوم والجزيرة وغيرها، تماماً كما استعانوا بهم من قبل لارتكاب الجرائم ذاتها ضد أهلنا في دارفور.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..